مواطنون يفترشون الأرض أمام مكاتب التموين منذ الفجر.. وسقوط السيستم يجعلهم يعيشون معاناة يومية.. موظفة: هترفد من الشغل بسببه خبير اتصالات: المنظومة الإدارية غير مؤهلة لهذه النقلة التكنولوجية الهائلة "فوت علينا بكرة يا سيد"، لسنوات طويلة، ارتبطت هذه العبارة الشهيرة في أذهان المصريين، والتي كانوا يصدمون بها عند توجههم إلى أحد المصالح الحكومية، لا يشترط بالضرورة أن يكون هناك سبب مقنع للتعامل بهذه البيروقراطية، فالموظف لا يعبأ في الغالب بمصالح المواطن، ولا يهمه ما يتكبده في سبيل الحصول على توقيع يتوقف عليه أمر ضروري. تغيرت الأوضاع، وتبدلت الصورة التقليدية عن الموظف، وبقيت البيروقراطية داخل الأجهزة الحكومية أهم ما يميزها عبر التاريخ، وحتى ما بعد إدراج معظم البيانات على جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) رغبة في تخطي الروتين والأوراق الضائعة، وغياب الموظفين، والانتهاء من الأعمال بسرعة، إلا أن عبارة "فوت علينا بكرة"، استبدلت بعبارة: "السيستم واقع"، حتى باتت هذه العبارة شعارًا ترفعه المؤسسات الحكومية. و"السيستم" هو مجموعة من العلاقات المنظمة بين مكونات الجهاز الخاص بالموظف، ومواقع تأدية الخدمة أو المهمة وتخزين معلوماته في المؤسسات الحكومية، فهي قاعة بيانات ضخمة للمواطنين في شبكة واحدة كبيرة، ولكل مؤسسة الجزء الخاص بها المسموع لها بالولوج إليه، وأحيانًا لا يكون "السيستم" خاصًا بالمؤسسة الحكومية، فقد يكمن العطل في "فلاشة" أو وصلة الإنترنت أو عيب بجهاز كمبيوتر نفسه، أو ربما وعكة صحية يمر بها الموظف تحول بينه وبين الانتهاء من عمله، وفي بعض الأحيان تكون العبارة صحيحة ويكون هناك فعلاً خلل بالنظام ويكون "السيستم واقع". وأشارت بعض الدراسات إلى أن حدوث عطل في التشغيل في بعض المصالح الحكومية بالدولة يرجع إلى عدة أسباب، أولها حدوث خطأ في البرنامج نفسه من خلال "الكود" الخاص ب"السيستم"، واحتمال حدوث هذا الخطأ نادر جدًا قد يصل إلى 1%، والحل في مثل هذه الحالة هو إعادة تشغيل السيستم من جديد، أو وجود عيب في البرمجة ينتج عنه حدوث صراع بين عدد من العمليات الإلكترونية في نفس الوقت. ولفتت إلى أن "وجود عيب في السيرفر نفسه قد يؤدي إلى حدوث عطل في السيستم، أو أن تكون هذه الأنظمة مفتقدة للحماية، ما يعني سهولة اختراقها من الفيروسات المنتشرة على الإنترنت، أو دخول "هاكرز" إلى نظام التشغيل". وفى دراسة حديثة نشرها موقع (speedtest )، وهو متخصص في قياس سرعة الإنترنت عالميًا، تراجع ترتيب مصر في قائمة ضمت 133 دولة، لتحتل المرتبة 130 في خدمة الإنترنت الثابت (الأرضي) بسرعة داونلود 5.69 ميجابايت فى الثانية، بينما المتوسط العالمي لسرعة الإنترنت الأرضي يبلغ 46.41 ميجابايت في الثانية. اعتراف الوزير مكاتب التموين تعتبر مكاتب التموين من الأماكن التي يتردد عليها المواطنون، خاصة مع إدخال تعديلات وإضافة بيانات جديدة خلال الفترة السابقة، سواء حذف، أو إضافة مواليد، أو استخراج بطاقات جديدة. وتنتشر الطوابير أمام مكاتب التموين منذ الساعات الأولى من صباح اليوم، وحتى مواعيد الانتهاء من العمل، ويتحول الأمر إلى كابوس مزعج عندما يكون "السيستم واقع"، فهذا معناه إعادة الكرة من جديد، وغياب من العمل، وتكرار الجلوس مبكرًا وافتراش الأرض أمام المكتب من أجل حجز دور، وما يتخلل ذلك من وقوع اشتباكات على أولوية الوقوف في الطابور، "أنا جيت قبلك، لا أنا جيت الأول". أمام مكتب