رسمت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية, صورة قاتمة للغاية للأوضاع المتوقعة في العراق بعد طرد تنظيم الدولة من مدينة الموصل, ثاني كبرى المدن في بلاد الرافدين. وقالت المجلة في مقال لها في 24 يونيو, إن التحالف المناهض لتنظيم الدولة الذي يضم الجيش العراقي والميليشيات الشيعية والوحدات القبلية السنية وقوات البشمركة سيتفكك سريعا, كما أن التنافس العراقي الكردي على عائدات النفط والغاز والميزانيات والنزاعات على الأراضي آخذ في الازدياد. وتابعت " هناك أيضا تفشي الفساد وانخفاض أسعار النفط وتراجع الاقتصاد وارتفاع مستويات الدمار جراء الحروب المتلاحقة والمدمرة ضد تنظيم الدولة". واستطردت المجلة "تركيز التحالف الدولي على إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة يخفي أيضا حقيقة أن العراق يعاني من تفاقم التوترات الطائفية والحروب بالوكالة والاختلالات السياسية والأزمات الإنسانية المتنامية". وحذرت "ناشونال إنترست" من أنه إذا لم تتم معالجة المخاطر السابقة على وجه السرعة، فإن العراق سينزلق إلى حالة جديدة من عدم الاستقرار والنزاعات والحروب بعد هزيمة تنظيم الدولة. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال في 23 يونيو إن إعلان تحرير الموصل سيتم خلال أيام قليلة، بينما صرح قائد الشرطة الاتحادية العراقية الفريق رائد جودت بأن قواته تحاصر من بقي من مسلحي تنظيم الدولة في منطقتي رأس الجادة وباب البيض بالموصل القديمة. وتقول القوات العراقية إنها تحقق مزيدا من التقدم في المواجهات التي وصفها قادة عسكريون بأنها عنيفة جدا, وتدور من منزل لآخر وسط الجثث والركام. ودخلت المعارك في المدينة القديمة بالموصل يومها الرابع, وذكرت القوات العراقية أنها تقاتل المتحصنين من مقاتلي تنظيم الدولة في محاور ثلاثة، وأنه لا فرصة للهرب والنجاة لمقاتلي التنظيم. وحسب مراقبين, فإن تحرير الموصل من مسلحي تنظيم الدولة سيكون مهما للغاية، لأنها من أكبر معاقل التنظيم في العراق, إلا أن هناك خسائر بشرية فادحة لهذه المعركة, حيث يعاني نحو 150 ألف مدني ما زالوا محاصرين في المدينة القديمة بالموصل، وتوجد شهادات متعددة عن وجود مئات الجثث من المدنيين تحت الأنقاض وهي بازدياد، ويصف حقوقيون ما يجري بالموصل بإحدى أبشع المعارك في التاريخ الحديث. وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية, قالت أيضا إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحمل المسئولية كاملة عن الازدياد غير المسبوق في عدد القتلى من المدنيين في الموصل العراقية والرقة السورية. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 19 يونيو, أن الارتفاع المخيف في عدد القتلى المدنيين بالموصل والرقة تزامن مع وصول ترامب لسدة الحكم في الولاياتالمتحدة، وإطلاقه يد الجيش الأمريكي ليفعل ما يشاء بزعم محاربة الإرهاب. وتابعت " الأمر المثير للسخرية, أن الغرب ينتقد القتل الوحشي للمدنيين من قبل القوات الروسية والسورية، ويقوم في الوقت ذاته بارتكاب جرائم مماثلة ضد المدنيين في الموصل والرقة". ونقلت الصحيفة عن كبير المحققين في جرائم الحرب ببعثة تقصي الحقائق الأممية المستقلة بشأن سوريا باولو سيرغيو بنهيرو، قوله :" إن تكثيف غارات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة في الرقة تسببت في خسائر تفوق الوصف، ليس بالأعداد الكبيرة للقتلى فقط, بل بهروب 160 ألفا من منازلهم". وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلت أيضا في مطلع يونيو عن تحقيق أجرته منظمة "إيروارز" غير الحكومية التي تتخذ من لندن مركزا، أن عدد القتلى المدنيين هو ثمانية أضعاف ما تؤكده الولاياتالمتحدة. وقالت المنظمة, التي تجمع المعلومات المنشورة حول عدد الضحايا المدنيين, إن 3100 مدني على الأقل لقوا مصرعهم إثر الغارات الجوية الأمريكية على العراقوسوريا منذ بدء الحرب على تنظيم الدولة. وأوضحت الصحيفة أن العمليات العسكرية للسيطرة على معاقل تنظيم الدولة كالموصل والرقة لعبت دورا مهما في ارتفاع عدد القتلى. ولفتت الصحيفة إلى أن القادة العسكريين حصلوا على حرية أكبر في اتخاذ قرارات بشأن الغارات الجوية على سورياوالعراق في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وهو اتجاه تعزز هذا العام تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب. وكشفت منظمة "إيروارز" في تقريرها أيضا أن الولاياتالمتحدة ساعدت حلفاءها في التستر على أعداد القتلى المدنيين جراء هذه الغارات، وأن الحلفاء ضغطوا على واشنطن والتحالف الدولي لمنع نشر تفاصيل الضربات. وتعليقا على التقرير، قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إنه لا مفر من سقوط ضحايا مدنيين في الحرب على تنظيم الدولة في سورياوالعراق، مضيفا أن بلاده "تبذل كل ما في وسعها إنسانيا" لتفادي ذلك، على حد قوله. كما أعلن الجيش الأمريكي في 3 يونيو أن الخسائر بين المدنيين في سورياوالعراق بلغت 484 قتيلا منذ بدء الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة عام 2014، نافيا اتهامات بتخفيف المعايير الخاصة بحماية المدنيين. وحسب "رويترز", قالت القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط في بيان لها, إنه "استنادا إلى المعلومات المتوافرة، يقدر التحالف الدولي أن 484 مدنيا على الأقل قتلوا في شكل غير متعمد" منذ 2014، موضحا أن ارتفاع العدد يعود في جانب منه إلى زيادة في وتيرة العمليات في مناطق حضرية كثيفة السكان.