حسنًا فعل الرئيس المصرى محمد مرسى بامتناعه عن الذهاب إلى جنازة أبنائنا شهداء القوات المسلحة، الذين ذهبوا ضحية الغدر والجهل والخيانة فى سيناء، كل من شارك فى الجنازة قال ذلك، لأن بعض "مقاولى" البلطجية حشدوا عدة مئات من محترفى البلطجة رجالاً ونساء لإهانة رموز الدولة والقوى السياسية المؤيدة للثورة مع عدم مراعاة طبيعة اللحظة وحرمة الجنازة والموتى، غير أن ما حدث فى الجنازة ينبغى أن نتوقف عنده مليًا لكى نضع النقاط فوق الحروف قبل أن تفلت الأمور وتستعصى على الاحتواء، فما حدث لم يكن احتجاجًا سياسيًا ولا خلافًا مع رئيس الجمهورية ولا حتى الإخوان ودولة المرشد المزعومة، لأن حمدين صباحى ليس فى دولة المرشد وعبد المنعم أبو الفتوح صراعه مع الجماعة مشهور والدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء، كان قبل أسابيع فقط فى حكومة "العسكرى"، التى يرأسها الجنزورى، وبالتالى فالاعتداء على هؤلاء وعشرات غيرهم من رموز القوى الوطنية والثورية، التى ذهبت للجنازة بوازع إنسانى ووطنى يكشف عن أن الترتيبات كانت محض بلطجة، ويعرف "مقاولو البلطجة"، الذين رتبوا الجريمة والاعتداءات فى المسجد أو عند المنصة أن أى رمز وطنى من هؤلاء يستطيع وحده أن يحشد مئات الآلاف فى مثل هذه المناسبات أو غيرها ويمكنه أن يوقع "العقاب الشعبى" بمقاولى الأنفار هؤلاء ويمكنه أن يمنعهم شعبيًا حتى من الذهاب إلى مكاتبهم أو منازلهم، وأتصور أن هذا سيحدث بالفعل قريبًا إذا لم تتدخل الدولة وتحمى هيبة مسؤوليها وتبسط القانون وتمارس سلطاتها على الجميع بلا استثناء، لقد كان المنظر مثيرًا ومدهشًا عندما ترى شخصية هزلية بدون أى قيمة سياسية أو رسمية مثل "توفيق عكاشة"، وهو معزز بحماية قرابة ثلاثين رجلا من الشرطة العسكرية والقوات المسلحة، فى حين أن رئيس وزراء مصر لا يحميه "عسكرى جيش واحد"، ويضطر إلى الهرولة هربًا من محاولات الاعتداء عليه، هذا مشهد يحتاج إلى تفسير، ليست هناك أى مشكلة فى التحرش بمسؤولين أو حتى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، فهذه بعض ضريبة الديمقراطية، التى تدفعها حتى أعرق الدول الغربية ديمقراطيًا، غير أن الفارق أن ثمة قانونا ونظاما يتم بموجبه توقيف من يتجاوزون فى حق المسؤولين أو يعتدون عليهم بالقول أو الفعل ويتم تقديمهم للعدالة الطبيعية، أما أن يحدث هذا التهريج طوال عدة ساعات دون أن يتم توقيف أى شخص من هؤلاء البلطجية، فهذا يعنى مباركة بعض الجهات الرسمية المعنية بالأمن، لتلك الاعتداءات، وأنها ربما كانت على علم كامل ومسبق بالترتيبات، وأتمنى من القيادة السياسية الجديدة، سواء رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ألا يترك مثل تلك المواقف مهما صغرت تمر مرور الكرام، وإنما لا بد أن يتم التحقيق فيها ومع كل من قصر فى حماية الشخصيات الرسمية، ليس غضبًا لأشخاصهم، ولكن حماية للشرعية والمؤسسية وكرامة الدولة ذاتها، ومنعًا لتفاقم الأمور، لأن البلطجى الذى يضع "فرشة" لبيع الملابس على رصيف عندما يتم تجاهل اعتدائه على النظام العام والتسامح معه وغض الطرف، فإنه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيحتل نصف الشارع، وليس الرصيف وحده، والبلطجية، الذين افتعلوا التحرش والاعتداء على الرموز الوطنية والقيادات الرسمية فى الجنازة، إذا أدركوا أن هذا الأمر يمر "عادى" فإن المرة القادمة سيأتون إلى المناسبات بالسنج والسيوف والخرطوش، وسيكون على الآخرين أن يقرروا حماية أنفسهم ورموزهم بأنفسهم، وأن يردوا الاعتداء بمثله أو أكثر، باعتبار أنه لم يعد هناك دولة، فعلى القيادة السياسية أن تقطع الطريق على تفاقم هذا المسلسل الفوضوى بالتحقيق الصارم ومعاقبة أى مقصر فى أداء الواجب المنوط به. [email protected]