مضى على الفتح الإسلامى لمصر أربعة عشر قرناً هجرياً عاش فيها أخوتنا الأقباط فى أمن وسلام، وتفيئوا تحت عدل الإسلام وسماحته، وكان من أثر ذلك اعتناق الكثير منهم للإسلام، ومن لم يعتنق الإسلام اندمج مع أخوته المسلمين فى وحدةٍ جامعة، وهكذا عاش القبطى جنباً إلى جنب مع أخيه المسلم، وكان من نتيجة هذا التعاون والتكاتف بناءٌ وإبداع يصبّ فى صالح مصر والعرب؛ بل وأمّة الإسلام. ومن خلال متابعتى للأحداث الأخيرة رأيت ولمست كثيراً من التخوفات لدى أخوتنا الأقباط، ومما أشعل هذه التخوفات نفخ وسائل الإعلام التابعة لفلول النظام السابق وتشويهها للإسلاميين وتصويرهم بصور همجية ووحشية.. وكانت المفاجأة فى ردّ العقلاء والحكماء من الأقباط حيث صرّح راعى كنيسة القدّيسين فى الإسكندرية: "صوّتنا للإخوان ونتوقع حياة كريمة فى الحكم الإسلامى "فهذا التصريح يمثل الصوت القبطى العاقل والمنسجم مع وقائع التاريخ. ولست فى حاجة إلى استعادة التاريخ لأذكّر كيف كان تعامل الحكم الإسلامى مع الأقباط، حيث تتوارد كثير من الصور والأحداث، من أهمها تلك الوصية النبوية العظيمة من رسولنا صلى الله عليه وسلم بالأقباط، حيث يقول: ((إنكم ستفتحون مصر.. فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيراً، فإنّ لهم ذمّة ورحماً)). وفى عهد عمر رضى الله عنه ترد قصّته مع القبطى، الذى اشتكى إليه من ظلم بن والى مصر، حينما فاز القبطى على ابن عمرو بن العاص فى السباق فقام ابن عمرو بضرب القبطى، وقال: (خذها منى وأنا ابن الأكرمين) فلما سمع الخليفة عمر شكوى القبطى استبقاه لديه وبعث إلى عمرو وابنه إلى مجلس القضاء فلما حضرا قال للقبطى: (اضرب ابن الأكرمين) فضرب القبطى ابن عمرو، فقال عمر: اضرب أباه فأبى القبطى، وحينها التفت عمر إلى عمرو، وقال كلمته الخالدة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).. هذا هو الحكم الإسلامى أقولها للرئيس مرسى تذكيراً، وأقولها لأخوتنا الأقباط تطميناً. إن تعايش أهل الأديان المختلفة تحت الحكم الإسلامى ليس بدعاً من الأمر، ففى أول دولة إسلامية أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث عاش المسلمون بجانب اليهود وبجانب المشركين؛ بل كان الدستور الإسلامى الأول ضامناً لحقوق غير المسلمين ومتكفلاً بحياة كريمةٍ لهم. إن التاريخ يذكرنا بأن الأقباط كانوا مخلصين فى حبّهم وولائهم لبلادهم، لا ننسى مواقف مكرم عبيد ووطنيته، ولا ننسى القس (سرجيوس) أحد الوطنيين المصريين وأحد قادة الثورة المصرية ضد الاستعمار البريطانى، لا ننساه، وهو يخطب من فوق منبر الأزهر، يقول فى إحدى خطبه: (إذا كان الحال تدعو لتضحية المليون قبطى فى سبيل حرية سائر المصريين.. فإن التضحية واجبه وثمنها غير ضائع) ويقول أيضًا (إذا كان الإنجليز أتوا إلى مصر كى يحموا الأقباط.. فليمت الأقباط وتحيا مصر حرة). هكذا كنّا نعرف الأقباط، ونرى وطنيتهم متجسّدة فى كثير من المواقف. واليوم تنتظر مصر أبناءها من المسلمين والأقباط تنتظر مواقفهم الوطنية، ترنو إلى وحدتهم ووقوفهم جنباً إلى جنب وتوجهم إلى هدف واحد هو بناء مصر، لتتبوأ مكاناً عالياً بين الدول، ولتكون مصر مفخرة لجميع أبنائها ولجميع العرب.