أن يظهر واحد مثل توفيق عكاشة ويستفحل أمره، ويتحوّل إلى زعيم الغوغائيين فى مصر فهذا أمر له جانب آخر، مفيد لأنه من حيث لا يدرى ساهم فى سقوط مزيد من الأقنعة عن فريق آخر كان متخفيًا ممن يدعون الثورية ويمضغون كلمات حرية وليبرالية وديمقراطية، مثل "العلكة" حتى كادت هذه الكلمات النبيلة أن تصبح سيئة السمعة بسببهم. ساهم عكاشة بمن جذبهم للاصطفاف معه علنًا أو سرًا من شخصيات- وكيانات أيضًا- فى فضح رجال كنّا نظنّهم رجالاً، وما هم حتى بأشباه الرجال، وفضح منافقين طفح نفاقهم حتى تعروا كاملاً من دون ورقة توت تسترهم، وفضح كائنات تسمى النخبة تتفلسف فى حديثها عن القيم والمبادئ والأخلاق وهم أول من يخونون ما يقولونه. عكاشة المطلوب ضبطه وإحضاره لمحاكمته مطلع سبتمبر المقبل بتهمة إهانة الرئيس محمد مرسى والتحريض على قتله عليه أن يثبت اليوم حقيقة رجولته وحماسته وشجاعته، التى كان يعلو بها صراخه إلى خارج الاستديوهات بمدينة الإنتاج الإعلامى وعند "المنصة" ويسلم نفسه للعدالة، ويثبت أنه متمسك بالمواقف والآراء والاتهامات، التى كان يطلقها كل ليلة حتى طلوع الفجر إلا إذا اعترف بأنه جبان أو أنه كان مدفوعًا ومغررًا به من أجهزة أمنية أو جنرالات فى المجلس العسكرى القديم، أو أن أحدًا ما كان يجعله يشرب شيئًا "أصفر" فيصير خارج الوعى ليهذى ويهرف بما لا يدرك ولا يعى من فتن وحديث إفك ووقاحات تضلّل العامة وتهدّد سلامة واستقرار المجتمع، وتسىء لعلاقات مصر مع بلدان خارجية تدعم وتساعد مصر. أرى اليوم أن النظام السابق كان لديه بُعد نظر عندما كان يحتقر هذا النوع من البشر لأنه كان يعلم حقيقة تزلفهم وخوائهم فكان يتركهم ينبحون، وعندما يتكرّم عليهم يكون ذلك بعظْمة خالية من اللحم، وعندما كان مبارك يسخر من بعضهم فى ردوده على أسئلتهم أو نفاقهم فى افتتاح معرض الكتاب مثلاً فلأنه كان يفهم حقيقة فريق من المثقفين والإعلاميين والنخبويين بأنهم انتهازيون يعشقون البقاء تحت أقدام السلطان، لذلك كان يجلسهم وهم يتصبّبون عرقًا بل كان بعضهم يستعذب الإهانة من الرئيس لأنها تقربه إليه زلفى. هناك حدود للتهافت والانحطاط، وممارسات "العكش" وأقرانه تجعلنا نحترم فى السجين صفوت الشريف قدرته على قيادة هذا القطيع من المفرطين فى الكرامة والإنسانية، هناك مثلاً لقطات فيديو لهذا الكائن، وهو يعدو وراء الشريف دون خجل من الجمع ومن الكاميرات لينحنى ويطبع قبلة على يديه، وهو اليوم عندما يأتى ومعه نفر آخر على شاكلته ليتعمدوا إهانة الرئيس المنتخب واسع الصدر فإن هذا يجعلنا نشدد على ضرورة تفعيل عصا القانون بنزاهة وشفافية وعدالة.. عصا الشريف لم تكن القانون إنما عصا حقيقية ناعمة لكنها قاسية يخشاها من يمارسون الآن البطولة بأثر رجعى، حيث كانوا يسيرون على الصراط المستقيم المرسوم لهم، لكن مع الحرية انفلت عيارهم وظهرت حقيقة نفوسهم الجبانة، فالرئيس لا يريد أن يكون هناك "شريف" آخر بعصا أخرى، لكن هؤلاء يستكثرون على أنفسهم العيش باحترام وبآدمية، وهم وكل من يقف وراء مظاهر الانفلات فى المجتمع فى مختلف المجالات لن ينضبطوا إلا بالتطبيق الصارم للقانون. عكاشة كان يغثو كل ليلة بسقط الكلام فيثير فتنًا بين عامة الناس وبسطائهم وبذلك فقد كان خطرًا ليس لأنه قيمة كبيرة مؤثرة، إنما لأنه مشعل حرائق غشوم بلا عقل، ولذلك كان ضروريًا إيقاف منبره الضارّ منذ وقت طويل، وليس قبل أيام فقط، وقد صار هواء مصر أكثر نظافة، لكنه لم يتطهّر بعد من سموم فضائيات أخرى تنهج نفس منهجه لكن بذكاء خبيث، ومثل عكاشة هناك آخرون يجب مواجهتهم سريعًا بالقانون أيضًا، فالإعلام المنفلت لا يقل خطرًا عن الطغاة المجانين، الذين يشعلون حروبًا مدمرة فى أى مكان بالعالم. ومن المؤسف أن يغرق جنرالات فى المجلس العسكرى السابق فى السياسة والإعلام ويعجبهم حب الظهور والبروز وأضواء الكاميرات وبعضهم زيّن لعكاشة سوء عمله وجعله يتمادى فى غيّه، فأين هم اليوم من إنقاذه من ورطته، بل أين جمهوره، نذكر مثلا إطراء اللواء حمدى بدين، القائد السابق للشرطة العسكرية، عليه وعلى قناته واعتباره رمزًا للوطنية، وليس العسكر فقط الذين ساهموا بصنع تلك المهزلة بل شاركهم قضاة مثل المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، الذى أغرق نفسه وناديه فى السياسة من خلال تلك القناة وغيرها بدل الحفاظ على وقار وقدسية المهنة، التى يمارسها. بل من المخزى أن يصل السقوط إلى من ينسبون أنفسهم للثورة مثل حمدى الفخرانى، المتمسكن دومًا الذى ذهب إلى عكاشة بملابسه الممزقة زاعمًا أن متظاهرين شبانًا اعتدوا عليه، وكاد يبكى وهو يقول "شايف يا أستاذ توفيق"! أيًا يكن الخلاف مع الخصم السياسى سواء كان إسلاميًا أم ليبراليًا فلا يليق لأى مختلف يحترم نفسه ومبادئه أن يذهب إلى راعى قناة "البط" ليتخذ من منبره صوتًا له، فلا هو بمنبر للرأى الحر، ولا منبر للمعارضة المحترمة المسئولة، إنما كان منبرًا للبذاءات الليلية. [email protected]