بقلم د. ياسر الدرشابي تحسس البعض مؤخراً من التوجيهات التي تُوجه إلي مختلف أجهزة الإعلام لمراعاة ما تنقله من أخبار و معلومات قد تثير البلبلة و تشحن النفوس و تُزيد من التوتر بين الجماهير، كذلك و إعتبر البعض هذه التوجيهات بمثابة تدخل صارخ من السلطات يتنافي مع حرية الإعلام التي لم يشهدها الإعلام المصري في ظل الحكم الفاسد للنظام السابق. و في الوقت الذي نطالب كلنا فيه بالحرية لإعلامنا حتي لا يكون مسخاً يروج و يطبل للفاسدين و يشوه الحقائق و يضلل الشعب كما كان في عهد المخلوع، نطالب أيضاً بأن يكون إعلامنا علي القدر المطلوب من الحرفية و المسئولية اللتان تؤهلانه للحرية المنشودة. و كما يلزمنا جميعاً الإستعداد لممارسة الديمقراطية التي أتت إلينا بها الثورة و لم نكن نعهدها أو نمارسها من قبل، فكذلك يلزم علي كافة أجهزة الإعلام أيضا الإستعداد لتتعلم كيف تمارس الحرية بدون تهديد أمن المجتمع و وحدته عن دون قصد أو نية سيئة و خاصة في وجود بعض هذه الأجهزة التي قد تفعل ذلك عن قصد واضح و نية وضيعة تريد بها تدمير الوطن و نشر الفتن و ترويع المواطنين. فمثلاُ في الوقت الذي كان الشعب يحتاج فيه من الإعلام أن يُطمئنه و يَشدُ من أزره و يشييد بوحدته و يتوج فرحته، رأينا علي عكس ذلك حفلات الرعب اليومية التي يقوم بها عمرو أديب و شردي و رأينا من يلوم الشعب علي إهانة المخلوع و ينذره بعقاب الله الشديد علي ذلك مثل رولا الخرسا. و في الوقت الذي كان فيه الوطن يحتاج من الإعلام أن يُشجع تلاحم الشعب حول الجيش و الحكومة وجدنا الإعلام الذي يشكك في قرارات المجلس العسكري و يَسُب الحكومة و ينتقدها مثل القرموطي و توفيق عكاشة. بل و رأينا هؤلاء جميعاً يروجون للإحتقان بين المسلمين و المسيحيين بدعوي أنهم يريدون بحث المشكلة من أعماقها، فكانوا يستضيفون المتشددين من الجانبين و يتسابقون في ذلك كما يتسابقون في عرض أخبار لا تفيد إلا في شحن كل طرف ضد الأخر و يتحدثون عن الفتنة و كأنها حقيقة نعيشها كل يوم في مصر. فعندما يقول عمرو أديب "بلاش ندفن رأسنا في الأرض و نقول مفيش فتنة" نقول نحن أن ما أكثر كلمات الحق التي يريد بها الباطل. إن منبر الإعلام يتطلب الأمانة و النقاء و المسئولية. و في ظل وجود القنوات الخاصة أصبح من الصعب أن نضمن أن من يتولي أي منبر إعلامي ليس فاسداُ و ليس له مصالح شخصية كإحباط الثورة و تفرقة طوائف الشعب المتكاتفة. و قبل أن تطالب أجهزة الإعلام بالحرية يجب عليها أن تتميز بالحرفية التي تؤهلها للحصول علي هذه الحرية. فهل حرية الإعلام تعني أن يتحدث لاعبي الكرة و الطباخين و مقدمي برامج المرأة في السياسة محاولين فرض رأيهم مستغلين ماهم عليه من منبر و خاصة انهم معروفين بمولاتهم للنظام السابق؟ و العجيب ان أحداً من هؤلاء قد لا يكون حتي علي القدر المطلوب و الوعي الكافي اللازم لمخاطبة الجماهير بأسلوب لائق أن تتناقله وسائل الإعلام المحترمة. فمن الذي يُسأل عندما يتهم طلعت زكريا خيرة شباب الوطن بتعاطي المخدرات و ممارسة الفحشاء في برنامج رياضي يقدمه شوبير المعروف بإنتمائه للمخلوع؟ من الذي سمح بذلك؟ و من الذي أهل هؤلاء للحديث علي منبر الإعلام لبث السموم التي تفرق الناس عن الهدف السامي للثورة و هم من يُعتقد أنهم يتحدثون فقط في شئون الأهداف الكروية و ليس الأهداف السياسية. لطالما شغلنا و شتت إنتباهنا النظام البائد بمن جعلهم علي منابر الإعلام لبث السموم و الأفكارو لن ننسي حكايات ألف ليلة و ليلة التي تربط الرياضة بالسياسة و قام ببطولتها شوبير و مرتضي منصور و التي إستخدما فيها كل الألفاظ البذيئة التي دخلت بيوتنا و سمعها صغارنا بدون أي ذنب لهم. أما الفيلم الهندي لأحداث مباراة مصر و الجزائر التي تفرد بطولتها عمرو أديب و شاركه فيها الكثير من الفنانين و اللاعبين ممن هللوا و طبلوا و كأنها حرب كبيرة لنكتشف فيما بعد كذب هؤلاء جميعاُ. من هو خالد الغندور و من هو مصطفي عبده ليوجها للشعب المصري بكل طوائفه النصيحة و كأنهم علماء هذا الوطن و أكثره علماُ و ثقافة و وعياً. من الذي أعطي مثل هؤلاء الفرصة لإختراق العقول و دس السم في العسل. هل هذا هو الإعلام الحر الذي نريده؟ هل في ظل هذه البيئة التي يشوبها العار يمكن أن تعلو الأصوات المطالبة بحرية الأعلام قبل المطالبة بتطهير هذا الأعلام من كل فاسد أو صاحب مصلحة شخصية أو حتي رأي خاص. لا تستوي هذه الأصوات مع حقيقة أن كثير ممن يعتلوا منابر الإعلام المصري الخاص و الحكومي هم في الحقيقة من قَََََبلوا أيادي صفوت الشريف و أنس الفقي، و لا أقصد بهذا توفيق عكاشة وحده بل أعلم كما تعلمون أن هناك منهم الكثيرين. إذا فهي الحرفية التي تسبق المطالبة بالحرية و هي المصداقية التي تسبق المطالبة بأي حق أخر. و أخيراً ندعو الله أن يرتقي وعي الإعلامين المصريين ليقترب من وعي الشعب الذي يقرأ و يسمع و يشاهدهم.