لعل الحادث الإرهابي الذي حدث في كنيسة القديسين بالإسكندرية, وراح ضحيته العشرات من المصريين القتلي والجرحي, قد كشف الغطاء عن جرح عميق يحتاج إلي علاج حاسم سريع, وليس إلي مجرد التسكين, والمصريون بشكل عام تعودوا علي أن تجمعهم المصائب ولا تفرقهم, فقد اجتمعوا علي قلب رجل واحد في ثورة9191 من أجل أن يطالبوا بالاستقلال, ولم ينظر سعد زغلول إلي ديانة مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهما, وعندما شكل وزارته واقترح البعض عليه وجود الأقباط بها بنفس نسبة عدد السكان أجابهم: وهل رصاص الانجليز يراعي هذه النسبة عندما يسيل الدم القبطي إلي جانب الدم المسلم, كلنا أبناء وطن واحد, والعبرة بالأكثر إخلاصا ووطنية وكفاءة. كذلك اجتمع المصريون علي رفض الهزيمة بعد أن اختلطت دماؤهم في حرب7691 ولم تفرقهم تلك النكسة برغم مرارتها وما يمكن أن تحدثه من زلزال يهدم الكثير من القيم, ويثير الكثير من الفتن في المجتمعات الضعيفة غير المتماسكة, ثم اجتمع المصريون: مسلمون ومسيحيون لكي يستردوا الأرض ويعبروا معا أمواج اليأس والهزيمة عام3791 عبر مياه القناة ليلقنوا العدو ضربة قاصمة ولطمة لم ولن ينساها, ولم يسأل أحد من المسلم ومن المسيحي؟ تري عندما يخرج الملايين بعد مباريات كرة القدم التي يكسب فيها فريق مصر القومي.. هل يسأل أحد من بجواره عن دينه؟ تري عندما يجري السير مجدي يعقوب الذي يستحق أكثر من قلادة للنيل عملية في قلب طفل مصري عليل, هل يسأله قبل إجرائها عن دينه؟ لقد كان من المفترض في الأحداث الأخيرة أن تجمعنا المصيبة ولا تفرقنا, وبالفعل هناك محاولات جادة ومخلصة من العقلاء من أجل ذلك, ولكن في الحقيقة إن رد الفعل الغاضب من شباب الأقباط تجاه ما حدث علي الرغم من عدم رضائي عنه يجب أن يدرس ويحترم. وبحكم تخصصي فإننا عندما نعطي تطعيما ضد فيروس أو مرض معين, فإننا نعطي جزءا من الفيروس في جسد سليم حتي نحفز الجهاز المناعي الصحيح علي انتاج أجسام مضادة تصبح جاهزة للقضاء علي الفيروس عندما يحاول أن يغزو الجسم ويسبب المرض, ولكن عندما نحقن هذا الفيروس الحي المضعف في جسد واهن فاقد للمناعة فانه وعلي الرغم من ضعفه يمكن أن يسبب المرض نفسه وبصورة أعنف, وأعتقد أن هذا ما حدث في الأحداث الإرهابية الأخيرة, وهنا يأتي السؤال: ما الذي أحدث هذا الضعف في مناعة الأمة تجاه تلك الطائفية المقيتة؟ ما الذي جعل الأجيال الجديدة من المسلمين والأقباط تتطرف لهذه الدرجة, وتحتقن تجاه بعضها البعض بهذا الشكل؟ أعتقد أن كل من في مثل عمري له, من الأصدقاء الأقباط الصدوقين, الكثيرون الذين يعتز بصداقتهم وأخوتهم علي مدي عمره, ومنهم من كان يصوم معنا نهار رمضان حتي نفطر سويا, ولا أريد أن أذكر أسماء حتي لا أنسي أحدا منهم فهم كثيرون, وكل منهم يعلم أنه في قلبي كما أنا في قلبه.. مصابهم مصيبتي.. ومصابي مصيبتهم, تربينا كما علمنا صلي الله عليه وسلم من ظلم معاهدا أو انتقصه فأنا حجيجه يوم القيامة سوف يحاججنا صلي الله عليه وسلم إذا ظلمنا قبطيا أو انتقصنا حقه, وعلمنا عمر بن الخطاب معني المواطنة والعدل عندما اقتص للقبطي من ابن ولي مصر عمرو بن العاص عندما ضربه بالسوط لأنه سبقه في سباق بينهما, وأعطاه السوط وقال له اضرب ابن الأكرمين, تربينا علي هذه السماحة في التعامل من الجانبين وربينا أبناءنا علي ذلك, فأعز صديقات ابنتي سارة صديقاتاها سمر وكارولين إلي جانب صديقتيها المسلمتين سارة وهانزادة, فما الذي حدث؟ أتفهم أن هناك غصة في حلق الأقباط من أحداث نجع حمادي والعمرانية وغيرهما وبطء التقاضي والحكم علي الجناة, ولكن هل يحدث هذا مع الأقباط فقط؟ بالطبع لا.. فالعدالة البطيئة أقسي من الظلم البين, ولعل حادث العبارة الذي راح ضحيته الآلاف أقرب مثال لذلك, إنه جزء من أشياء كثيرة وقوانين تحتاج إلي تعديل, وكذلك قوانين دور العبادة, ولا داعي علي الاطلاق للتراشق والتلاسن, وتعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله, وأنا حقيقة لا أدري كيف سيقابل هذا الشخص المنتحر الذي فعل ذلك ربه, وقد أزهق عشرات الأرواح, ويتم عشرات الأطفال, ثم زهقت روحه وهو كافر فكأنما قتل الناس جميعا.. لماذا يقتل مصريين أبرياء ذهبوا للصلاة وليسمعوا موعظة تحض علي مكارم الأخلاق؟ ولنكن فطنين لما يحاك بنا, فقد كانت مصر والسودان بلدا واحدا, وكان الملك فاروق هو ملك مصر والسودان, ثم انفصلت السودان عن مصر بعد الثورة, ومنذ ذلك الحين والاستعمار الحديث يخطط لفصل جنوب السودان القبطي الذي يملك الثروة والبترول عن الشمال المسلم الفقير, ونجحوا بالفعل وهاهم يجرون الاستفتاء الذي يقنن ذلك, وتفتت العراق إلي طوائف وشيع وأحزاب تحارب بعضها البعض, وغرقت لبنان في بحور من الدم بسبب الفتنة الطائفية.. فهل أتي الدور علي مصر؟ ياقوم.. أليس منكم رجل رشيد؟ ومنذ أحداث عام1791 الطائفية ونحن نعالج هذه القضية بالمسكنات, وخلال السنوات العشر الأخيرة اشتعلت شرارة حرب خفية علي الفضائيات من كلا الجانبين, وظهرت قنوات متطرفة تزكيها, والتقطت مواقع النت من خلال المواقع الشهيرة مثل الفيس بوك, واليوتيوب, وتويتر وغيرها, تلك اللقطات الساخنة من كل من الطرفين, وبدأت التعليقات ترد علي بعضها وتصعد حدة التوتر علي الجابنين, وأصبح الأهالي بناء علي فتاوي بعض شيوخ تلك الفضائيات يعتقدون ويعلمون أطفالهم المسلمين أنهم يجب ألا يتعاملوا مع أطفال مسيحيين لأنهم كفرة, ونسوا أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يتعامل مع اليهود وليس النصاري الذين هم أكثر قربا لنا, عندما هاجر إلي المدينة, وأوصانا بأهل الكتاب عامة وبأهل مصر خاصة لأن لكم فيها نسبا وصهرا. إن ما حدث جريمة بشعة ليس في حق النصاري وحدهم ولكن في حق المصريين جميعا, وإذا أردتم قراءة السيناريو القادم فيمكن أن تكون عملية إرهابية ضد المسلمين حتي يعتقد المسلمون أنها رد من الأقباط علي عملية كنيسة القديسين, ولتشتعل النيران ولا أحد يستطيع أن يطفئها حينئذ, فكل بيت به جار قبطي, وكذلك كل شارع ومدرسة ومستشفي, فالأقباط في مصر ليسوا مثل أقباط السودان أو لبنان يعيشون في أماكن خاصة بهم يمكن فصلهم عن المسلمين, ولكنهم جزء من النسيج الوطني لهذا البلد لا يمكن تقسيمه أو الاستغناء عنه, تماما مثل كرات الدم البيضاء التي لا يمكن أن نستغني عنها, ولا يقلل من شأنها أن عددها4 11 ألفا بينما عدد الكرات الحمراء5 ملايين لكل مللي مكعب, وبالتأكيد لو حاولنا ذلك فسوف تنهار المناعة.. ويبلي الجسد. أناشد العقلاء من الجانبين التهدئة والعودة لما كانت علي قيم المصريين عبر الأجيال, خاصة الإخوة الأقباط, حتي يتسني للجميع دراسة الأمر بعمق ودون ضغوط تجعل من بيده الأمر يؤجل الحلول القاطعة حتي لا يقال إنها تمت من خلال لي الذراع أو تحت ضغط الغضب والثورة, ويجب أن يفهم الجميع أن هناك قانونا يجب أن يكون هو الحاكم فوق رقاب الكل مسلمين ومسيحيين, ولكن العدل البطيء في بعض الأحيان خصوصا في القضايا التي تزهق فيها الأرواح يوجد نوعا من الاحتقان واللجوء إلي أخذ الحقوق بالأيدي بدلا من اللجوء للقضاء والاحتكام إلي القانون, وكل عام والأخوة الأقباط بخير ومصرنا الحبيبة في سلام وأمان