* شدد النبي صلي الله عليه وسلم الوصية لأهل الذمة وتوعد كل مخالف لهذه الوصايا بسخط الله وعذابه. قال صلي الله عليه وسلم "من آذي ذميا فقد آذاني. ومن آذاني فقد آذي الله". "من آذي ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه. خصمته يوم القيامة" وقال صلي الله عليه وسلم "من ظلم معاهدا أو انتقص حقا. أو كلفه فوق طاقته. أو أخذ منه شيئا لغير طيب نفس منه. فأنا حجيجه يوم القيامة". * وقد سار خلفاء الرسول صلي الله عليه وسلم ومن بعدهم علي رعاية هذه الحقوق والحرمات. رعاية لهؤلاء المواطنين من غير المسلمين. وأكد فقهاء الإسلام علي اختلاف مذاهبهم هذه الحقوق والحرمات. * قال الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي: "إن عقد الذمة يوجب علينا حقوقا لأنهم في جوارنا وذمتنا وذمة الله تعالي. وذمة رسوله صلي الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدي عليهم ولو بكلمة سوء أو عيبة في عرض أحدهم أو أي نوع من أنواع الأذية أو أعان علي ذلك. فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلي الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام. * وقال ابن حزم الفقيه الظاهري: "إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلي بلادنا يقصدونه. وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالي وذمة رسوله صلي الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". * ولهذا أكد التاريخ والواقع استعانة المسلمين حكاما ورعية بغير المسلمين في الأمور الفنية التي لا تتصل بالدين من طب وصناعة وزراعة وغيرها. وإن كان الأجدر بالمسلمين أن يكتفوا في ذلك اكتفاء ذاتيا. * وقد رأينا في السيرة النبوية كيف استأجر رسول الله صلي الله عليه وسلم عبدالله بن أريقط وهو مشرك ليكون دليلا له في الهجرة قال العلماء: ولا يلزم من كونه كافرا ألا يوثق به في شيء أصلا فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة إلي المدينة وأكثر من هذا أنهم جوزوا لإمام المسلمين أن يستعين بغير المسلمين بخاصة أهل الكتاب في الشئون الحربية. وأن يسهم لهم من الغنائم كالمسلمين. * روي الزهري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم استعان بأناس من اليهود في حربه فأسهم لهم. وأن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة حنين وكان لا يزال علي شركه. * ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين. فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به. * ويجوز للمسلم أن يهدي إلي غير المسلم. وأن يقبل الهدية منه. كما ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم أهدي إليه الملوك فقبل منهم. وكانوا غير مسلمين. * قال حفاظ الحديث: والأحاديث في قبوله صلي الله عليه وسلم هدايا أهل الكتاب وغيرهم كثيرة جدا وعن أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لها: "إني قد أهديت إلي النجاشي حلة وأوافي من حرير". * إن الإسلام يحترم الإنسان من حيث هو إنسان فكيف إذا كان من أهل الكتاب؟ وكيف إذا كان معاهدا أو ذميا؟ * مرت جنازة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقام لها واقفا. فقيل له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا؟ بلي. وكل نفس في الإسلام لها حرمة ومكان. * يقول الدكتور القرضاوي: إن تاريخ التسامح الإسلامي مع أهل الأديان تاريخ ناصع البياض وقد رأينا كيف عاش هؤلاء في غاية من الأمان والحرية والكرامة باعتراف المؤرخين المنصفين من الغربيين أنفسهم. ولكن قوماً لبسوا مسوح العلم يريدون أن يقولوا هذا التاريخ ما لم يقله ويحملونه ما لم يحمله عنوة وافتعالاً يصطادون في الماء العكر وفي سبيل هذه الغاية الشريرة جهدوا جهدهم أن يشوهوا تاريخ التسامح الإسلامي الذي لم تعرف له الإنسانية نظيراً متذرعين بحوادث جزئية قام بها بعض العوام أو الرعاع في بعض البلاد وبعض الأزمات نتيجة لظروف وأسباب خاصة تحدث في كل بلاد الدنيا إلي يومنا هذا. إن الواقع والتاريخ الإسلامي أكبر دليل علي تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب وفي قصة عمر بن الخطاب والقبطي المصري أكبر مثال علي عدالة الإسلام وسماحته فعندما حدث سباق للخيل بين ابن عمرو بن العاص وبين شاب قبطي وكسب السباق القبطي وضرب ابن عمرو بن العاص الشاب القبطي قائلاً له: أتسبق ابن الأكرمين. ولم يقبل القبطي بالإهانة وخرج من مصر إلي المدينة يشكو إلي خليفة المسلمين. الذي طلب علي الفور إحضار عمرو بن العاص وابنه وأعطي عمر بن الخطاب القبطي السوط وقال له اضرب ابن الأكرمين. وهناك قصة أخري لأمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز عندما اشتكي له مسيحيو دمشق من الخليفة الوليد بن عبدالملك الذي هدم جزءاً كبيراً من كنيسة "يوحنا" ليقيم عليها مسجداً فأصدر أمره علي الفور بهدم الجزء من المسجد الذي تم بناؤه علي أرض الكنيسة. إلا أن علماء المسلمين اتفقوا مع قادة الكنيسة ليتنازلوا عن الجزء المأخوذ من كنيستهم وأبلغوا الخليفة عمر بن عبدالعزيز بذلك. نعم إنها السماحة والمحبة التي ربطت بين المسلمين والمسيحيين علي مر العصور.