تعيش المدن الليبية حالات من الانفصال والانقسام حيث انحازت بنغازى ودرنة والبيضاء إلى الثوار ومعهم قيادات مسئولة فى مجلس قيادة الثورة وسفراء ليبيا فى الخارج فيما بقيت طرابلس وسرت تحت سيطرة العقيد القذافى الذى أعلن الزحف المقدس من الصحراء إلى الصحراء لتطهير ليبيا مما تتعرض له من مخاطر الانقسام والاستيلاء على ثرواتها ومن غير المعروف ما إذا كان نظام القذافى سوف ينفذ ما أعلنه الزعيم الليبى فى خطابه وكذلك سيف الإسلام نجله أم أن الوقت جاء متأخرا ليصبح مصير النظام كما فى مصر وتونس بعد خطب وجمعتى صلاة. كان من الممكن معالجة الموقف فى ليبيا قبل أن تسيل دماء الشهداء والتى أصبحت الشرارة الأقوى تأثيرا فى نقل النظام إلى الماضى. فالجميع متعاطف بدرجات وشهدنا استقالات بالجملة للسفراء الليبيين فى معظم دول العالم- ومعهم وزيرا الداخلية والعدل احتجاجا على استخدام القوة المفرطة التى أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى بالمئات على حد قول شهود العيان- لكن خطاب المهندس سيف الإسلام القذافى استفز المحتجين وزاد من غضبهم واعتبروه تمهديدا لاستخدام القوة المفرطة. يذكر أن سيف الإسلام قد حذر من انفصال ليبيا إلى ثلاث ولايات وقال إن الانفصال عنده جذوره ويمكن أن يعود إلى وضعه منذ 70 عاما عندما كانت ليبيا ثلاث إمارات- إمارة برقة وولاية طرابلس وفزان.. كما أشار إلى أن ليبيا ليست تونس ومصر- وحذر من وقوع حرب أهلية بين القبائل ووضع الليبيين أمام خيارين إما العودة للفقر والاقتتال والاقتتال والانفصال والفوضى العارمة وإما طى صفحة ما حدث والانتقال إلى حوار وطنى على دستور جديد يفتح آفاق الحرية ويلغى الكثير من القيود الموجودة والعقوبات الشخصية التى كانت موجودة- كما عرض نظاما جديد يستند إلى الحكم المحلى وأن تختار كل منطقة أبناءها ليحكموها ويديروا شئونها وأن يكون هناك حكم مركزى محدود- وأن يتفق على ليبيا جديدة- ليبيا الغد التى يحلم بها الجميع- وقال سيف الإسلام إذا لم نتفق على هذا السيناريو فكونوا جاهزين للسيناريو الثانى.. وهو أن تتحول ليبيا مثل الصومال وأفغانستان وإلى إمارة إسلامية تحكمها مجموعة من الإرهابيين. وأضاف أن الغرب وأمريكا لن يسمحوا بضياع النفط الليبى، وإذا حدثت فوضى فإن العالم سوف يضع ليبيا تحت الوصاية والاستعمار. وأضاف أن موقع ليبيا الجغرافى يفرض التدخل لأنها تمتلك «2000» كيلو متر على الساحل وتبعد نصف ساعة من أوروبا. ثم عاد ليؤكد بأن نظام القذافى لن يفرط فى ليبيا ولا حتى شبر منها.. وسنقاتل حتى آخر رجل وحتى آخر امرأة وحتى آخر طلقة ولن نترك البلاد لقنوات إعلامية مغرضة ومجموعات من البلطجية والخونة الذين يعيشون فى الخارج. اتهام سخيف اتهم سيف الإسلام بعض العرب والمصريين والتوانسة بالتحريض على الثورة والاحتجاج فى بنغازى ومصراتة وطبرق ودرنة وقال إن المصريين والتوانسة لديهم سلاح وموجودون فى ليبيا وسوف يحتلونها ويستولون على النفط والمنازل والأرزاق. لكن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط انتقد ما ورد فى خطاب سيف الإسلام ووصفه بالاتهامات السخيفة. وأكد أبو الغيط على أهمية قيام ليبيا بواجبها فى حماية أرواح وممتلكات الجالية المصرية المتواجدة فى كافة المدن الليبية وأوضح أنه تم تشكيل مجموعتى عمل للتعامل مع الأزمة الليبية واحدة داخل وزارة الخارجية وهى فى حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات على مدار الساعة والثانية تشارك فيها الوزارات والجهات المعنية لترتيب سبل حماية مصالح المصريين فى ليبيا، وحمل أبو الغيط الحكومة الليبية مسئولية الحفاظ على أرواح المواطنين المصريين وممتلكاتهم آخذا فى الاعتبار الحديث المرفوض شكلا وموضوعا الذى اتهم فيه سيف الإسلام المصريين