تموين منطقة "ساقية مكي" بالجيزة، افترشت بعض النساء الأرض في انتظار أن يفتح المكتب أبوابه، للانتهاء من تقديم أوراقهن. "والله أنا قاعدة هنا من الفجر صليت الفجر ونزلت أحجز دور، المصيبة أني ساعات بجي وأروح ويضيع عليا اليوم من غير ما اعمل حاجة".. كلمات قالتها سيدة فضلت عدم نشر اسمها خوفًا من أن يتم تعطيل أوراقها ولا تنتهي منها. وأضافت ل"المصريون": "المكتب المفروض يشتغل الساعة 9، لكن بيجي الموظفون ويفطروا ومش بيفتحوا الشباك قبل الساعة 10، وبعدين يقولوا النت مش شغال، وشوية يقولون "السيستم واقع"، وكل يوم علي كده، وأنا مضطرة آجي علشان أخلص ورق بطاقة التموين بعد ما حذفوا 2 من ولادي". وتضيف سيدة أخرى معبرة عن غضبها من البيروقراطية الحكومية: "أنا هترفد من شغلي بسبب بطاقة التموين، بروح أمضي واستأذن علشان الحق الطابور، وطبعًا بآجي متأخرة وأحسن رد بسمعه "السيستم واقع" تعالي بكره". عبارة "السيستم واقع" يتم استخدامها جزافًا وأحيانًا كثيرة تكون غير حقيقية، هذا ما يؤكده الدكتور على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية قائلاً: "يجب علينا أن نعترف بوجود قصور في الخدمات لكي نطور أنفسنا"، متسائلاً: "هل عندما يذهب مواطن إلى مكتب التموين لاستخراج بطاقة بدل تالف أو بدل فاقد وينتظر أسابيع لا يتطلب ضرورة تحسين الخدمات، لازم نغير مفهوم السيستم واقع وعدى علينا بكرة"، مطالبًا قيادات الوزارة بضرورة تطوير الأداء والخدمات المقدمة للمواطنين وتغيير مفهوم الإجراءات للتيسير في تأدية الخدمات للمواطنين. السجل المدنى والاتصالات لا يختلف الأمر كثيرًا، فمن الطوابير أمام مكاتب التموين إلى طوابير السجل المدني، حيث يلجأ إليها المواطنون لاستخراج شهادات ميلاد إلكترونية، أو شهادات زواج أو طلاق أو وفاة. وعلى الرغم من أن السجل المدني في منطقة الهرم وتحديدًا "كايرو مول" يحتل مكانًا كبيرًا، إلا أن الطوابير دائما تخرج من أبوابه لتحتل الشارع العمومي في طابورين أحداهما للرجال والآخر للنساء. ومن الممكن الانتهاء من العمل بسرعة إلا أن المشكلة الكبيرة تكون دائمًا في "السيستم واقع" ما يؤخر الانتهاء من استخراج الأوراق المطلوبة". على الرغم من أنه أصبح من السهل حاليًا أن تدفع قيمة فاتورة التليفون المنزلي من مكاتب الخدمات السريعة المنتشرة في كل مكان، إلا أنه أحيانًا تكون في أشد الحاجة إلى فاتورة رسمية من السنترال لتقديمها كمستند رسمي في بعض الأحيان، وهنا تكمن المشكلة حيث يصطدم الراغب في الحصول على الخدمة بعبارة "السيستم واقع"، ولا يجد الموظف أو الموظفة بدًا من إدارة شاشة الكمبيوتر حتى يتأكد من ذلك. وامتدت عدوى "السيستم واقع" إلى الشركات الخاصة، وفي أحد فروع شركات الاتصالات، يرجع الموظفون ذلك إلى أن الولوج على الشبكة كبير وهو ما أدى إلى "تهنيج السيستم". العاصمة الإدارية بحلول منتصف العام الجاري، تستقبل العاصمة الإدارية 37 وزارة وهيئة حكومية تقع مقارها بمنطقة وسط القاهرة، بما يتجاوز نصف مليون مواطن مكدسين في مساحة محدودة متداخلة المبان. وبالفعل تم نقل نسبة كبيرة بالفعل إلى العاصمة الجديدة، فهل ستعاني الأنظمة الإدارية هناك من عبارة: "السيستم واقع" خاصة أن العاصمة بعيدة كل البعد عن المواطنين، والانتقال إليها والانتهاء من الأعمال هناك سيستغرق اليوم كاملاً، ولن تكون هناك إمكانية للتردد عليها باستمرار مثلما هو الحال الآن بالنسبة للقاهرة. الحرارة هى السبب وتقول البرلمانية