كتب- الحركة الإسلامية فى مصر تعيش أزهى أيامها وأفضلها منذ نشأتها قبل حوالى ثمانين عامًا بعد أن استطاعت أن تحظى بثقة الجماهير فى كل الاستحقاقات الانتخابية التى أجريت منذ نجاح الثورة وحتى الآن سواء على المستوى النقابى أو النيابى أو الرئاسى مما مكنها من الوجود فى مشهد الحكم لأول مرة فى تاريخها، ولكن الحركة الإسلامية رغم هذا الانتصار الذى جاء كثمرة عمل طويل وتضحيات عظيمة تعانى أوجاعًا عديدة لا ينبغى لأضواء اللحظة الراهنة المبهرة أن تعمينا عنها. فاندفاع الحركة الإسلامية إلى ميدان المعترك السياسى عقب الثورة جاء على حساب الدعوة والتربية وأبعد الحركة عن مهمتها الأصيلة كحركة دعوية إصلاحية تربوية وإن كان هذا الاندفاع قد جاء تحت ظروف الظروف المفاجئة التى وجدت فيها الحركة نفسها عقب الثورة والتى تطلبت من الحركة أن تسارع فى إنشاء أحزاب وخوض غمار عدة انتخابات مرهقة إلا أن غياب التنسيق بين فصائل الحركة الإسلامية - وهو أحد الأدواء العظيمة التى لم تسطع فصائل الحركة الإسلامية أن تعالجها - أدى بأن يدفع كل فصيل بأفضل كوادره التربوية والدعوية إلى معترك الانتخابات والعمل الحزبى فكان أداء أكثرهم تحت قبة البرلمان وفى ميدان العمل العام باهتًا لم يرق إلى تطلعات الجماهير وآمالهم وفى الوقت ذاته تركوا فراغًا كبيرًا فى ميدان الدعوة والتربية فلا هم أضافوا إلى العمل السياسى ولا وجدت الجماهير من يعوض نقصهم، فى وقت كانت الجماهير تحتاج إلى من يعوض الفراغ الذى تركه سقوط النظام السابق كما أنها كانت بحاجة إلى من يصلح لها منظومة الأخلاق والقيم التى شهدت تراجعًا مخيفًا على مدار العقود الماضية. والمفارقة العجيبة أن الحركة الإسلامية التى طالما اشتكت طويلاً من منعها من ممارسة حقها فى الدعوة والتربية والتضييق عليها فى استخدام المساجد طيلة حكم مبارك لم تستخدم المسجد حتى الآن الاستخدام الأمثل فى إحداث النهضة الأخلاقية والتربوية، فقد تفرغ شيوخ الدعوة ومربوها لرعاية الأحزاب الوليدة والتخطيط لها والتنظير لبرامجها ورسم خريطة تحالفاتها وعداوتها وهى مهمة لم يكونوا يومًا من أهلها ولا نشأوا فى كنفها ولكنها السياسة ببريقها وأضوائها ناهيك عن أضواء الفضائيات وبريق فضاء الإنترنت عبر التويتر والفيس بوك فرأينا خطابًا سياسيًا عجيبًا ولمسنا تراجعًا دعويًا مخيفًا. لقد آثر كثير من المنتسبين للدعوة نشأة وتربية أن يهجروها إلى ميدان السياسة وما دروا أنهم استبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير ناهيك عن " البهدلة " التى تعرضوا لها فى ميدان السياسة والتى خصمت كثيرًا من رصيدهم الدعوى والتربوى – ورأينا دعاة كبارًا تكونت شخصيتهم الدعوية عبر سنين طويلة تتهاوى شعبيتهم فى أشهر قليلة وهى أمور مقبولة فى حق الساسة ولكنها جد خطيرة فى حق الداعية الذى هو كالعذراء يشين سمعته أدنى ريب. وأكاد أزعم أن النظام السابق رغم حربه الشرسة على الدعوة ورجالاتها لم يستطع أن ينال منهم مثلما نالوا هم من أنفسهم نتيجة خوضهم مضمار تجربة لا يحسنون قواعدها ولا آلياتها وترك المجال الذى أجادوه عبر عشرات السنين. والحاصل هنا أن الحركة الإسلامية فقدت الكثير من الدعاة المؤثرين والنشطين منذ تنحى مبارك فى وقت كنا نمنى فيه أنفسنا بصحوة دعوية غير مسبوقة تعوض سنوات التضييق والملاحقات الأمنية وتسهم فى بناء الإنسان المصرى. كما أن الحركة تعانى وجعًا شديدًا نتيجة التشرذم الذى مازال يسيطر على فصائلها المختلفة وعجزهم عن الالتقاء لبناء رؤى دعوية ونهضوية مشتركة بل إن الحركة تشهد مزيدًا من التفسخ كلما حلت استحقاقات انتخابية ويظل المخلصون وقتًا يعالجون الآثار السلبية المترتبة على الانتخابات كما حدث فى انتخابات مجلس الشعب الماضية.. فقد كان المتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات على أرض الواقع من شأنها تقليل الفوارق بين فصائل الحركة الإسلامية ورسم ملامح خطاب دعوى جديد يعالج سلبيات العقود الماضية خاصة فى قضية ترتيب الأولويات والنزول إلى قلب المجتمع بدلاً من الإصرار على الوقوف على حوافه انطلاقاً من "جاهليته" أو "فساده"، كما أن هذا الخطاب المأمول ينتظر منه أن يستوعب التغيرات الكبرى التى يشهدها مجتمعنا بعد ثورة يناير والتى أثبتت أن حركة الجماهير فى الشارع كثيرًا ما تسبق وتتجاوز أطروحات "بعض" فصائل الحركة فقد رأينا فى أحداث الثورة كيف اندفعت الجماهير إلى الشوارع ثائرة على الظلم والفساد فى الوقت الذى ظلت فيه "بعض" فصائل الحركة حبيسة الجدران والأوهام تختلف حول شرعية الثورة على الظالمين والفاسدين متعللة بالخوف من الفتنة وما درت أن قعودها وتخلفها عن حركة الجماهير كان هو عين الفتنة. وللحديث بقية بإذن الله تعالى. [email protected]