محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمع تذاكي الأغبياء
نشر في الشعب يوم 20 - 10 - 2006


في الجرأة على حديث خاتم الأنبياء

نموذج للتعامل مع أحاديث
في
سياسة التفاضل بين الأقوام


لسنا معنيين في هذا المقال بمناقشة منكري السنة إجمالا فهؤلاء ينكرون القرآن إجمالا أيضا ، والرد عليهم بيناه في مقالات سابقة ، ولكننا هنا أمام ظاهرة درجت على أن تظهر ثم تختفي ، ثم تظهر ثم تختفي وهكذا .. تتجه إلى التسرع بإنكار الحديث إذا وجده بعضهم متعارضا مع مستواه العقلي أيا كان ، وبالرغم من أن هذا منهج معتمد في أصله محكوما بمنهجية علمية دقيقة عند بعض رجال الحديث وعلماء الكلام إجمالا إلا أننا بالاستقراء لا نجد عند علمائهم هذا الاستخفاف بالحديث أوالجرأة على إنكاره عندما لا يتفق مع عقولهم وبخاصة إذا ورد في كتب الصحاح كالبخاري ومسلم ، كما وجدناه أخيرا في إنكار بعض أسماء الله الحسنى ، أو إنكار حديث رهن الرسول درعا له عند يهودي
وهكذا
ولاشك في خطورة هذا المنهج لا على الحديث فحسب ولكن على بعض القطعيات التي يتعرضون للدفاع عنها إن أحسنا ببعضهم الظن
وقد وجدنا من تصدى للرد على بعض هؤلاء تفصيلا فجزاه الله خيرا
إلا أننا نود أن نقدم هنا نموذجا عمليا للتروي عند التعرض لما قد يظن فيه عند الوهلة الأولى أنه يتضارب مع أحاديث أخرى أو أنه يتعارض مع العقل أو بعض القطعيات ، لكننا عند التأمل في الأحاديث التي يتعرضون لها نجد الأمر على العكس من هذه الظنون
ونحسب أن ما نقدمه هنا في " سياسة التفاضل بين الأقوام في الإسلام " يصلح نموذجا للتعامل مع أحاديث تتعلق بهذه السياسة " تبدو متناقضة " في الظاهر

