بين الحين والآخر أتابعهم- كغيرى- يخرجون بتصريحات عنترية، وكأنهم فاتحون أو حقَّقوا اكتشافات جديدة فى الساحة الوطنية يبدلون بها مواقفهم، كما يبدلون جواربهم، ويغيِّرون جلودهم السياسية، كما يبدلون ملابسهم، ويظنون أن لا أحد ينتبه إليهم، ويعتقدون أنهم اكتشفوا ما غمّ على الشعب، وأن وحى السياسة والفكر والموقف يتنزل عليهم؛ وبالتالى فمن حقهم أن يتلاعبوا بعقول الناس دون أدنى احترام لأنفسهم. قبل ثورة 25 يناير، كانوا يتصدرون المشهد إلى جوار النظام تارة، وفى صفوف المعارضة بعقلية النظام تارة أخرى، ثم فى صفوف النظام بيافطات المعارضة.. ولعل «د. رفعت السعيد»، رئيس حزب «التجمع»، يجسِّد تلك الحالة؛ فهو يمثل فريقاً من الماركسيين الذين نذروا أنفسهم منذ عرفوا ساحة العمل السياسى قبل أكثر من نصف قرن لمطاردة المشروع الإسلامى والحركة الإسلامية بكل السبل، ولذلك فقد كرَّسوا رسالتهم فى الحياة لمطاردة كل مَنْ يدعو للإسلام، وكل مَنْ يلتزم به، وخاصة تيار الصحوة الإسلامية، الذى ناله منهم من الأذى والتحريض والتضليل الكثير، وكلما حقَّق التيار الإسلامى مزيداً من الشعبية ومزيداً من ثقة الناس فى مقابل الانفضاض عن حزبه؛ يزداد حنقه وغضبه. كان «د. رفعت» يتصدر المشهد كتفاً بكتف مع النظام البائد فى الحرب على التيار الإسلامى، وكان فى كل موقعة هو البطل، ولم ينازعه فى ذلك سوى فرق الأمن وماكينة النظام الباغى، لم أره سعيداً على شاشات الفضائيات مثل سعادته عندما تُوجَّه للإسلاميين ضربةٌ من الضربات الأمنية، أو حماقةٌ من حماقات انتزاع حقوقهم الدستورية التى حصلوا عليها عبر انتخابات مجلس الشعب، ظل ضيفاً دائماً على إعلام «مبارك»، معلقاً بكل سعادة على محاكمات الإخوان العسكرية، ومنافحاً عن تزوير «مبارك» لآخر انتخابات قبل سقوطه. شاهدته الملايين على شاشات برنامج «الاتجاه المعاكس» بقناة «الجزيرة» وهو يدافع عن قرار «مبارك» إغلاق جريدة «الشعب» التى كانت تصدر عن حزب «العمل»، وهو حزب كان قريباً من فكر «رفعت السعيد»، وكان اليسار المصرى يضعه ضمن منظومته، فلما أعلن توجهه الإسلامى على يد المجاهد إبراهيم شكرى يرحمه الله، والكاتب والمفكر عادل حسين، رئيس تحرير جريدة «الشعب»، احترق «د. رفعت» ورفاقه حنقاً وغضباً، خاصة أن عادل حسين يرحمه الله كان من كبار منظرى الشيوعية، ثم قاد توجهاً إسلامياً لحزب «العمل». وزاد النار اشتعالاً فى قلب «د. رفعت السعيد» تحالف حزب «العمل» مع الإخوان المسلمين، ومن يراجع مواقفه فى تلك الفترة (الثمانينيات من القرن الماضى) يرصد كم كانت مواقفه حادة من كل من الإخوان وحزب «العمل».. فقد انطلق ذلك الحزب بصحيفته وحاز ثقة قاعدة عريضة من الجماهير، بينما كان حزب «رفعت السعيد»، و«خالد محيى الدين»، و«أبو العز الحريرى» (حزب