هذا الرجل مسجل فى التاريخ بين أسوأ الحكام فى مسيرة الحياة البشرية؛ إنه الإمبراطور نيرون الذى وُلد عام 37م، وتوفى فى مثل هذا اليوم عام 68م منتحرًا. الإمبراطور كاليجولا عم نيرون، أنفق أمواله في الخلاعة والمجون والملذات، وسادت لديه رغبة جامحة في تعذيب معارضيه، فكان يسوقهم إلى أشد صنوف العذاب، ثم يلقي بأجسامهم إلى الحيوانات لتأكلها، دعا إلى الحكم المطلق، وأعلن تأليه شقيقته، وحدد القرابين والأضحيات التي تقدَّم لشخصه، كما أشيع أنه تزوج شقيقته "دروسيلل"، وعين جواده واحدًا من النبلاء، ولم تسلم أم نيرون "أجربينيا" من بطش كاليجولا؛ فقد أمر بنفيها هي وأختها "ليفيلا" إلى جزيرة "بونتيا"، ثم قام أحد ضباط الجيش ويُدعى "كاسيوس شاريا" بقتله والتخلص منه، وتم تنصيب عمه "كلوديوس" إمبراطورًا. الإمبراطور كلوديوس اشتُهِر بالبلاهة الشديدة، لكن باعتباره من العائلة الحاكمة فقد اعتُبِر الوريث الشرعي للحكم؛ حيث إن كاليجولا لم يكن له أبناء يرثونه. بعد تعيينه في منصبه، أمر بإعادة "أجربينيا" أم نيرون من منفاها، ومعها "نيرون"، وكان لم يبلغ الثالثة من عمره بعد. ألقت أجربينيا حبالها حول كلوديوس، ونجحت فى الفوز بزواجه، فكانت هي المفضلة لديه على زوجته ميسالينا سيئة السلوك والسمعة. وبعد نجاح هذا الزواج عكفت أجربينيا على تحقيق حُلمها بأن يأتي اليوم الذي يتولى فيه ابنها "نيرون" الإمبراطورية، ولم يتبقَّ أمامها عقبة سوى "بريتانيكوس" بن كلوديوس الشرعى، ونجحت كل حيلها فى ذلك، فأعلن كلوديوس أن نيرون ابنه، ثم نجحت فى تزويجه من ابنته أوكتافيا؛ ليضفي ذلك شرعية عليه ليحصل على الحكم بسهولة أكبر من إمكانية حدوث ذلك للوريث الشرعي للحكم (بريتانيكوس)، وقد تم لها ما خططت لتنفيذه، وتزوج نيرون من أوكتافيا، ثم كانت الخطوة الأخيرة فى مخطط أجربينيا، وهى قتل زوجها كلوديوس بالسُّمّ، وبذا وصل ابنها لكرسى الحكم، وأصبح نيرون (ابن الست عشرة سنة) إمبراطورًا على روما، وهو لا يمتلك أى شيء من مقومات الحكم والسلطة، بل هو صبى منحرف السلوك، فاسد الخلق، غارق فى ملذاته وشهواته. انصرف نيرون إلى السُّكْر والعربدة والعُهْر، وطاف يشبع رغباته المكبوتة؛ ليتحول حكمه مع الوقت إلى وبال على الشعب، إنه بارع كمغنٍّ، ولاعب للقيثارة، وسائق عربة حربية، ويُحكى في بذخه وحبه للعطور أنه في عهده كان سقف الدعوات يُمطِر رذاذاً من العطور والزهور! وازداد انحطاطًا حتى إذا حلَّ الليل عليه ينغمس وسط العاهرات في حفلات ماجنة، ثم يتنكر في زي عبيد وينزل إلى الطرقات يسرق ويمارس أعمال قطع طرق، ثم أمر بقتل أمه، وإعدام زوجته!، وبدأ سلسلة من الاغتيالات طالت كبار رجال الدولة الذين عارضوا أسلوب حياته. وكانت آخر جرائمه حريق روما الشهير عام 64م، الذى أتى على عشرة أحياء من أحيائها الأربعة عشر، ومات فيه وبسببه الآلاف، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا، كان نيرون جالساً في برج مرتفع، يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لُبَّه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار "هوميروس" التي يصف فيها حريق طرْوَادة!