فقد جاء في صحيح البخاري بسنده عن قَيسُ بنِ عقبةَ بنِ عمرو أبي مسعودٍ قال: «أشارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِهِ نحوَ اليمن فقال: الإيمانُ يَمانٍ ها هُنا، ألا إنّ القَسوةَ وغِلَظَ القلوبِ في الفدّادينَ عندَ أصولِ أذنابِ الإبل حيثُ يَطلُعُ قَرنا الشيطانِ في ربيعةَ ومُضَر».
يستوقفنا هذا الحديث الذي ينسب الإيمان والحكمة إلى أهل اليمن بخاصة ويضعنا مع مجموعة أخرى من الأحاديث أمام مشكلات من عدة نواح :
من ناحية ما يظهر منها من أنها تخص اليمن بفضل الإيمان والحكمة مع أن المشهور أن غيرهم أسبق إلى فضل الإيمان منهم ، وأن هذا الدين إنما قام بفضل السابقين الأولين من الأنصار والمهاجرين
ومن ناحية ما يظهر من تعارض مع ما ورد في أحاديث أخرى من نسبة هذا الفضل – فضل الإيمان – ومثله إلى غير أهل اليمن
ومن ناحية ما يظهر من تعارض مع قوله تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد بمسنده عن أبي نضرة عمن سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أَبَلّغْتُ؟ قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وذلك حيث توحي الآية والحديث بأن وصف التقوى شائع لا يختص بقوم
ومن ناحية ما يظهر من تعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي بسنده عن أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ أُمّتِي مَثَلُ المَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرَهُ» .
ومن ناحية ما هو معروف من أن اليمن كانت من المناطق التي سارعت إلى الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ولكي ننظر في هذه المشكلات يقتضى المنهج أن نتتبع جملة الأحاديث التي وردت في مناقب الأقوام والجماعات والقبائل والأجيال ليتسق فهمها في سلسلة واحدة .
تحت هذا المنهج نجد أحاديث في فضائل الإيمان لأقوام : من أهل اليمن – كما تقدم – ثم من أهل الحجاز والشام ومصر وفارس والحبشة والسودان وعمان والطائف ، والعرب بعامة .
ونجد فضائل الإيمان لجماعات من الأنصار والسابقين في الإسلام ، والمتأخرين من المسلمين ،
ونجد فضائل الإيمان لقبائل من قريش ، وبني هاشم ، وبني تميم ، وجهينة ، وأحمس ، وقيس ، والأزد ، ودوس ، وبني عامر ، وبني عبيد ومضر
كما نجد أحاديث في فضل الأمة الإسلامية كلها وأنها في الفضل سواء .
فما الذي يعنيه ذلك ؟
لنضع أمامنا بعض هذه الأحاديث
(1) جاء في أهل اليمن الحديث المذكور أعلاه .
ومثله في صحيح البخاري أيضا بسنده عن أبي هريرة رضيَ اللّهُ عنه عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم «أتاكم أهلُ اليمنِ هم أرقّ أفئدةً وألْينُ قلوباً. الإِيمانُ يَمان، والحكمة يَمانية. والفخرُ والخيلاءُ في أصحابِ الإِبل، والسّكينة والوَقار في أهل الغَنَم».
وفي صحيح مسلم بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ. هُمْ أَرَقّ أَفْئِدَةً. الإِيمَانُ يَمَانٍ. وَالْفِقْهُ يَمَانٍ. وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
وفي صحيح مسلم بسنده عن الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ. هُمْ أَرَقّ أَفْئِدَةً وَأَضْعفُ قُلُوبا. الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ. السّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ. وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ. قِبَلَ مَطْلِعِ الشّمْسِ».
ومثله ما جاء في مسند الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ونحا بيده نحو اليمن: الإيمان يمان، الإيمان يمان، الإيمان يمان، رأس الكفر المشرق ، والكبر والفخر في الفدادين أصحاب الوبر ".
وفي مسند الإمام أحمد بسنده عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: « بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة إذ قال: يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار مَنْ في الأرض ، فقال رجل من الأنصار: ولا نحن يا رسول الله؟ فسكت ، قال: ولا نحن يا رسول الله ؟ فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فقال في الثالثة كلمة ضعيفة : إلا أنتم ».وعقب عليه الهيثم في مجمع الزوائد بقوله : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني ، وأحد إسنادي أحمد وإسناد أبي يعلى والبزار رجاله رجال الصحيح " .
وفي سنن النسائي الكبرى بسنده عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلَتْ: { إذا جاء نصرُ الله والفَتْح } إلى آخر السّورة قال: نُعِيَتْ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين اُنزِلَتْ ، فأخَذَ في أشدّ ما كان اجتهاداً في أمر الاَخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «جَاءَ الْفَتْحُ وَجَاءَ نَصْرُ الله، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ» فقال رجلٌ: يا رسول الله، وما أهل اليَمَن؟ قال: «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيّنةٌ قُلُوبُهُمْ، الإيمَانُ يمان ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيّةٌ ، وَالْفِقْهُ يَمَانٌ ».

(2) وفي الشام ونجد : جاء في صحيح البخاري بسنده عن نافع عن ابن عمرَ قال: ذكرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم «اللهمّ باركْ لنا في شامِنا، اللهمّ بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله: وفي نجدِنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسولَ اللّه وفي نجدِنا، فأظنّه قال في الثالثة: هناك الزلازلُ والفِتن وبها يطلعُ قرنُ الشيطان».

(3) وفي لعن بعض القبائل جاء في صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعُوَ على أحد أو يدعوَ لأحد قَنَتَ بعد الرّكوع ، فربّما قال إذا قال " سمعَ اللّهُ لمن حمده اللهمّ ربّنا لك الحمد " : اللهمّ أنج الوليدّ بن الوليد ، وسلمةَ بن هشام ، وعيّاشَ بن أبي ربيعة ، اللهمّ اشددْ وَطأَتَكَ على مُضَر، واجعَلْها سِنينَ كسِنِي يوسف. يَجهَرُ بذلك.