دون أساس واضح بالمشاركة فى الأحداث الحالية بالمدن الليبية، «ومعروف أن عدد المصريين الموجودين فى ليبيا يفوق المليون ونصف المليون وقد عادت مجموعات كبيرة منهم عبر معبر السلوم ومطار القاهرة كما قامت القوات المسلحة المصرية بفتح معسكرات إعاشة بالقرب من مرسى مطروح لاستقبال القادمين من ليبيا. المرتزقة الأفارقة ومن الواضح أن المرتزقة الأفارقة كان لهم الدور الكبير فى إثارة عمليات الاقتتال فى المدن الليبية من خلال قيامهم بعمليات تصفية للأخضر واليابس والبشر فى مدينة بنغازى، وطبرق ومصراتة ودرنة والبيضاء أدت إلى سيطرة أهالى ليبيا على هذه المناطق وإخراج كل عناصر النظام الليبى منها كما ذكر شهود عيان أن جثث القتلى والجرحى انتشرت فى كل مكان وكانت بمثابة الشرارة المتواصلة لاستمرار الاحتجاج ضد نظام القذافى، ووسط الحديث عن انضمام سفراء ومسئولين للثورة الليبية التى ولدت من رحم القتل وسفك الدماء فى بنغازى خرج العقيد الليبى معمر القذافى ليعلن عن وجوده وعدم هروبه إلى فنزويلا كما رددت هذا بعض الفضائيات وكانت الخطبة الثانية للنظام. وفى منزله بالعزيزية والذى سبق أن تعرض لغارات أمريكية فجر القذافى أكثر من مفاجأة: قرأ قانون العقوبات لمن يهدد وحدة وأمن ليبيا.. والتى تنص على الإعدام لكل من يرفع السلاح ضد الدولة.. ويقوم بدسائس مع الدول الأجنبية وكل من يتسلل للمناطق العسكرية وكذلك من يحاول تغيير سلطة الشعب.. ثم قال أنا لم أستخدم السلاح أو الإعدام بعد، إنما سوف نحاسب بالقانون من ارتكب هذه الجرائم ووصف ما يحدث داخل ليبيا بتمرد قلة إرهابية ودعا الشعب لمطاردة المتظاهرين وقال إن ما يحدث خطير ويهدد بالحرب الأهلية.. وساق أمثلة لدول أخمدت الاحتجاجات بالسلاح منها الصين وروسيا، وانتقد ما قامت به أمريكا فى العراق «الفلوجة» تحديداً عندما دكتها الطائرات تحت بند تطهير الفلوجة من الإرهاب وكذلك ما يحدث فى فلسطين وما قامت به إسرائيل فى غزة واعتبره العالم والمجتمع الدولى دفاعا عن النفس. وتابع القذافى أن هؤلاء يريدون أن تكون بنغازى مثل الفلوجة ودعا القذافى الشباب الليبى إلى تشكيل لجان للأمن الشعبى لفرض الأمن. ثم تحدث عن المليارات التى تنفقها الحكومة الليبية على مشاريع الإعمار الجديدة وخاصة مشروع الإسكان الذى يستوعب حوالى ثلاثة ملايين بتكلفة «71 مليار دولار». وأشار إلى وضع دستور جديد وسلطة جديدة وتفعيل القانون وتوزيع الثروة وإعطاء كل مواطن ليبى حقه فى النفط.. وطالب بتسليم الأسلحة وعودة الحياة إلى طبيعتها وحذر من استمرار الأوضاع المتردية وقال سأقود مسيرة الزحف إلى كل المدن وسوف نوجه نداء للملايين من الصحراء إلى الصحراء لتطهير ليبيا شبرا شبرا ولن أسمح بضياعها، وتابع القول، اليوم الزحف سيكون سلميا من داخل المدن- أما بعدها فهناك زحف آخر تعرفونه من أين سيأتى- «زحف أممى» مرة أخرى فتح خطاب القذافى أمام المراقبين للأوضاع فى ليبيا سيناريوهات عدة- منها إجراءات سيقوم بها لاسترداد المدن التى سقطت فى أيدى المحتجين ودور للمجتمع الدولى المستفيد من النفط الليبى والتدخل الخارجى، أو سقوط النظام ولكن بعد دفع كلفة عالية.. خاصة بعد حدوث انشقاقات داخل النظام وعصيان دبلوماسى جاء عبر تقديم استقالات جماعية لعدد من سفراء ليبيا فى دول العالم إضافة إلى تخلى مسئولين ليبيين عن القذافى تعبيرا عن رفضهم ممارسات القمع الدامى ضد المتظاهرين على حد قولهم منهم وزير العدل مصطفى عبد الجليل.. ومندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية وعضو مجلس قيادة الثورة الرائد عبد المنعم الهونى- والفريق الدبلوماسى الليبى فى الأممالمتحدة والسفير الليبى فى واشنطن وكذلك فرنسا، والهند، وغيرها من الدول. كما انشق عدد من رجال القوات المسلحة فى