بداية خارجية موفقة للرئيس محمد مرسى، أن تكون زيارته الأولى للسعودية، والثانية بعد يومين فقط لأثيوبيا.. مصر الجمهورية الثانية تؤكد توجهها العربى والأفريقى ثم تكون الدوائر الأخرى الإسلامية والدولية.. هو توجه لخدمة المصالح المصرية حيثما تكون ومن دون عقد.. ولو لم تكن هناك قمة أفريقية فى أثيوبيا وقرر مرسى حضورها بعد غياب المخلوع عن زيارة هذا البلد المهم لمصر، وكذلك غيابه عن المشاركة فى قمم الاتحاد الأفريقى نحو 17 عامًا على إثر محاولة اغتياله فى أديس أبابا عام 1995، لكنت تمنيت أن تكون المحطة الأولى له إلى أثيوبيا ودول حوض النيل ثم يذهب بعد ذلك إلى السعودية.. لأنه إذا كان جزء أساسى من الذهاب للسعودية اقتصاديًا فإن الاستثمارات يمكن أن تأتى من دول عديدة عربية وأجنبية، لكن المصالح المصرية مع دول الحوض وعلى رأسها المياه فإن مصدرها الوحيد هذه البلدان فقط، حيث توجد المنابع وخصوصًا من أثيوبيا الناهضة التى تتحول إلى رقم مهم فى القارة السمراء وبالتالى فهى تحتاج إلى نوع جديد من التعامل معها يقوم على الاحترام والتقدير، وتفهم مصالحها فى الاستفادة من مياه النهر خصوصًا أن معظمه يخرج من أراضيها، مثل حاجتها لبناء سدود لتوليد الطاقة، وإقامة مشروعات مائية وزراعية ومواصلة التنمية التى تسير فيها بخطوات جيدة، إضافة إلى ما يمكن أن تقدمه مصر من مساعدات لهذه البلدان.. لا يجب أن تتعامل مصر فى عهدها الجديد مع دول الحوض بحكم المضطر من أجل الحفاظ على نصيبها من المياه المهدد بالنقصان إنما التعامل معها ومع دول القارة كلها باعتبارها مجالاً لمصر كأمن قومى - ومنه درء أى خطر إسرائيلى خفيًا كان أم ظاهرًا- ومصالح وتجارة وأسواق وموارد وفرص للشركات ورجال الأعمال، ومجال سياسى لدعم مصر فى المنظمات والمحافل الدولية كما كان أيام عبد الناصر، علمًا بأن أفريقيا اليوم ليست أفريقيا عبد الناصر، فقد تحررت بلدان القارة وهى على طريق النمو، وهناك دول برزت وأصبح لها كلمة مؤثرة مثل جنوب أفريقيا، وهناك قوى دولية أبرزها الصين تنشط داخل القارة وتستثمر وتستفيد من إمكانياتها وخيراتها الطبيعية وعلى رأسها الطاقة، وتفتح أسواقًا فيها لمنتجاتها، وتغريها بتقديم مشروعات وخدمات مجانية كهدايا لشعوبها، أى أن مصر التى كانت قديمًا تتحرك فى القارة دون منافسين وتتعامل مع بلدان طيعة لم تعرف قيمتها بعد فإنها اليوم تتعامل مع قارة مختلفة تواجه فيها الندية من بلدانها، كما تواجه لاعبين كبارًا يسعون للاستحواذ على هذا المجال الجيوسياسى والاقتصادى والتجارى الخصب والبكر. نعود إلى زيارة السعودية ومغزاها هو تأكيد الارتباط المصرى بمجاله العربى الحيوى بعد الثورة، والسعودية تمثل ركنًا أساسيًا فى هذا المجال، وبهذه الزيارة فإن البلدين يوجهان رسالة مهمة حول التلاحم العربى والمصير المشترك رغم التحولات السياسية بعد الثورات، ورغم التحديات الكبرى التى يواجهها العرب من قوى إقليمية أبرزها إيران وإسرائيل وتركيا - أهداف تركيا ليست بخطورة أهداف طهران وتل أبيب اللتين تريدان بسط النفوذ على المنطقة، ومن قوى دولية وبالذات أمريكا التى تعد اللاعب الأبرز فى المنطقة بحكم مصالحها الواسعة فيها ومنها الحفاظ على أمن إسرائيل. مصر والسعودية جناحان مهمان فى منظومة العمل العربى، وتأكيد ارتباطهما وتلاحمها ضرورى ومطمئن بعد تحول سوريا من طرف ثالث فاعل فى تلك المنظومة إلى عامل خطر بتحالفها مع إيران الساعية للهيمنة على المنطقة، وإثارة القلاقل فيها وتصدير ثورتها وسياساتها ومذهبها، ثم جاء التعامل الأمنى العسكرى البشع لنظام الأسد مع ثورة شعبه نحو الحرية وعدم إنصاته للنصائح العربية الكثيرة بحل الأزمة سياسيًا ومعاداته لأشقائه ليساهم فى خروج سوريا بوضعها الحالى من موقعها فى المنظومة العربية. لكن هناك قطر التى حفرت لنفسها موقعًا عربيًا فاعلاً فى مختلف القضايا، كما نجحت فى صنع دور لها على المستوى الدولى، والتحركات القطرية إيجابية هدفها المصالح العربية وهى جديرة بتعاظم وجودها ومساهمتها فى كابينة القيادة، وفى الحالة المصرية فإن قطر كان لها دور واضح فى دعم الثورة والتحول الديمقراطى ودورها المأمول فى الاستثمارات والإسناد الاقتصادى يعول عليه كثيرًا، وإذا كانت السعودية ضرورية لمصر فإننى أرى أن قطر لا تأتى بعد السعودية بل بموازاتها إن لم تسبقها، ولذلك تمنياتى من الرئيس مرسى أن تكون قطر فى مقدمة زياراته الخارجية بعد أثيوبيا. أخيرًا نقول لضاحى خلفان، مدير شرطة دبى، إن الرئيس مرسى لم يذهب حبوًا إلى الخليج، بل احتفت به السعودية بشكل لافت، كما أن استقباله تم على السجادة الحمراء فى جدة، ولم يقبل يد خادم الحرمين لأن الملك عبد الله زعيم عربى كبير يدرك قيمة مصر ورئيس مصر المنتخب أيًا كانت عقيدته السياسية والفكرية والأيديولوجية، أما ما فعله حسن البنا بتقبيل يد الملك عبد العزيز منذ 76 عامًا فهى واقعة لها ظروفها وسياقها وتخص البنا مرشد الإخوان آنذاك، أما مرسى فهو رئيس جمهورية مصر وليس رئيس جمهورية الإخوان ولا مرشدهم، وعمومًا تقبيل أيادى من نحمل لهم تقديرًا خاصًا لا غضاضة فيه عربيًا، ولو راجعت مسيرتك يا جنرال منذ طفولتك للآن ستجد نفسك قبلت أيادى الكثيرين من والديك ومعلميك وأصحاب الفضل عليك وصولاً إلى شيوخك وحكامك. [email protected]