وكان يقول في بعضِ صلاتِهِ في صلاةِ الفجر: اللهمّ العَنْ فلاناً وفلاناً لأحياءَ من العرب حتى أَنزَلَ الله { ليس لكَ من الأمرِ شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم } 128آل عمران. وجاء في مسند الإمام أحمد بسنده عن حديث أبي ثور الفهمي رضي الله تعالى عن أبي ثور وقال إسحاق: الفهمي قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فأتى بثوب من ثياب المعافر فقال أبو سفيان : لعن الله هذا الثوب ولعن من يعمل له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنهم فإنهم مني وأنا منهم ». وقال إسحاق: ولعن الله من يعمله. وقد أورد الهيثمي الحديث في مجمع الزوائد ، وعقب عليه قائلا : رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن


(4) وفي أهل المشرق ثم في الحجاز جاء في صحيح مسلم بسنده عن جَابِرَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم «غِلَظُ الْقُلُوبِ ، وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ. وَالإيْمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ».

(5) وفي فضل الشام واليمن والعراق جاء في مسند الإمام أحمد بسنده عن ابن حوالة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيصير الأمر إلى أن تكون جنوده مجندة، جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق ، فقال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذاك؟ قال: عليك بالشام ، فإنه خيرة الله من أرضه يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم ، واسقوا من غدركم ، فإن الله عزّ وجلّ قد توكل لي بالشام وأهله». وذكره البغوي في مصابيح السنة ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب عليه بقوله : " رواه الطبراني ورجاله ثقات " .

وفي مسند أحمد بسنده عن زيد بن ثابت قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حين قال: « طوبى للشام، طوبى للشام قلت: ما بال الشام؟ قال: الملائكة باسطو أجنحتها على الشام».
وفي مسند الشاميين للطبراني بسنده عن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال : يا رسول الله خر لي بلدا أكون فيه فلو علمت أنك تبقى لم أختر على قربك ، قال عليك بالشام ثلاثا ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته إياها قال : هل تدري ما يقول الله في الشام ؟ إن الله يقول : يا شام أنت صفوتي من بلادي ، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سوط نقمتي ، وسوط عذابي ، أنت الذي لا تبقي ولا تذر ، أنت الأندر، وإليك عليك المحشر . ورأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض ، كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة ، قلت ما تحملون ؟ قال : عمود الإسلام ، أمرنا أن نضعه بالشام . وبينا أنا نائم إذ رأيت الكتاب اختلس من تحت وسادتي ، فظننت أن الله قد تخلى من أهل الأرض ، فأتبعته بصري ، فإذا هو نور بين يدي ، حتى وضع بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره ، فإن الله قد تكفل لي بالشام ) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب عليه بقوله " رواه الطبراني من طريقين ، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير صالح بن رستم ، وهو ثقة "

(6) وفي فضل مصر جاء في صحيح ابن حبان بسنده عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : سمعت أبا ذر يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما ) قال حرملة يعني بالقيراط أن قبط مصر يسمون أعيادهم وكل مجمع لهم القيراط يقولون نشهد القيراط .. وفيه أيضا بسنده عن أبو هانئ حميد بن هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، وعمرو بن حريث ، يقولان : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم ، فاستوصوا بهم ، فإنه قوة لكم ، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله ) يعني قبط مصر .
وفي المعجم الكبير للطبراني بسنده عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال : ( الله الله في قبط مصر ، فإنكم ستظهرون عليهم ، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله ) . وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب عليه بقوله " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح "

(7) وفي فضل فارس جاء : في صحيح البخاري ، بسنده عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: « كنّا جلوساً عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأُنزلت عليه سورةُ الجمعة { وآخَرينَ منهم لمّا يَلحقوا بهم } قال : قلت : مَن هم يا رسولَ الله ؟ فلم يُراجعْهُ حتى سألَ ثلاثاً وفينا سَلمانُ الفارسيّ ، وَضَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ على سلمانَ ثمّ قال : لو كان الإِيمانُ عند الثّريّا لنالَهُ رجالٌ أو رجلٌ من هؤلاء ».
و في صحيح مسلم بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال من أبناء فارس - حتى يتناوله ) .
وفيه أيضا بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ. فَلَمّا قَرَأَ: { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } الجمعة 3. قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هََؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم . حَتّىَ سَأَلَهُ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً. قَالَ : وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ . قَالَ : فَوَضَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَىَ سَلْمَانَ ، ثُمّ قَالَ : «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثّرَيّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هََؤُلاَءِ».

