في الوقت الذي ثار فيه الشعب لإحداث تغيير حقيقي يحقق حياة كريمة شريفة للمصريين، كنا ننتظر أن تقوم أجهزة الإعلام بدور إيجابي يواكب الأهداف النبيلة للثورة، كنا ننتظرأن نري إعلام مخلص يعمل علي بث الطمأنينة و الهدوء بين طوائف الشعب، كنا نحلم بإعلام يعمل علي توحيد صفوف الجماهير و شد أزر الجيش و حشد الشعب لمساندته، كنا نحلم بإعلام حُر يعبر عن نبض الملايين الذين ينتظرون الفرحة بعد دوام الأحزان أعوام طويلة. أبداً لم نكن نريد إعلام يعبر عن رأي منفرد لأهداف خاصة أو إعلام يروج للثورة المضادة و أفعالها المشينة. و لكن وا أسفاه و وا حسرتاه علي ما وجدناه من الأعلام أثناء و بعد الثورة. ففي الحين الذي بدأت أجهزة الإعلام الحكومي في التحرر، خاضت بعض القناوات الخاصة حرباً ذكية ضد الشعب و ثورته. و إذا كنا علي علم تام بوجود الثورة المضادة و خطورتها فلماذا إذاً نترك منابرها الأعلامية حرةً طليقةً تشيع الفتن و تروج الإشاعات و تُرهب الناس ؟ لماذا نترك من نعرف ولائهم و إنتفاعهم من النظام السابق يشتتون الإنتباه و يظهرون ما هو بعيد كل البعد عن أرض الواقع؟ أن حفلات الرعب اليومية التي يقوم بها برنامج "القاهرة اليوم" من شأنها إحداث فتنة كبيرة و فوضي عارمة في الوقت الذي يحتاج الشعب لمن يوحد صفوفه و يجعله علي قلب رجل واحد و هو ما يعمل عليه الجيش وتعمل الحكومة الحالية لتحقيقه. أن برنامج القاهرة اليوم يتوعد الناس بمستقبل مظلم و إقتصاد منهار و حكم متطرف، كما يتنبأ بالمجاعات و نقص المياة التي تنتظر الشعب بعد الثورة حتي قالوا صراحةَ " لا تتخيلوا أن الأيام القادمة ستكون لأفضل مما كان في السابق" و طبعاَ الهدف معروف ألا وهو فض الشعب عن الثورة و جعله يلعن اللحظة التي تحرر فيها من الفساد. و إذا كان الجيش قد ساند ثورة الشعب منذ اليوم الأول فإن هذا الإتجاه الإعلامي هو في الحقيقة مضاد لإتجاه الشعب و الجيش معاَ. و علي عكس كل أصوات العقل التي نادت بوحدة طوائف الشعب عندما ظهرت مشكلة كنيسة أطفيح فإن برنامج القاهرة اليوم إتخذ موقفاَ معاكساً يشعل الفتنة بدعوة إن الفتنة بين المسلمين و المسيحيين موجودة و متأصلة في مصر و لا يجب علينا أن نتجاهلها، فبدلاً من التهدئة و التذكير بوحدة الشعب أثناء الثورة قام مقدمي البرنامج بحقن الناس و إستفزاز غيرتهم علي الدين بسكب البنزين علي النار. أما عن الترويج للسلفيين ، فحدث و لا حرج. و كذلك كانت سياسة البرنامج أثناء أحداث مباراة مصر و تونس ففي حين أجمعت الأراء علي إن ما حدث كان فعلاً مدبراً من أجل إحداث الفوضي و إحراج القائمين علي حكم البلاد أمام العالم، رأي البرنامج أن ما حدث هو بسبب همجية و فوضوية وعدم نضوج الشعب المصري، و هي الصورة التي طالما حاول النظام البائد نقلها عن المصريين حتي يبرر قمعَه و بقاءهُ في سدة الحكم. و لم يسأل البرنامج أين كانت الفتنة و أين كانت الهمجية عندما نزل الملايين في أكثر ثورات العالم حضارة و تصميماً و وعياً. أين الدعوة ليفتخر الشعب بنفسه بعد أن رفع العالم كله القبعة تحيةً لنا بل إن الكثير من الدول طالبت بتدريس ثورة الشعب المصري لأبنائها. و اللحمد لله فقد كان للجيش الفضل في إحتواء هذه الأزمات تماما مثل ما حدث عندما حاولت الثورة المضادة إحداث الوقيعة بين الشعب و جيشه. فقد عمل برنامج القاهرة اليوم جاهدا ً علي التشكيك في الخطوات التي يتخذها الجيش فيتحدث عن ظهور جَمال مبارك حرا ً طليقا ًو يشكك في إمكانية الحصول علي الأموال المنهوبة و تقاعص الحكومة للمطالبة بها فيستثير الثوار الذين يخافون علي ثورتهم فيثورون أكثر رغم وعود المجلس الأعلي الصريحة بمساندة الثورة و العمل علي تحقيق أهدافها. و كما قام بدوره في إحداث الوقيعة بين الشعب و جيشه فإن هذا البرنامج يقوم الأن بنفس الفعل لإحداث الوقيعة بين الشعب و حكومة د.شرف فتارةً يشكك في مصداقية الإجراءات و تارةً يسخر منها و تارةً يروج لتقاعص الحكومة في حل مشكلة قنا و باقي المحافظات. و لن نذكر هنا الألفاظ النابية و الحركات المبتذلة و الإيحاءات الجنسية التي يتعرض لها كل من يشاهد برنامج القاهرة اليوم. و علينا أن ننتظر لنتابع حلقات الرعب القادمة عن تفجير أنبوب الغاز الذي يمد إسرائيل و محاولة لصق التهمة بالثوار أو بالجماعات الإسلامية و إبعادها عن فلول النظام التي قامت بتفجير نفس الأنبوب أثناء الثورة حتي تشعر إسرائيل و أمريكا بالتهديد فيزيد الدعم الخارجي للمخلوع. ماذا ننتظر ممن طرده الثوار من ميدان التحرير ؟ هل ننتظر منه العمل علي إستغلال منبرة في توحيد الشعب و مساندة الثورة ؟ و هل نسينا الأخ الإعلامي الفاضل المقرب من المخلوع و الذي يقال أنه كان الذكي الذي يكتب له خطاباته التي بدون قصد منه أنجحت الثورة ؟ هل نسينا أنه أُرهق و تَعب كثيراً في اللف علي القناوات الفضائية أثناء الثورة مروجاً للمخلوع و محاولاً إستجداء العطف عليه متجاهلا ًبذلك رغبة الشعب و معاكساً لأهداف الثورة. الم يكن هو أيضاً الراعي الرسمي لإنتخابات المخلوع في 2005 ؟ ماذا نسمي العمل علي إحداث الفتنة بين الجماهير؟ ماذا نسمي الترويج للفوضي و تخويف الناس منها ؟ هل هذه هي الخيانة العظمي ؟ و إن لم تكن كذلك فماذا تكون ؟ و ما هي إذاً الخيانة العظمي ؟ بقلم د. ياسر الدرشابي