وأقصد بها النخبة الثقافية؛ فالنخبة أصبحت بالفعل "نكبة". فمشكلة مصر الحقيقية بعد الثورة تكمن فى نخبتها الثقافية، التى تطفو الآن كالزبد على سطح الأحداث.. لقد نكبت مصر فى هذه النخبة– أو بالأصح النكبة- إذ يبدو أن جرعة الحرية كانت زائدة وظهرت لها مضاعفات من مظاهرها على الإجمال التطاول والتهوين من أمور تستأهل الإكبار والتعظيم، واستخدام أساليب لم نعهدها على مدى ستين عامًا خلت من الحكم العسكري، وكأن هذا الأخير كان له فضل على الناس، فقد أدبهم وهذبهم ووضع لهم خطوطًا لا يقربونها. والمدهش أن التطاول وسوء الأدب لم يعد مقصورًا على العامة، وإنما وجد له مجرى على ألسنة الخاصة. النكبة – أقصد النخبة- الثقافية فقدت القدرة على التمييز بين ما يصح وما لا يصح.. تجدهم مثلا يزدرون اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ويسفهون أعمالها.. ينتقدون التشكيل الوزارى ولما يبدأ عمله بعد، يستنكرون استرداد رئيس الدولة المنتخب لحقه الأصيل، بينما لم تستنكر استحواذ المجلس العسكرى غير المنتخب على سلطة التشريع، حتى زيارة أمير قطر لم تنج من استنكارهم وسوء أدبهم.. هذه "النكبة" الثقافية والإعلامية تستخدم ألفاظا تغرى بالانقضاض على رئيس الدولة المنتخب صاحب السلطة الشرعية. هذه النخبة تعمل على إثارة البسطاء، وتشوش على كل عمل طيب، وتثير البلبلة. لا تفسير لموقف هذه "النكبة" إلا أنهم لا يستطيعون التخلص من العبودية التى اعتادوها وتربوا عليها خلال الحكم العسكري.. هذه "النكبة" كارهة للإسلام، ولكل من يحمل اسمه، ولا يتصورون أن تكون الغلبة لحزب الحرية والعدالة أو لرئيس يعرف معنى الإسلام قولا وعملا. لم نسمع أن ثارت حمية هذه النكبة من أجل مذابح ماسبيرو والعباسية وبورسعيد.. ثم رفح وما أدراك ما مذبحة رفح، ولا من أجل الحرائق التى التهمت جزءا عزيزا من تراثنا.. أنهم يريدون أن يظل الرئيس عاجزًا عن فعل أى شىء ليكون عجزه وترا يعزفون عليه، ومن أجل هذا العجز الرئاسى استنكروا القرارات الأخيرة للرئيس، والتى كانت قطاعًا عريضًا من الشعب فى انتظارها، ليس عن عدم رضا عن المجلس العسكرى، وإنما حرصًا على المؤسسة العسكرية بكاملها، وإنهاء للصراع المكتوم على السلطة، الذى يقف حائلا دون تحقيق ما قامت من أجله الثورة.. الناس يتطلعون إلى المزيد من القرارات الإصلاحية. سيادة الرئيس.. لا تبخع نفسك أن هناك حتى اللحظة من يتآمرون عليك ويريدون إفشالك ويغرون بك الأراذل.. هم يمكرون، وسيمكر الله عنك وعنا وسينقلب السحر على الساحر.