(8) وفي فضل قريش والأنصار واالحبشة والأزد جاء في سنن الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الملك في قريش ، والقضاء في الأنصار ، والأذان في الحبشة ، والأمانة في الأزد ، يعني اليمن " ، حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي مريم الأنصاري عن أبي هريرة نحوه ولم يرفعه ، وهذا أصح من حديث زيد بن حباب .
وفي صحيح البخاري بسنده حدّثنا مسلمُ بن إبراهيمَ حدّثَنا شُعبةُ عن عبدِ الله بن عبد الله بن جَبرٍ عن أنس بن مالكٍ رضيَ الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمانِ حُبّ الأنصار، وآية النفاقِ بُغضُ الأنصار».

(9) وفي فضل بني هاشم والعرب جاء في المعجم الكبير للطبراني بسنده عن جابر بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بغض بني هاشم والأنصار كفر ، وبغض العرب نفاق ) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب عليه بقوله " رواه الطبراني ورجاله ثقات

(10) وفي فضل قبائل من العرب وفي صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الناسُ تَبعٌ لقُريشٍ في هذا الشأنِ: مُسلِمُهم تبعٌ لمسلمِهم، وكافِرُهم تبعٌ لكافِرهم» .

وجاء في صحيح مسلم بسنده أن الأقرع بن حابس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة - وأحسب جهينة - خيرا من بنى تميم وبنى عامر وأسد وغطفان أخابوا وخسروا فقال: نعم ، قال : فوالذي نفسي بيده إنهم لأخير منهم "

(11) وفي فضل السابقين جاء في مسند الإمام أحمد بسنده عن عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خير الناس أقراني الذين يلوني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال : ولا أدري أقال : في الثالثة أو في الرابعة ثم يخلف بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته » .
وفي صحيح البخاري بسنده عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس خير ؟ قال : " قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته " . قال إبراهيم وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد

(12) وفي فضل المتأخرين جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم بسنده عن صالح بن محمد عن أبي جمعة قال : تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح ، قال : فقلنا : يا رسول الله أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك ؟ قال : " نعم ، قوم يكونون بعدكم ، يؤمنون بي ولم يروني " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
وجاء مثل معناه في صحيح ابن حبان بسنده عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل امتى مثل المطر، لا يدرى أوله خير أو آخره )
وفي سنن الترمذي : بسنده عن أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ أُمّتِي مَثَلُ المَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرَهُ» .
(13) وفي اتصال الأجيال جاء صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « الناسُ معادِنُ: خِيارُهم في الجاهليةِ خِيارُهم في الإِسلام إِذا فقِهوا، تجدونَ مِن خيرِ الناس أشدّ الناس كراهيةً لهذا الشأن حتى يَقعَ فيه » .