مي بطران، إن هناك العديد من الأسباب وراء "سقوط السيستم" في المصالح والمؤسسات الحكومية، خاصة في ظل الأجواء الحارة التي تكون غالبًا هي السبب الأساسي، وأجهزة التكييف لا تعالج المشكلة في بعض الأحيان. وأضافت ل"المصريون": أن "في أي مصلحة يستوعب ملايين المواطنين وهي عملية مرهقة عليه، ومن الممكن أن تتسبب في تهنيج الأجهزة، وتوقفها عن العمل فيضطر الموظف إلى غلق الجهاز وإعادة تشغيله". وأوضحت، أن "أعداد المعلمين في وزارة التربية والتعليم وحدها يتجاوز المليون و400 ألف معلم، وهذا العدد يقارب عدد دولة مثل الأردن"، لافتة إلى أن "الكثير من الهيئات أصبح التعامل معها من خلال الإنترنت، وهو ما يوفر الوقت والجهد في التعامل مثل وزارة الدفاع التي جعلت التجنيد من خلال "السيستم" حتى توفر الوقت والجهد على الشباب الذي يستطيع التقديم من خلال المنزل أو "سايبر" بدلاً من مشقة التوجه إلى هناك". وأشارت إلى أنه "في القريب العاجل سيكون التعامل في كل المصالح من خلال الإنترنت، كما يحدث بالخارج"، موضحة أن "فكرة تعليم طلاب المدارس على استخدام التابلت الغرض منها الأساسي هي تربية الجيل الجديد على التكنولوجيا الحديثة دون خوف من الخطأ في التطبيق". منظومة غير مؤهلة ويقول الدكتور طلعت عمرو رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات، إن المنظومة الإدارية في مصر كانت وما زالت غير مستعدة للتطور التكنولوجي. وأضاف في تصريحاته إلى "المصريون"، أن "أي جهاز اتصال مهما كان له عدة مكونات، تبدأ من المتصلة بالموظف، إلى الجهاز الذي يتصل بالخادم الرئيسي، ويحتوي على المعلومات من خلال شبكة اتصالات، وهناك احتمالات كثيرة لوقوع السيستم في إحدى هذه المكونات". وتابع: "قد تكون المشكلة خاصة بالأجهزة نفسها، كأن تكون وسيلة الاتصال مقطوعة، أو قد يفصل السيرفر "الخادم الرئيسي" الذي يحتوي على المعلومات المخزنة به، أو تكون المشكلة في شبكة الاتصالات نفسها". وذكر أن "الموظف لا يستطيع الولوج إلى النظام إلا من خلال رقم سري خاص، فمثلا في السجل المدني الموظف المسئول يدخل إلى قاعدة البيانات الجزئية الخاصة باستخراج شهادة الميلاد ويقوم بطباعتها من على النظام الرئيسي، فهي ليست موجودة علي نظامه الخاص بل علي النظام الرئيسي". وقال إن "هذا الخطأ نتيجة لتقصير في البنية التحتية للمنظومة نفسها، فتم عمل التجهيزات بهمجية على النظام القديم دون الاستعداد بصورة مناسبة للتطور التكنولوجي". ونفى أن "يكون سقوط السيتسم بسبب كثرة الولوج إلى النظام، لأنه تمت معالجته بنسبة كبيرة، لكن أي نظام تكنولوجي معرض للعطل، وفي النهاية هناك مسببات للأعطال". ولفت إلى أن "أخطاء العامل البشري مؤثرة جدًا على النظام التكنولوجي، ومشاكله تكمن في أن هناك فصيلة من الموظفين معتمدين على العمل الأرشيفي بنفس الأسلوب القديم المتبع منذ 40 سنة، والغالبية منهم تجمعهم سلوكيات سلبية أكثر من إيجابية، وهو مؤشر إلى فشل إداري حقيقي وعدم الاهتمام بالمسئولية أمام المواطن، ولا توجد أدني درجة مبالاة واستهتار إلى جانب التعامل مع الناس بأسلوب مستفز للغاية". وأكد أن "ثقافة الشعب والمجتمع لم تكن مؤهلة لهذه النقلة التكنولوجية الهائلة، وأنه نادرًا ما نجد هذا في البنوك فالمنظومة داخل البنك يتم بناؤها علي أكمل وجه والموظف يتعامل بمسئولية". غير أنه شدد على أن "العاصمة الإدارية قد تكون محصنة من كل هذه الأخطاء لأن البينة التحتية المستخدمة حديثة وآمنة ومتطورة".