أنا لا أحب هؤلاء الذين يأتون إلىّ مُسبِّلى الأعين ومطأطئى الرؤوس، يتغزلون فى عيونى دون داع، ودون احترام بمناسبة وبغير مناسبة، ينظمون القصائد فى رونق الشفاه ورقتها! لا أحب هؤلاء الذين جردونى من العقل، ومن كل المهارات الحياتية أيضاً وكل المواصفات، فلا يرون غير أنى أنثى.. أنثى فقط! ويحكم أيها الرجال! وأعنى هؤلاء الذين يدعون الرجولة والشهامة وهم فى وتر التيه يلهثون وبالنفاق مقنَّعون بالفرقعات الجوفاء والرنين الزائف.. هؤلاء الموجودة فى نفوسهم أشياء طيبة ولكنها راقدة فى غفوة! لقد علاها الصدأ من طول الرقود.. أنا لا أهوى افترار المشاعر على الطرقات، لم أقع أبداً فى فخ التسول العاطفى، ولن أسمح بأن تتشرد مشاعرى على أرصفة الآخرين الضماء! ذلك أن مشاعرى لوحات سيريالية لا يفقهها سواى، وسوى من اقترب منى بأناقة الفكر العبقرى والأسلوب الأشَمّ، فأنا لست مجرد أنثى.. أنا رسالة أتت من عالم آخر، لها فكر وعقل وقلب، تيقن -يا من تعتدى بالقول أو العمل على إناث الكون فى الطرقات- أن امرأة ما، ربما تمتلك قوة الرعد وصلابة الجبال، وأخرى تمتلك ضياء لا يعرف له مصدر، ورنيناً لا يعزفه إنسان، أو قد تكون لوحة لم تنقش بعد.. عزيزى القارئ، كثيراً ما تكأكأ الناس حول الجسد حتى تخيلوا أن فى القشور لباباً، وفى الحقيقة هى لا تطعمهم من جوع ولا ترويهم من ظمأ، هذه نقطة.. أما النقطة الثانية، فبأى حق يسمح رجل ما لنفسه بأن ينهش النساء بنظراته أو بمطاردته لهن فى الشوارع العامة أو تلك الخاصة!! ذكر يفعل هذا هو على يقين أنه يقترف الكثير من الذنوب والآثام.. ليس فى حق الله فقط، بل فى حق كل رجل حقيقى وحق نفسه.. يوم يصبح رجلاً حقيقياً.. شبه عاريات النساء فى الغرب، لكن أحداً لا يجرؤ على المساس بهن، رغم أن رجالهن ليسوا من العرب الذين اتصفوا بالشهامة والخلق، وليسوا من المسلمين الذين يمتلكون العديد من الآيات الحكيمة التى تحث على الالتزام بالخلق القويم، والمنهج السليم والتعفف مهما كانت المغريات، ومهما بلغت درجة الحاجة بداخلك، إنهم ببساطة لم يختصروا المرأة فى جسد حبيبة أو زوجة.. بل يقدسون حريتها فى أن تعامل باحترام كإنسان بغض النظر عن نوعه.. يعطونها حقها فى أن تكون كائناً له آدميته التى تسمح له بمرونة التحرك، والسعى بين مجالات الحياة دون خوف من أن تنتهك أو ينهال عليها الآخرون بحماقات مرضية، كتلك التى نعانى منها فى الشارع المصرى والعربى، إنهم أيضاً يخضعون لقوانين دولهم التى تعاقب وبقوة مثل أصحاب هذه التصرفات الساذجة والهلامية، ونحن؟ متى سنخضع لأعظم قانون فى الكون؟! متى سينتصر شباب الأمة على هذه التفاهات وغيرها؟ أبداً لن تنهض أمتنا طالما نعتدى على بعضنا البعض.. الشاب على الفتاة، وأحياناً الفتاة على الشاب (فى حال تميعها وخضوعها بالقول أو النظر)، وأنا هنا لا أريد اعتلاء المنبر، لكن لا أريد أن أكون كريشة فى مهب الريح! بل أحاول -مجرد محاولة- أن أيقظ ضمائر الخلق.. وإن أيقظت واحداً فهذا يكفينى! ولا حتى أرى أن المرأة هى أهم ما فى العالم ولا أنها ستحكم العالم فى المائة عام القادمة -كما قال ثيربرد- فقط أود أن نكشف جراح أمتنا أمام الشمس فتندمل، نفضح ونعاقب المعتدى، حتى يسقط الفساد الخلقى وشتى أنواع الفساد -تماماً كما كشف جورباتشوف الانحلال والانتهازية والمخدرات فسقطت الشيوعية بعد سبعين سنة من الممارسات العنيفة! د.أسماء عايد - من السويس ومقيمة بإيطاليا