#######
تلك طائفة من الأحاديث يبدو بينها تعارض في الظاهر ، نراها لا تفهم على وجهها الصحيح إلا بالنظر الدقيق في مجموعها لا بالتسرع في إنكارها أو إنكار بعضها
لقد ذهب بعض العلماء إلى فهم كل حديث على حدة ، أو إلى الموازنة بين حديث وحديث في نطاق ضيق ، وهذا – فيما أرى والله أعلم – ما يترتب عليه المشكلات ، وهو قد يؤدي إلى حل مشكلة لكن على حساب مشكلة أخرى كامنة في موضع آخر ، قد تكون أهم أو أخطر .
من ذلك مثلا ما ذهب إليه الإمام النووي في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان يمان " قال : " أي منسوب إلى اليمن لإذعانهم إلى الإيمان بدون كبير كلفة ، ومن اتصف بشيء وقوي فيه نسب إليه ، إشعارا بكمال حاله فيه ، من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيره .. "
إننا إذا اقتصرنا على ذلك نحل التعارض الذي بين هذا الحديث وبين حديث " الإيمان في أهل الحجاز " لكننا بهذا نغفل عن استمرار الإشكال بالنسبة لما جاء في حديث آخر يصرح فيه بتفضيل أهل اليمن على أهل الأرض قاطبة " يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم سحاب ، هم خيار من في الأرض " لا يستثني الأنصار إلا بعد إلحاح من السائل وبكلمة ضعيفة " إلا أنتم "
وإذا كان أبو عبيد - فيما رواه عنه الإمام النووي - يحاول حل الإشكال القائم بين هذا الحديث " الإيمان يمان " وبين ما هو موضع التسليم من فضل الأنصار والمهاجرين بمحاولة إدخال مكة والمدينة في مفهوم اليمن إذ يقول " مكة في أرض تهامة ، وتهامة من اليمن ، ولذا سميت مكة وما يليها من أرض الحجاز تهامة فعليه مكة يمانية ومنها ظهر اليمن ، وقيل : قاله بتبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريدهما ، وقيل : أراد الأنصار وهم يمانيون في الأصل ...
أقول إذا قلنا ذلك واسترسلنا مع هذه النظرة الجزئية فإن الإشكال يحل مؤقتا ، ولكنه سرعان ما يعود بالنظر إلى الحديث الذي أشرنا إليه سابقا ، والذي يتضح منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد باليمن ذلك الإقليم المعروف الذي لا تدخل فيه المدينة والأنصار ، ويصرح بأنهم خير من في الأرض لا يستثني الأنصار من المفضولين إلا بإلحاح من السائل ، وبكلمة ضعيفة كما جاء على لسان الراوي .
ثم انظر إلى الحديث الذي يرتب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأماكن التي يلجأ إليها عند الخوف من الفتنة فيضع الشام أولا ، ثم يقول : فإما إن أبيتم فعليكم بيمنكم ، كيف يتفق – في ضوء النظرة الجزئية – مع ما ذكر في فهم " الإيمان يمان " وأن معناه أن الإيمان وصل إلى كماله عندهم ، وأنهم خيرة من في الأرض ؟
كذلك إذا سرنا على منهج التجزئة وحاولنا فهم قوله صلى الله عليه وسلم عن فارس " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من فارس " بأنه يعني كمال الإيمان عندهم ، على نحو ما فهمناه من " الإيمان يمان ؟
وكيف تتأتى المساواة بين الفريقين – جدلا – إذا وضعنا في الاعتبار ما هو من معروف من دخول الإسلام في اليمن من غير كبير كلفة – كما يقول الإمام النووي عنهم – وما هو معروف من شدة حرب فارس قبل أن تسلم ، بل بعد أن استسلمت ؟

إذن فإن فهم هذه الأحاديث وحل مشكلاتها الظاهرية يحتاج إلى منهج آخر غير منهج التجزئة الذي يحاول الفهم لكل حديث على حدة ، أو بأسلوب المقارنة الضيق ، فهذا إن أخرجنا من مشكل هنا أوقعنا في مشكل هناك .

كذلك يجب أن نستبعد من المنهج افتراض أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بصدد وضع خريطة " جينومية " إيمانية تبين الفروق الأبدية الدقيقة التي تفصل بين الأجناس والأقوام والجماعات تنسحب إلى جميع الظروف والأجيال ، في كل وقت وفي أي مكان .
لقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم – بنفسه – أن تبتنى على حديثه في هذا المجال المقارنات والمفاضلات على الوجه الذي أشرنا إليه ، وهذا هو مغزى ما جاء في الحديث الذي ظن فيه رجال من الأنصار أن تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن يعني نفي الفضل الذي حازه الأنصار ، فسأله واحد منهم " ولا نحن يا رسول الله ؟ سأله ثلاثا والرسول يسكت عنه ، كأنه يرشده صلى الله عليه وسلم إلى أنه لا محل للسؤال ، وفي المرة الثالثة يجيبه في غير إقبال عليه وبكلمة ضعيفة " إلا أنتم " .
وهذا أيضا هو مغزى ما جاء في الحديث الذي سأله فيه رجل من الجالسين حوله صلى الله عليه وسلم ، عند قراءته لقوله تعالى " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم " قال : من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا يا رسول الله ؟ كأنه يريد أن يتلذذ بالإطناب حول الفضل الذي قررته الآية للسابقين ، هنا لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، وهو عندما رد بعد ذلك أشار إلى فضل مدخر لناس يأتون بعد من فارس .
هذا ومثله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد نصب موازين للأقوام والجماعات تدل على أقدارهم بصفة عامة نهائية .

