ما لم يكن يتخيله العقل أن يقلب سحرة الإعلام المتربعون على عرشه الحقائق بهذا الشكل المزرى؛ إذ يدوسون بلا حياء على قيم المهنة وهم يروجون لكبير الفلول «أحمد شفيق»، ويسوِّقونه للرأى العام وكأنه جاء فى الوقت المناسب لإنقاذ مصر، وفى نفس الوقت يكثفون حملتهم الهابطة ل«شيطنة» الإخوان المسلمين وتصنيع حالة من الرعب الكاذب من مجىء «د. محمد مرسي» رئيساً للجمهورية. لقد تم نسيان «أحمد شفيق» كواحد من عتاة عصر «مبارك» وكبار فلوله، ويتم إعادة تسويقه من جديد على أنه مخلِّص مصر من كل أزماتها، وفى المقابل يتم الترويج بوقاحة على أن الكارثة، التى يمكن أن تقع فيها «مصر» هو سقوطها فى براثن التيار الدينى، على حد قولهم.. هكذا تعالج فضائيات رجال الأعمال والتليفزيون الرسمى المصرى بطريق مباشر وغير مباشر، وكذلك صحف رجال الأعمال الانتخابات الرئاسية! حتى وصل الأمر بصحيفة «الدستور»، التى يمتلكها د. سيد البدوى، رئيس حزب الوفد «العريق»، بالخروج بمانشيت رئيس يبشر الشعب المصرى: «أحمد شفيق أردوغان مصر»! يجرى هذا بينما تنتشر فى مصر أخبار عن إغراق قرى مصر وأحيائها بالمال السياسى، الذى ينثره الفلول على الناخبين؛ سعياً لأصواتهم لحسم معركة الحياة أو الموت بالنسبة لهم، وسعياً ليعودوا أسياداً لمصر كما يعلنون.. وللأسف الكبير، فإن تياراً من الكتَّاب «العلمانيين» وعدداً من الكتَّاب والمثقفين «الناصريين» لم يتورعوا عن أن يتورطوا فى دعم «شفيق» بطريق غير مباشر، بالإعلان عن رفض تولى «محمد مرسى» رئاسة الجمهورية إن فاز فى الانتخابات، ويقود ذلك التيار الكاتب المعروف منذ عصور سحيقة الأستاذ محمد حسنين هيكل قائلاً: «ليس من المقبول أن يفوز «محمد مرسى» بالرئاسة، ومن غير المنطقى أن تصبح أجهزة الدولة بأكملها ملكاً للإخوان المسلمين، كيف سيتصرف «مرسى» مع وزارة الداخلية وهناك ثأر للإخوان معها؟ وكيف سيتصرف مع الجيش وهناك خطة معلنة من الإخوان المسلمين لاختراقه؟ الأمر ذاته ينطبق على «عبد المنعم أبو الفتوح».. كيف سيتعامل بحيادية ما بين الجيش من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى؟ هناك ثارات عميقة بين الطرفين من جهة، وثقافة واحدة بين الطرفين من جهة أخرى». وتعلق د. هبة رءوف على هذه الحالة قائلة: «أسلوب مخزٍ ومستفز فى الشماتة فى الإخوان وكأنهم قد أحرقوا شعب مصر بالنار.. «محمد مرسى» ليس «حسنى مبارك»، و«الكتاتنى» ليس «فتحى سرور»، ولست مع من يتحدث عنهم وكأنهم العدو الأول والأوحد للثورة والمجهض لها..». وهناك فريق ثان يضم عدداً من مرشحى الرئاسة الذين حققوا نتائج جيدة، بدا موقفهم ضبابياً إلى حد كبير؛ إذ يعلنون رفضهم ل«شفيق» حتى لا يُحسبوا فى خانة المنقلبين على الثورة، وفى نفس الوقت يرفضون إعلان تأييد صريح ل«محمد مرسى»، متناسين أن المطلوب فى اللحظة الراهنة واضح ومحدد فى الخيار بين اثنين لرئاسة الجمهورية ليس لهما ثالث حتى تكون مواقفهم واضحة ويسجلها التاريخ.. لكن الذى يحير هو رفض اختيار «شفيق» بكل قوة، وفى نفس الوقت توجيه النقد والهجوم على «محمد مرسى» ثم دعوة الناس لاختيار الثورة، وذلك لون من الغموض فى المواقف لا يزيده هذا الكلام إلا غموضاً. والذى يبدو أن جزءاً من التيار الناصري، ومعه بعض رموز التيار العلمانى، يرفضون أى رائحة لوجود إسلامى فى سدة الحكم، كأدبهم فى عصور الظلام والكبت برفض وجود الإسلاميين فى الساحة السياسية أصلاً، مُصرِّين على أن مكانهم الطبيعى السجون، كما أن بعضهم يرفض فكرة الإسلام أصلاً ولا يطيق سماع اسم الإسلام.. مجرد الاسم، وهذا ما عبر عنه «د. رفعت السعيد»، أحد رعاة الشيوعية فى مصر، صاحب الحزب الذى تصفر فيه الرياح من انصراف الناس عنه، والساقط فى كل انتخابات نزيهة، كما عبر عنه السيد «جورج إسحاق» الذى صدع رءوسنا بالحديث عن الديمقراطية، وكان من قادة حركة «كفاية» ل«مبارك» والحزب الوطنى، فإذا به يعلن بالتزامن مع إعلان «رفعت السعيد» تأييد «أحمد شفيق»! وقد كان «شوقى الكردى» القيادى اليسارى واضحاً تماماً، وهو يعلن عن الترتيب لعقد اجتماع بين عدد من الأحزاب على رأسها «المصريين الأحرار» و«المصرى الديمقراطى» و«الجبهة الديمقراطية»، بالإضافة إلى حزب «التجمع»؛ وذلك لاتخاذ القرار النهائى فى دعم «أحمد شفيق» قائلاًًً ل«إخوان أون لاين»: إن «شفيق» أهون عليه من الإخوان المسلمين! وهناك فريق ثالث من الكتَّاب الليبراليين والعلمانيين والمعارضين للإخوان كان أوضح من الشمس فى مواقفهم بإعلان دعمهم ل«د. محمد مرسي» رغم خلافهم مع الإخوان، ولعل كلمات وائل الإبراشى، وفيصل القاسم، وبلال فضل، وعبد الحليم قنديل، ووائل قنديل، وعلاء الأسواني، ويسرى فودة، ومحمود سعد، وغيرهم أوضح مثال على ذلك. لكن فريقاً آخر فضَّل إملاء الشروط على «د. محمد مرسى» قبل أن يعلن تأييداً، وقد غالى البعض فى شروطه حتى بدا الأمر أنهم يريدون تشكيل «مجلس وصاية» على الرئيس «محمد مرسى» وليس «مجلساً رئاسياً».. يريدون منه أن يستأذنهم فى كل قراراته ويعطيهم وثيقة مكتوبة خلاصتها أن يكون الحاكم هو «مجلس الوصاية» المزمع، أما الرئيس فتكون وظيفته ترضية كل الأطراف ومشاهدة المشهد دون تدخل، فقط سيكون عليه تحمل المسئولية كاملة أمام الشعب.. أى حكم هذا يكون؟ وأى رئاسة وأى تفكير هذا الذى يتحرك بالأمور للوصاية على رئيس انتخبه الشعب! [email protected]