سلّطت مدونة "ذا ريبورت" في نسختها الألمانية، الضوء على العلاقات بين إثيوبيا ومصر والسودان، لافتة إلى أن العلاقة بين الدول الثلاث "معقدة" للغاية، حيث شاركت في حروب مختلفة، وصراعات ومنازعات سياسية ضد بعضها البعض، ورغم هذا الواقع "المربك"، فقد أشارت التطورات الأخيرة إلى حدوث تغيرات في الفترة المقبلة، من شأنها قلب موازين المنطقة، وخاصة مع انتقال السودان بعيدًا عن مصر للتحالف مع إثيوبيا، وعلى وجه التحديد بشأن اتفاقية حوض النيل. وتحت مصطلح "تجدد التنافس الدبلوماسي" تري المدونة، في تقريرها، أن في ظل التغيرات الواقعة، أجبرت مصر على اتباع تكتيك "سياسي" مختلف في محاولة لكسب الحرب الدبلوماسية ضد إثيوبيا، منوهة بأن مصر الآن يائسة في إيجاد تحالفات جديدة مع بلدان حوض النيل، ورغم ذلك لا تظهر في الأفق نية "واضحة" للرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيارة لواحدة من هذه البلدان. ووفقًا لآراء المحللين السياسيين المهتمين بقضايا دول النيل، وتماشيًا مع هذا الاتجاه، قام الرئيس "السيسي" مؤخرًا بزيارة لرواندا وتنزانيا، ولا يبدو أن هذه الزيارات هي مسألة تجارية كالمعتاد من حيث التدقيق في توقيت الزيارة والمواقع المحددة، موضحة أن رواندا وتنزانيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان صدقتا على الاتفاقية الإطارية التعاونية لحوض النيل إلى جانب إثيوبيا. ومن المثير للاهتمام أن زيارة "السيسي" وقعت بعد شهرين من قمة رؤساء دول حوض النيل في كمبالا بأوغندا، حيث قدمت مصر اقتراحًا جديدًا، بالانضمام مرة أخرى إلى مبادرة حوض النيل بشرط مسبق. وأوضح التقرير، شرط مصر المسبق المتعلق بإعادة التفاوض على اتفاق "كفا -cfa "، خاصة في المادة "14"، التي تتناول مسألة الأمن المائي، وكان في مؤتمر قمة يونيو، قد دفعت مصر الدول الإقليمية إلى استبدال اتفاق "عنتيبي" باتفاق جديد، حيث يتضمن اقتراح مصر، الحفاظ على اتفاق استعماري يعطيها حصة "الأسد" من النيل، وكانت غالبية دول حوض النيل مترددة في الترحيب بالشرط المسبق بينما رحبت اللجنة بقرار مصر بالانضمام إلى مبادرة حوض النيل. وفي هذا الصدد، أشار التقرير إلى أنه من المقرر عقد اجتماع لمجلس دول حوض النيل ، حيث سيتم مناقشة المقترحات المصرية بالتفصيل في وقت لاحق من هذا الشهر، مؤكدًا أن زيارة "السيسي" حدثت قبل هذه المناقشة مباشرة؛ لتقديم بعض التوضيح للمشاركين في المبادرة وضمان تأييدهم للمقترح الجديد، حيث جاءت الجولة الأفريقية كخطوة دبلوماسية. وألمح التقرير إلى أن الهدف الرئيسي للرئيس "السيسي" هو ضمان أمن حصة مصر من مياه نهر النيل، وبموجب اتفاقية مصر والسودان لعام 1959، يحق لمصر أن تحصل على حصة سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل. وفي المقابل، نوه التقرير بأن قيام رئيس الوزراء الأثيوبي، هايله مريم ديساليغنه، بزيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام إلى السودان يحدث في نفس الأسبوع، من قيام "السيسي" ببعثة مماثلة في اثنين من دول حوض النيل، فلا يبدو هذا التشابه من قبيل الصدفة. ومن ناحيتها شددت الحكومة الإثيوبية على أن خلافًا زيارة مصر لرواندا وتنزانيا، فإن زيارة السودان ليس وراءها أي دافع سياسي، وأنها لا علاقة لها على وجه التحديد بقضية "النيل"، وفى الواقع، وقعت الدولتان عددًا من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات خلال الزيارة، ومع ذلك، يعتقد العديد من المعلقين السياسيين خلاف ذلك. ومن المثير للاهتمام، أن نلاحظ أن إثيوبيا والسودان أعربتا في هذه الزيارة عن التزامهما، عن جملة أمور، أبرزها التعاون في أداء الدور القيادي في التنفيذ الفعال لأهداف مبادرة الاستثمار الوطني، كما أعرب قادة البلدين عن استعدادهما لتعزيز المبادرة التي وضعت لضمان الاستخدام العادل لمياه نهر النيل. وفي السياق، ذكر رئيس الوزراء الإثيوبي، أن قضايا السلام واستقرار المنطقة، وتطوير شبكات البنية التحتية، والدفاع، والأمن القومي، وقضايا أمن الحدود كانت جزءًا من جداول أعمال المناقشات، في حين أكد الرئيس السوداني، عمر البشير أن العلاقات القوية بين البلدين تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة. وبينما لا تزال السودان ومصر ترفضان اتفاق المحللين الماليين بشأن اتفاقية حوض النيل، فإن السودان ومصر في الآونة الأخيرة ليستا على ما يرام بسبب التدخل السياسي المزعوم والنزاعات الإقليمية على منطقة حلايب وشلاتين الحدودية التي تخضع حاليًا للسيادة المصرية، وفى مايو الماضي اتهم الرئيس السوداني، عمر البشير، مصر، بتقديم الدعم العسكري للمتمردين المسلحين في بلاده. وفي الواقع فإنه رغم اختلاف البلدين الحاسم، فإن العلاقة بينهما تتحسن على جميع الجبهات في السنوات ال 15 الماضية، وكثيرًا ما تقوم الحكومتان باستشارة وتنسيق مواقفهما بشأن المسائل ذات الأهمية الإقليمية والدولية، كما يتزايد التعاون التجاري والاستثمار بين إثيوبيا والسودان في الآونة الأخيرة. ومن جهة أخرى، يرى التقرير أن مصر والسودان ليست على نفس الصفحة حتى حول اتفاق عام 1959، مشيرًا إلى أن في الوقت الراهن خرجت السودان عن صفوف مصر، وأصبحت أكثر استقلالية في اتخاذ القرارات. ويعتقد بعض الخبراء، بأن السودان يتخذ القرارات الصحيحة، فإن مصر تشكك في بعض قراراتها، وكان السودان الشريك الضعيف في الائتلاف، لأن مصر أعطت نفسها اليد العليا، فضلاً عن تقديم السودان الكثير من التنازلات، فقد حان الوقت ليقف السودان ويهتم بمصلحته الخاصة بعيدًا عن الهيمنة المصرية.