جاء الإسلام من بين المباديء السامية التي جاء بها بمبدأ المساواة بين الناس جميعا.. وكان هذا المبدأ غريبا علي مجتمع الجاهلية الذي أشرق فيه نور الإسلام, فقد كان يسود هذا المجتمع العصبية القبلية, والتفاخر بالأنساب والألقاب,والتباهي بالمال والغني, والتمييز بين الأبيض والأسود, وبين الغني والفقير, والسيد والمسود, والأشراف والسوقة. وكان كثير من الناس ينوءون بمشاعر المذلة والمهانة تحت وطأة هذه التفرقة الجائرة, فانتصر الإسلام لهؤلاء البؤساء, وقرر المساواة بين الناس جميعا لاتمييز بينهم إلا في درجة تقوي الله والإيمان به, قال تعالي:( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير31( سورة الحجرات). وقال الرسول صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ياأيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي علي أعجمي ولالعجمي علي عربي, ولا لأحمر علي أسود ولا لأسود علي أحمر إلا بالتقوي. أبلغت( مسند أحمد). وقد طبقت قاعدة المساواة علي نحو مثالي في صدر الإسلام, فأهدر الإسلام النظرة المتدنية إلي الفقراء, التي كانت تحرمهم من كثير من الحقوق, ورفع من شأنهم حتي يتساووا مع غيرهم ماداموا متساوين في القيمة الإنسانية. ومن تطبيقات الرسول صلي الله عليه وسلم لمبدأ المساواة وإلغاء التمييز بين الأشراف وغيرهم, أنه عند ماثبت ارتكاب المرأة المخزومية لجريمة السرقة, مما استوجب توقيع الحد عليها, لجأت قريش إلي أسامة بن زيد ليشفع لها عند الرسول عليه الصلاة والسلام, حتي يتجاوز عن إقامة الحد, لما لأسرتها من مكانة ورفعة. فلما طلب أسامة ذلك من رسول الله, قال صلي الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله ياأسامة؟ إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله, لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها( صحيح مسلم). كذلك كان أول مانصح به عمر بن الخطاب قاضيه في الكوفة أبا موسي الأشعري, هو المساواة بين الناس تحقيقا للعدالة, فجاء في صدر رسالته إليه: آس بين الناس في مجالسك وفي وجهك وفي قضائك, حتي لايطمع شريف في حيفك ولاييأس ضعيف من عدلك. ومن الوقائع التي تثبت حرص الإسلام علي المساواة بين الناس, لافرق بين شريف وضعيف, أنه عندما كان عمرو بن العاص واليا علي مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, سابق ابنه أحد المصريين يقال إنه قبطي فسبقه المصري, فغضب ابن عمرو وضرب المصري بالسوط وهو يقول: أنا ابن الأكرمين, فشكا المصري إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, فكتب إلي عمرو بن العاص يأمره بالقدوم ومعه ابنه, فقدم, فقال عمر للمصري خذ السوط واضرب ابن الأكرمين, فضربه, ثم قال عمر لعمرو: مذكم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ وبهذه المساواة بين أفراد المجتمع ألغي الإسلام الطبقية التي كانت سائدة قبل ظهوره, فقد كان الأحماس يرون تميزهم عن غيرهم في ممارسة بعض شعائر الحج حيث كانوا يحجون من المزدلفة, ويسلكون طريقا خاصا بهم ويقفون في أماكن خاصة, فنزل قول الله تبارك وتعالي( ثم افيضوا من حيث أفاض الناس991)( سورة البقرة). وهكذا قضي الإسلام علي التمييز بين الطبقات حتي في مجال العبادة. وقد حرص الإسلام علي القضاء علي التفرقة العنصرية التي كانت تسود المجتمع الجاهلي وغيره من الأمم كالفرس والروم, حيث كانوا يحقرون من شأن السود ويزدرونهم, فأعطي الإسلام لكل حقه واعترف بقدره. فكان بلال, العبد الأسود, أول مؤذن في الإسلام, وكان عبادة بن الصامت الصحابي الجليل أسود اللون, وقد أرسله عمرو بن العاص علي رأس وفد للتفاوض مع المقوقس عظيم القبط, فاستاء المقوقس من سواد لونه وطلب من الوفد أن يفاوضه غيره. فرفضوا لأن الأمير أمره عليهم وهو أفضلهم رأيا وعلما. ومما يحمله لنا التاريخ من مواقف رسول الرحمة صلي الله عليه وسلم في هذا الصدد, أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري تجادل مع أحد العبيد وغضب منه فعيره بأمه, فشكاه إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي ذر إنك أمرؤ فيك جاهلية, هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولاتكلفوهم مايغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم( صحيح البخاري).