منذ قيام ثورة 25 يناير، لم يتوقف الكلام عن ضرورة إعادة بناء الدولة "الجمهورية الثانية" التى سيجد كل مصرى مكانا له بداخلها. .الوطن الذى يستوعب خلافات أبنائه الصغيرة وأفكارهم الضيقة وتطلعاتهم السطحية، ويعود هذا الوطن فخور بأبنائه ومصدر فخر له وليس مصدر إزعاج وانشاق وفرقة وتناحر كأننا فى حلبة سباق وستعود مصر كما كانت فى المقدمة. سيعود الإنتاج والعمل والحقوق والواجبات وسيفكر كل شخص فى واجباته قبل حقوقه.. سنفكر معا بروح الفريق حتى نعبر هذه المرحلة.. بعد الثورة قالوا جميعا فى نفس واحد إننا نستطيع فى عام واحد أن نحقق ما لم نحققه فى ثلاثين عاما ونتصدر المقدمة فى ترتيب الأمم. والأزهر سيعود كما كان رائدا معلما مشرقا مستنيرا متجددا محافظا على مكانته وكرامته يؤدى رسالته فى تجرد وكبرياء رافعا راية الوسطية كبير بعلمائه. وسوف يبتعد قدر طاقته عن السياسة والجدل السفسطائى منشغلا فقط بالعلم وراية الإسلام وستعود الكنيسة كما كانت تؤوى المسلم قبل المسيحى هادية لمن يحملون كتاب عيسى ومرحبة بمن يحملون كتاب محمد وتصد بيدها كل من يحاول شق صف الوحدة الوطنية.. ستقدم كل ما لديها من شموع لإشعالها فى سبيل الوطن.. لن تتوقف أجراس الترانيم فى الكنائس نداء أن الوطن فى خطر فأنقذوه ولا فرق بين مسلم ومسيحى. سيعود القضاء كما كان رمزا للحق والعدل والصدق والتسامى والترفع عن الصغائر باحثا عن العدل وحده مرددا فى ثبات وثقة: "إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، سيعود أبناؤه كما عهدنا "كبارا" معتزين بكبريائهم. ستعود الشرطة لولاء الواجب "الشرطة فى خدمة الشعب" مرددة نداء الوطن فى تنفيذ القانون وتوفير الأمان. سيعود العلم لمكانته الطبيعية فى مقدمة اهتمامات الحكومة باحثا عن كل ما يفجر طاقات المصريين نحو الإبداع. سيعود أستاذ الجامعة كما كان لا يشغله سوى علمه واطلاعه ونهضة وطنه. سيعود كل شىء إلى أصله، سيقف الكبار فى المقدمة ويتراجع الصغار للخلف.. ستطفو القضايا الكبرى على السطح وتسقط التفاهات.. يشترك الجميع نحو هدف واحد هو إعادة البناء وتوديع الذى كان. وإذا بنا بعد كل هذه الأشهر من الثورة نكتشف أنه رغم كل هذه الخطوات أننا نسير فى نفس المكان.. وعندما نتحرك خطوة واحدة للأمام نكتشف أنها للخلف وكأنه يعز علينا أن نتقدم للأمام فقد خلقت الثورة صغارا احتلوا مكان الكبار دون خجل وبات الشقاق هو الهدف والانقسام هو الغاية وغابت الموضوعية وفرض الانحياز نفسه على المشهد.. وبات الجميع فى حالة اشتباك وصراخ لا تعرف من ينادى لمصلحة الوطن ومن يهتف ضده.. وأصبح من يتحدث باسم الثورة أكثر ممن يستمعون إليها.. ومن يعملون ضد الوطن أكثر ممن يعملون لصالحه.. حلمنا بالديمقراطية ولم نحترم نتائجها.. طالبنا من الجميع بأن يختبرنا فى الديمقراطية وإذا بنا نفشل فى أول اختبار.. كنا نتباهى بطوابير الانتخابات الطويلة ولم نرتضِ بما أفرزه الصندوق حيث يرفض الكثير نتائج الانتخابات الرئاسية ليس قولا وإنما عملا نجحنا بامتياز فى شق الصف.. تحدثنا كثيرا باسم المواطن على غير هواه أجبرناه على المشاركة فى أحداث لم نكن نتمنى أن يكون شاهدا عليها. ولم نعوض فى 17 شهرا ما فاتنا على مدى 30 عاما كما كنا نحلم ولم تعد مصانعنا للعمل كما كنا نتمنى ولم يعد عيد العمال عيدا لكل مصرى وتوقفت الماكينات عن الدوران وهرب الاستثمار وسقطت البورصة فى بحر السياسة وأصبح الكل يبحث عن حقوقه قبل واجباته وعن مكاسبه قبل تضحياته وعن واقعه قبل أحلامه. وعرف الأزهر طريق الانشقاق وباتت تصريحات شيخه فى السياسة أكثر من تصريحاته الدينية. وانصرف شيخه غضبا على عدم تخصيص مكان له أثناء خطاب رئيس الجمهورية بجامعة القاهرة وكأن القيمة تصنعها المقاعد وليس العكس.. وباتت العمائم البيضاء تحمل الكثير من الكراهية أكثر مما تحمل التسامح.. وأصبح الشيخ والمشيخة يبحثان عن طوق نجاة. وأصبحت الكنيسة تتحدث فى السياسة أكثر من حديثها عن التسامح والإيثار ووصايا المسيح وحب مريم العذراء وأصبحت تبحث عن الخلاف قبل الاتفاق. وأصبح القضاء ممزقا متجاوزا غاضبا منشقا ودع كبرياءه وبهاءه وأصبحت المنصة تحمل الحكم ونقيضه فى الوقت نفسه وأطلت السياسة برأسها على الوشاح الأخضر فأفقدته حلمه وصبره وبصيرته. ولم يعد أستاذ الجامعة كما كان وأقحم نفسه فى السياسة ولم تعد الجامعة كما كانت منبر الليبرالية وقبول كل الأطراف فقد ضاقت جدرانها الواسعة على الأفكار قبل النشر. هذه هى الصورة حاليا فى مصر فى جميع القطاعات تعانى من مشاكل وأزمات طاحنة يبحث كل طرف فيها عن حقه فقط قبل واجبه. والسؤال هل نملك رفاهية الانتظار فترة أخرى حتى نبدأ مرحلة البناء؟ أم نبدأ من الآن ونودع انشقاقنا وخلافاتنا وتناحرنا حتى نستطيع أن نقول إننا أنجزنا ثورة حقيقية كان الوطن فى حاجة إليها، فهل من مستجيب وملبٍ للنداء؟