ترى صحيفة "هاآرتس"، العبرية أن قادة حماس في غزة مقتنعون بأن تلك الآونة غير مناسبة بالمرة للدخول في صراع جديد مع إسرائيل، ولهذا مارسوا ضغوطًا كبيرة على الجهاد الإسلامي، لتحذو حذوها؛ إذ تهدد حماس بحرمان أعضاء الجهاد الإسلامي بفقدان الامتيازات التي يحصلون عليها في القطاع، فضلًا عن أن حماس ترى في تأهب إسرائيل العسكري على حدود القطاع تمويهاً، يمهد لشنّ هجوم مُفاجئ من الجانب الإسرائيلي على الجبهة الشمالية في لبنان، وعلى الرغم من أن حماس مستعدة تمامًا للدخول في جولة جديدة من الصراع، إلا أنها غير مستعدة لتضحى كبش فداء لإيران في المنطقة، ولهذا فهي تستبعد المواجهة العسكرية. وصل تبادل التهديدات بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي مرحلة جديدة في الحرب الباردة بينهم، إلا أن لا أحد منهم ينتوي تصعيدًا حقيقيًا. وتلقى أتباع الجهاد الإسلامي في غزة الضوء الأخضر من قادتهم في دمشق؛ للثأر من إسرائيل؛ إثر هجومها على أحد الأنفاق الرئيسية، الأمر الذي أسفر عن مقتل عددٍ من قادة الجناح العسكري لحركة "سرايا القدس" المسلحة، إلا أن قادة حماس والجهاد الإسلامي في غزة مقتنعون بأن الآن ليس الوقت لنزع فتيل الصراع مع إسرائيل؛ إذ إن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الدمار في قطاع غزة المحاصر . وهناك أسباب عديدة تمنع حماس من الثأر من إسرائيل، خاصة أن عملية المصالحة الفلسطينية التاريخية في منتصف طريقها، التي تعد حساسة للغاية، إذ بذل رئيس قطاع غزة، يحيي السنوار، جهدًا كبيرًا لنجاح المصالحة . وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الراهن يكفل لكل من حماس وإسرائيل معادلة الردع، التي يريد الطرفان الحفاظ عليها؛ إذ تعتبر إسرائيل حماس "الشيطان الذي نعرفه"، أفضل بكثير من خليفة حماس الوحيدة وهي - الجماعات الجهادية، فضلًا عن أن إسرائيل لا تنوي حاليًا باستفزاز حماس من خلال استهداف قيادتها العليا للاغتيال . في المقابل، فإن النخبة السياسية في حماس تعمل على السيطرة على الجهاديين بشكل فعّال وتمنع بقدر ما تستطيع الصواريخ من الوقوع في إسرائيل، خاصة الانتقام الإسرائيلي المعتاد ضد الصواريخ الجهادية يستهدف المرافق الحيوية لحماس دائمًا، بينما يتمثل رد فعل حماس المعتاد في الصراخ ورفع شعارات أن "العدو يختبر صبرنا" و"الانتقام قريبًا" . وعلاوة على ذلك، من الواضح أن قادة حماس على علم بالتوترات المتصاعدة بين إسرائيل وبين وحزب الله وإيران، فلو كانت جبهة غزة بها توترات فإن الجبهة الشمالية لإسرائيل بها توترات منذ سنوات، ومن الممكن أن تنفجر تلك التوترات في أي لحظة، نظرًا للأحداث المتراكمة التي تشير إلى حدوث مواجهة قريبة منذ أن استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري . ومن وجهة نظر حماس فإن التأهب العسكري على حدود القطاع، إما أن يكون تمويهًا، أي إلهاء حتى تنفذ إسرائيل هجومًا مفاجئًا في الجبهة الشمالية الأخرى، أو أداة للضغط على حماس للاستسلام أو لتقديم تنازلات أكثر في المفاوضات الجارية، التي تتم بوساطة مصرية مع السلطة الفلسطينية، وذلك يساعد إسرائيل على تجنيب شعبها حربًا أخرى . وعلى الرغم من أن حماس قد تكون مستعدة تمامًا للدخول في جولة جديدة من الصراع مع إسرائيل، فإن قادتها يعارضون تمامًا أن يكونوا كبش فداء لإيران، وتلقى ضربة قاضية من أجلها . ومن جانبه، تتعرض حركة الجهاد الإسلامي إلى ضغوط كبيرة تطالب بالرد على مقتل قادة التنظيم العسكريين، إلا أنها حريصة على الحفاظ على المصالحة . وعادة ما يتم اختراق سماء غزة من خلال آليات المراقبة الإسرائيلية والطائرات بدون طيار، الأمر الذين يزيد من خطر شن الهجوم، إلا أن حماس تظل السبب الأقوى الذي يدفع الجهاد الإسلامي لتنجب التصعيد . ومنذ هذا الهجوم الإسرائيلي الأخير على أنفاق المسلحين، تمارس الحركة الحاكمة في غزة ضغوطًا كبيرة على تنظيم الجهاد الإسلامي لضبط النفس؛ إذ يتعامل كل من حماس والجهاد الإسلامي بالتراضي فيما يتعلق بقرارات الواجهة مع إسرائيل . وعلاوة على ذلك تضمن حماس لانحصار الجهاد الإسلامي وضعًا ومكانة أفضل من بقية سكان غزة، وهم يتجولون بحرية، ويمكنهم تحديد مواقع معينة للتدريب العسكري، ويمكنهم تجديد مخازنهم بحرية، ولهذا يعني نفوذهم أن بعض قادته قد يكونون فوق القانون، إلا أن هذه الميزة قد تتبدد إذا ما تخطى الجهاد الإسلامي الحدود المرسومة لها.