إن إدراك مغزى هذه الأحاديث يأتي من طريق منهج ننظر فيه إليها في ضوء شخصية القائد المربي .
إن الأمر الذي لاشك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على علم بصفات من يتحدث عنهم من هؤلاء الأقوام والجماعات ، ولكن الذي لاشك فيه أيضا – في ضوء التحليل الذي قدمناه - أنه لم يكن يسوق أحاديثه تلك بوصفه عالما بصفات الناس فحسب ، أو في غيبة كونه قائدا مربيا لهم في المقام الأول .
وإذا كان لنا أن نتوقع من " العالم " أن يرتب معلوماته ويبوبها ويجدولها ويوضح الفروق الدقيقة التي تفصل بين هذا الجنس وذاك وبين هذه الجماعة أو تلك وفي أي موطن، وفي أي زمن وفي أي بيئة .. فإن علينا أن نتوقع من القائد المربي العالم موقفا مختلفا عن ذلك بعض الشيء . إن له أن يكون هدفه من معرفته – ليس مجرد تقريرها كعلم مهما تكن نتائجه وعلى أي نحو يكون هذا التقرير ، وإنما له باعتبار وظيفته القيادية التربوية في المقام الأول- أن يحول علمه إلى تطبيقات تساق في جرعات حسب الموقف ، تظهر في توجيهاته ، يتصرف فيها بالإطلاق تارة والتقييد تارة أخرى ، بالتلميح مرة والتصريح مرة ، تبعا لما توجبه حال القوم ولما يصلح به شأنهم .
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدا مربيا عالما ، وكذلك كان شأنه في هذه الأحاديث التي تعرضت لفضائل الأقوام والجماعات .. فالباحث يجد فيها تصاريف القائد الموفق والمربي الغيور الذي يضع نصب عينيه مجموعة من الأهداف العملية ، يقود أمته إليها ويسهر لتربيتهم عليها .

وهنا نسوق مجموعة من الأهداف التي نستلهمها من هذه الأحاديث ، والتي تفهم هذه الأحاديث على ضوئها فإذا هي متناسقة متساندة موجهة جميعها لتحقيق هذه الأهداف.

منها : كسر شوكة العصبية القبلية أو الإقليمية التي تدعو كل قبيلة إلى انتقاص قدر غيرهم ، ولاشك أن ذلك كان شائعا بين العرب في الجاهلية لا يحتاج إلى بيان ، وعامة الأحاديث التي قدمناها تفيد في التقريب بين القبائل والأقاليم عن طريق دعوة بعضهم لاحترام بعض ، واعتراف هؤلاء بالفضل لآخرين .
إن هذه الأحاديث تتوجه بالخطاب إلى كل إقليم أو جماعة على حدة بوجوب الاعتراف بالفضل للأقاليم والجماعات الأخرى – على عكس ما هو مختمر في صدورهم أو باد على ألسنتهم من توهين للآخرين ، ومن هنا تنكسر شوكة العصبية المحلية ، ويتم التقريب ويمهد السبيل للتوحد .

