بعد “هدنة الحديبية” سنة 6ه/ 627 م، أصبح يحق للنبي صلى الله عليه وسلم دخول مكةالمكرمة معتمراً، ولكنه كان يرمي إلى دخولها مبلغاً الدعوة فيها لتنتشر في سائر أنحاء شبه الجزيرة العربية ومن ثم في مشارق الأرض ومغاربها . وهنا اتبع سياسة تهدف للتمهيد لتبليغ الدعوة خارج شبه الجزيرة العربية يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء وفي الوقت نفسه متابعة الجهاد داخل شبه الجزيرة العربية ليوحدها تحت راية الإسلام. بعث النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة الكتب إلى الملوك والأمراء فأرسل دحية بن خليفة الكلبي الخزرجي إلى هرقل إمبراطور الروم، وعبدالله بن حذافة السهمي إلى كسرى فارس، وعمر بن أمية إلى النجاشي، وحاطب بن أبي بلتعة اللخمي إلى المقوقس عامل هرقل على مصر، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي أمير بلاد اليمامة، وشجاع بن وهب من بني أسد بن حزيمة إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى أخي بني القيس صاحب البحرين، وعمرو بن العاص إلى جفر وعباد . وقد بعث مع هؤلاء السفراء كتباً ممهورة بخاتمه . وكان خاتمه من فضة . ونقشه: محمد رسول الله . محمد (سطر) ورسول (سطر) والله (سطر) من الأسفل إلى الأعلى . وكانت كتابته مقلوبة كما هو الأمر بالنسبة للخواتم في يومنا هذا . وقد سقط من النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه في بئر أريس في المدينة. مزاعم استشراقية ولعل إنكار بعض المستشرقين كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب يرجع إلى عدم عثورهم على ما يدل على شيء من ذلك في الوثائق التي خلفها هؤلاء الملوك والأمراء . وهذا لا ينهض دليلاً على صحة هذا الزعم . إذ ليس بعيداً أن تكون الصور الأصلية لتلك الكتب قد فقدت لسبب من الأسباب. أما مؤرخو العرب فلا يشكون في إرسال هذه الكتب فقد ذكر ابن هشام . واليعقوبي . والطبري ما يثبت بعوث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جيرانه من الملوك والأمراء وكتبه إليهم يدعوهم فيها إلى الإسلام . يقول الطبري: قال، “حدثني ابن إسحاق عن يزيد أبي حبيب المصري أنه وجد كتاباً فيه تسمية من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الخائبين وما قال لأصحابه حين بعثهم، فبعث به إلى ابن شهاب الزهري مع ثفة من أهل بلده فعرفه”. وفي الكتاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات غداة فقال لهم: إني بعثت رحمة: فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كاختلاف الحواريين على عيسى بن مريم، قالوا يا رسول الله! وكيف كان اختلافهم؟ قال: دعا إلى مثل ما دعوتكم إليه، فأما من قرب به فأحب وأسلم، وأما من بعد به فكره وأبى؛ فشكا ذلك منهم عيسى إلى الله عز وجل، فأصبحوا من ليلتهم تلك وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين بعث إليهم . فقال عيسى: هذا أمر قد عزم الله لكم عليه، فامضوا . قال ابن إسحاق: ثم فرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فبعث سليط بن عمرو بن العاص . . الخ”. أسلم تسلم ويقال أن الكتاب الذي أرسل إلى هرقل كان نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل قيصر الروم . السلام على من اتبع الهدى أما بعد، أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين . وإن تتولى فإن إثم (الأريسيين) عليك . “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)” . وكتب إلى المقوقس: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)” . وكتب إلى النجاشي: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة. سلام أنت فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى. فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم ونفخه. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وان تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله. وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءك فأمرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله: فقد بلغت ونصحت، والسلام على من اتبع الهدى”. وكتب إلى كسرى أبرويز ملك الفرس . “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس . سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله عز وجل، فإني رسول الله إلى الناس كافة ولأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، وأسلم تسلم، فإن توليت فإن إثم المجوس عليك”.