بنغازى، ومنهم من فر إلى مالطا.. ومؤخرا اغتيال وزير الداخلية عبد الفتاح يونس، وهكذا انقسم الشعب الليبى ما بين مؤيد ومعارض وهناك من استجاب لخطابات سيف الإسلام والقذافى وخرجوا فى مسيرات تأييد ومظاهرات تطالب ببقاء النظام وقد احتشد الآلاف من الشباب الليبى فى الساحات المختلفة بطرابلس- مرددين هتافات «يا أولاد يد بيد- بنوا ليبيا الغد» «الله ومعمر وليبيا وبس».. «احنا جيل بناه معمر.. واللى يعادينا يدمر». هذه المشاهد موجودة فى طرابلس وسرت أما باقى المدن فهى مناهضة لنظام القذافى ليصبح المشهد انقسام على الأرض وفى المواقف داخل ليبيا وهو نفس الموقف الذى شهدناه خلال اجتماع طارئ انعقد فى جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين لمناقشة المستجدات الخطيرة فى ليبيا حيث قدم مندوب ليبيا لدى الجامعة عبد المنعم الهونى مذكرة خطيرة ضد النظام وانتهاكاته فيما قدمت المندوبية نفسها مذكرة تنفى ما ورد فى مذكرة الهونى.. وفى النهاية أقر الاجتماع بما يلى: 1 - التنديد بالجرائم المرتكبة ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية فى المدن الليبية وبصفة خاصة تجنيد مرتزقة أجانب واستخدام الرصاص الحى والأسلحة الثقيلة والتى تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولى. 2 - الدعوة إلى الوقف الفورى لأعمال العنف بكافة أشكاله والاحتكام إلى الحوار الوطنى والاستجابة إلى المطالب المشروعة للشعب الليبى واحترام حقه فى حرية التظاهر والتعبير عن الرأى. 3 - مطالبة السلطات الليبية برفع الحظر المفروض على وسائل الإعلام وتأمين وصول المساعدات والإغاثة الطبية العاجلة للجرحى والمصابين. 4 - رفض الاتهامات الخطيرة حول مشاركة بعض رعايا الدول العربية المقيمين فى ليبيا فى أعمال العنف ضد الليبين والدعوة إلى تشكيل لجنة عربية مستقلة لتقصى الحقائق حول هذه الاتهامات وتوفير الحماية اللازمة لجميع رعايا الدول العربية والأجانب المقيمين على أرض ليبيا وتسهيل الخروج الآمن لمن يرغب. 5 - التأكيد على تحقيق تطلعات الشعوب ومطالبها وآمالها فى الحرية والإصلاح والتطوير والتغيير الديمقراطى والعدالة الاجتماعية بما يحفظ الحريات الأساسية للمواطنين ووحدة الأوطان وسيادتها والسلم الأهلى والوفاق الوطنى. 6 - دعوة الدول الأعضاء والصديقة لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب الليبى. 7 - توجيه تحية إجلال لشهداء التظاهرات والتعبير عن مشاعر الأسى لسقوط مئات الضحايا الأبرياء وآلاف الجرحى والمصابين إضافة إلى ما وقع من خسائر فادحة فى المنشآت والممتلكات العامة والخاصة. 8 - وقف مشاركة وفود حكومة ليبيا فى اجتماعات مجلس الجامعة إلى حين إقدام السلطات الليبية على الاستجابة للمطالب السابقة. 9 - رفع توصية إلى الاجتماع القادم يوم 2 مارس للنظر فى مدى التزام ليبيا بأحكام ميثاق الجامعة طبقا للمواد المتعلقة بالعضوية والتزاماتها. اليمن - والبحرين فيما تتواصل المظاهرات والحوارات أيضا فى كل من اليمن والبحرين لاحتواء الموقف- لكن مازالت اليمن تعيش أجواء الثورة والدعوة إلى تغيير النظام وفى البحرين يتمسك المحتجون بالبقاء فى دوار اللؤلؤة مع تحذير مملكة البحرين من مخاطر المد الشيعى والمخاطر التى تتربص بمنطقة الخليج فى حال نجاح المتظاهرين للصمود فترات طويلة مع رفع سقف المطالب. وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قد أطلق سراح عدد من النشطاء الشيعة تلبية لمطالب المحتجين إلا أنهم طالبوا مؤخرا باستقالة الحكومة قبل البدء فى الحوار داعين إلى التغيير الفورى والإصلاحات فيما أعلن عن مساع تقوم بها كل من واشنطن والرياض لدعم الحوار بين الحكومة والمعارضة فى البحرين كما تساهم كل دول الخليج فى أهمية إنجاح هذا الحوار.