ومنها إثارة التنافس بين الأقاليم أو القبائل في مجال جديد غير مجال العصبية الجاهلية في تحصيل الإيمان والتقوى ، وذلك عندما يدرك كل إقليم ما عليه الآخرون من فضل في الإيمان ، فيود لو لحق بهم فيتنافس في أعمالهم .
ومجال المنافسة هنا مأمون ، لأنه من أجل الإيمان ، فهو محكوم بمقاييس الدين والشريعة ، فهم في تنافسهم الجديد لا يخرجون منه إلى معترك الحسد والبغضاء والحقد الذي ينساق إليه المتنافسون في ظل قيم الجاهلية ومقاييسها ، ومن هذا يتبين أن هذا الهدف وإن كان يمثل وجها يختلف عن الوجه الذي يمثله الهدف الأول إلا أنه يتناسق معه ولا يتعارض .

ومنها كسر نزعة الغرور التي يرى المربي أنها قد تطل من رءوس بعض القوم ، لمجد كان لهم في الماضي ، أو لسبق سبقوا إليه في الحاضر ، كمنا جاء في الحديث الذي استفسر فيه بعضهم – تلذذا – عن أولئك الذين لم يلحقوا بهم ، لم يجبهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البيان الذي طلبوه ، وإلا لغذى ما يكاد ينبت في صدورهم من اعتداد زائد بالنفس ، وإنما أجابهم إجابة عكسية ، بذكر أقوام يأتون من غيرهم - من فارس – لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ..
كذلك يأتي في هذا المعنى ما جاء في الحديث الذي سأله فيه أبو عبيدة الجراح : يا رسول الله أحد أفضل منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " .
هذان حديثان نجد فيهما تدبير القائد الذي يلمح – على قرب أو بعد – احتمالات الاعتداد بالنفس والفخر بالمجد ، وما يترتب على ذلك من تقصير أو قصور ، فيمد يده ليقتلع النبتة من جذورها ، وذلك بذكر حقيقة يتصف بها المتأخرون في مقابل ما يتصف به السابقون .
ولهذا الغرض وجه آخر ، هو : بث الثقة في النفس ، في مقابل من هم مظنة الوقوع في الغرور ، وهو معنا موجود في الحديثين اللذين أشرنا إليهما .

ومنها التحذير من مساوئ ومخاطر كامنة ، أو مغيبة تظهر في المستقبل في بعض الجماعات في أوقات علمها عند الله .
فهذه إذ يشير إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في تنبؤاته في أحاديث الفتن لا يدمغ بها أقواما بعار لا يتخلصون منه أبدا ، وإنما هي أولا : يقصد بها التنبؤ لهذه الأحداث وترصدها والتدبير لها بما يخفف من نتائجها ، وهي ثانيا : لا تتعارض مع نسبة الفضل لبعض من تأتي الفتنة من جهتهم ، ذلك لأن الفضل كما يجب أن نفهم ليس حكرا لأجيال المستقبل ، وكذلك النقيصة ، وإنما كل من هذين يكون مشروطا بشروطه ، وهو يكون لجيل دون جيل ، وفي أزمان وأماكن دون أزمان وأماكن ، وأفراد دون أفراد.

تلك أمثلة لما يشغل القائد المربي في قومه ، فيسوق تعاليمه إليهم من أجل أهدافه التربوية ، فلا تؤخذ هذه التعاليم من زاوية التصنيف الضيق بمقتضياته ، التي تلزمه من حيث التبويب والتصنيف ومراعاة الفروق والمقابلة بينها ، وإنما تؤخذ من زاوية الإرشاد والتوجيه والتربية ، وله مقتضياته من حيث الإطلاق والتقييد ، والتصريح والتلميح والإجمال والتفصيل ..

وإذا بنا في نهاية المطاف نجد في هذه الأهداف شيئا من سياسة الإسلام بين الأقوام والجماعات تقوم على كف العصبية الجاهلية من جهة ، وإثارة حوافز السبق إلى الإيمان من جهة أخرى ، كما تقوم على كف نزعة الغرور عند المرشحين له ، وبث الثقة بالنفس عند المترددين ، والاستعداد للأحداث بما يفيد .
وبعد :
فهذه رسالة في :
قمع تذاكي الأغبياء في الجرأة على إنكار الحديث
وردم حفرة من حفر العلمانية في التدبير للقضاء على المصادر الإسلامية
ألا فليقف الجميع إجلالا واعيا عندما يطرق أسماعهم " قال رسول الله "
صلى الله عليه وسلم
والله أعلم .
أد يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.