التجمع) يترنح. ما من تكتل شكلته المعارضة فى عهد «مبارك» إلا كان الرفيق «رفعت» فى مقدمته ليفشله؛ اعتراضاً على وجود الإخوان، وإن وافق يوماً فإنه سرعان ما يفشله.. وعندما قامت ثورة 25 يناير، كان أول المتصدرين لمائدة حوار «عمر سليمان» مع القوى السياسية المصرية، وبدلاً من أن يتوارى خجلاً، فإذا به يتصدر موائد الحوار كقائد من قادة الثورة.. سبحان الله!! لكن ذلك لم يحرك فى شعبيته من فوق الصفر شيئاً، وقد كشفت صناديق الانتخابات الحرة أن حجم تيار «د.رفعت السعيد» فى الساحة السياسية فوق النصف فى المائة مع الرأفة، وكان من المفروض أن يراجع نفسه وحزبه وتواجده بالشارع ومدى قبول الناس له؛ ثم يصمت ويتوارى خجلاً، لكنه فيما يبدو مقاتل شرس، اكتسب خبرة كبيرة فى التجارة فى الفشل حتى أدمن الصفعات الشعبية صفعة تلو صفعة! واليوم، يواصل طريقه مع النظام القديم بكل أدواته، ويشارك فى الفصل الأخير من الحرب الضروس ضد الإسلاميين.. فهو يمثل أحد رؤوس رمح الحملة الهستيرية على أول رئيس منتَخَب فى تاريخ مصر، وعلى أول برلمان جاء بأفضل درجات النزاهة بشهادة العالم، فهو لا يريد برلماناً، ولا يطيق سماع اسم رئيس الجمهورية، ولا يجد المرء صعوبة وهو يستمع إلى السم الزعاف منطلقاً من فمه، وما يخفيه صدره أكبر.. سمعته، وهو يعلِّق فى الفضائية المصرية على قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب، ثم حُكم المحكمة الدستورية فى هذا الصدد؛ فإذا به رجل محترف فى التلفيق والكذب، فقد ادَّعى ببراعة فائقة بأن القرار جاء وليد اجتماع مكتب إرشاد جماعة الإخوان من جانب، ومقابلة الرئيس لمبعوث الرئيس الأمريكى من جانب آخر؛ أى أن القرار جاء وليد وصايتين: وصاية أمريكية، ووصاية إخوانية، ولأول مرة فى التاريخ أرى تعاوناً أمريكياً إخوانياً، وفى أى شىء؟! فى الوصاية على «د. محمد مرسى»!! وسنرى فى المستقبل أن كل لقاء بين الرئيس وأى مسئول غربى سيصب لدى «د. رفعت السعيد» فى خانة العمل ضد مصر، وليس فى خانة العلاقات الدولية لصالح الوطن! إنه يفكر بالمقلوب، خاصة فيما يتعلق بالإخوان؛ وبالتالى مع الرئيس.. يفكر بالمقلوب ويتحرك عبر مسيرة حياته بالمقلوب، ولذلك فإن حصاد مسيرته سراب فى سراب، وأتحدى «د. رفعت السعيد» أن يقدم للشعب المصرى حصاد مسيرته كواحد من المخضرمين، الذى قضى فى العمل السياسى أكثر من نصف قرن. لقد بلغتَ من الكبر عتياً، وملفك متخم بحرب التيار الإسلامي، وها أنت تعيش اختيار الشعب للمشروع الإسلامى وتشبثه بهويته الإسلامية.. برلمان غالبيته الكاسحة من الإسلاميين، وأول رئيس منتَخَب من الإسلاميين.. وأسأل الله تعالى أن يمتِّعك بكامل الصحة والعافية حتى تعيش وتستمتع بأنوار الإسلام، وهى تشع فى ربوع مصر.. أنوار الحق والعدل والحرية. [email protected]