ارتفاع جديد للأسهم الأمريكية مع موجة صعود للأسواق العالمية    سوريا وتركيا توقعان اتفاقية تعاون عسكري لتطوير قدرات الجيش السوري    أكرم عبد المجيد يخوض تجربة جديدة في الدوري العماني    ريتشارليسون يقود هجوم توتنهام أمام باريس سان جيرمان في نهائي السوبر الأوروبي    موعد مباراة مصر وإسبانيا والقنوات الناقلة في ربع نهائي كأس العالم لكرة اليد للناشئين 2025    الأرصاد: نتعرض لموجات حارة طويلة المدة.. والموجة الحالية تنكسر يوم السبت    السكة الحديد تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط القاهرة - السد العالي    الحلقة الأخيرة من «فلاش باك» في مسلسل ما تراه ليس كما يبدو تكشف أسرار مقتل مريم    استشاري نفسي يُحلل شخصية محمد رمضان: "يُعاني من البارانويا وجنون العظمة"    الصحة: مساعد الوزير يبحث مع محافظ الأقصر معدلات الإنجاز والتطوير في المشروعات الصحية بالمحافظة    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: حماس عليها أن تقدم أولوية إنقاذ شعبنا    إصابة 3 أشخاص في حوادث متفرقة بشمال سيناء    إخلاء سبيل 6 متهمين بالتشاجر في المعادى    جامعة الفيوم تنظم قافلة طبية بقرية اللاهون    غلق باب الطعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ غدًا    إطلاق اسم إيهاب فهمي على الدورة الثالثة لمهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    الرئيس والإعلام ورهانه الرابح    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    رسميًا.. ميلان يعلن التعاقد مع كوني دي فينتر    وصية محمد منير    عمرو يوسف: تحمست ل «درويش» لأن أحداثه تدور في الأربعينيات (فيديو)    محمود ناجي حكما لمباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    كرة سلة.. سبب غياب إسماعيل مسعود عن منتخب مصر بالأفروباسكت    افتتاح وحدة العلاج الإشعاعي بمستشفى الأورام الجامعي في المنيا    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    تفاصيل أول مشروع ل راغب علامة بعد حل أزمته مع نقابة الموسيقيين    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    قناديل البحر تعطل أحد أكبر المفاعلات النووية في فرنسا    إلغاء جلسة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست لعدم توفر أغلبية للمصادقة على تمديد أوامر استدعاء الاحتياط    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    فضيحة اسمها الانتخابات    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعبة الخمسة بلدي في مصر
نشر في المصريون يوم 17 - 05 - 2012

في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الخامس والعشرين من يناير - نفس تاريخ الثورة المصرية- من عام 2006 سرب تسجيل صوتي لقائد الأجهزة الأمنية في قطاع غزة في جلسة خاصة مع عدد من أنصاره وكان مما قاله في ذلك التسجيل بالعامية الفلسطينية: "أنا حأستلمهم خمسة بلدي من هانا لآخر أربع سنين..حماس نكبت نكبة كبرى بنجاحها..أي شخص في الحكم هو أضعف مما لو كان في المعارضة في الوضع الفلسطيني..وحياة أبوكو أي واحد فيكو بيقول بدنا نخش معاهم في حكومة وحدة وطنية لأقل قيمته.."..
هذا القائد الأمني المشهور جداً كان يعد الرجل الأقوى أمنياً في قطاع غزة لكنه لم تعد له أي قيمة الآن بعد أن دارت عليه الدائرة لذا تعمدت إسقاط اسمه..
تعبير "الخمسة بلدي" يعني أنه سيقود طوال أعوام حكم حماس مخططاً لإثارة البلابل ووضع العراقيل السياسية والأمنية والمالية في وجه حكومة حماس لإفشالها بعد استلام الحكم وليس قبله..
على أرض الواقع ترجمت "الخمسة بلدي" سريعاً ليس على يد ذلك الشخص وحده، بل شاركت فيه كل القوى المعادية لحماس والمتضررة من نجاح مشروعها سواءً داخلياً أو خارجياً.
حرب الخمسة بلدي تمثلت في مظاهر عديدة من أبرزها رفض الدخول في حكومة وحدة وطنية مع حماس لتوريطها في وحدها، وإثارة الفوضى الأمنية عبر تمرد أفراد الأجهزة الأمنية وقادتها حيث كان وزير الداخلية من حماس لكن جميع القادة والضباط والجنود الذين تحت إمرته من فتح فكان يصدر أوامره ولا يستطيع تنفيذها، أي أن وجود حماس في الحكم كان مجرد واجهة فتنصب عليهم انتقادات الناس لكن من يملك السلطة الحقيقية كانت حركة فتح..
لم يكتف أفراد الأجهزة الأمنية بالتمرد على قرارات وزير الداخلية الساعية لضبط الأمن بل كانوا هم المبادرين لإحداث الفوضى عبر التظاهرات المسلحة، وإغلاق الشوارع واحتلال المؤسسات الحكومية واختطاف الأجانب، بل وصل الأمر أخيراً إلى قتل أبناء حماس وهم متوجهون إلى صلاة الفجر.
من مظاهر الخمسة البلدي نزع الصلاحيات، فمنذ اليوم الأول لفوز حركة حماس سعى رئيس السلطة محمود عباس لتفريغ هذا الفوز من مضمونه عبر إصدار جملة من المراسيم المتتابعة لنزع صلاحيات الحكومة والمجلس التشريعي وضمها إلى ما سماه مؤسسة الرئاسة، فضم إلى صلاحياته أجهزة الإعلام الحكومية وقيادة الأجهزة الأمنية ولم يترك مصدراً من مصادر التمويل إلا وضمها إليه ليحرم حكومة حماس الفائزة من أي قدرة على تنفيذ برنامجها الذي وعدت به الناخبين، بل وصلت حرب الصلاحيات إلى حد ضم الحج والعمرة إلى مؤسسة الرئاسة حتى تعود أموالها إليه وتحرم منها حركة حماس..
مظهر آخر تمثل في التحريض الإعلامي من قبل وسائل إعلام وصحف ومواقع السلطة.. هذا التحريض بدأ منذ اللحظات الأولى لفوز حماس عبر السعي لتخويف المواطنين من أيام سوداء من جهة وبث التوتر في الساحة، والسعي لإثبات فشل حماس في قيادة الحكومة من جهة أخرى حتى قبل أن تبدأ في ممارسة صلاحياتها..
من مظاهر الخمسة بلدي أيضاً الحصار السياسي والاقتصادي على حكومة حماس، وقد اشترك في فرض هذا الحصار كل من إسرائيل والسلطة والدول الغربية والنظام المصري السابق، فقد عزلت حماس بين جدران قطاع غزة وأغلقت عليها المعابر ومنع إدخال الوقود والغذاء ومواد البناء، وساهم محمود عباس في هذا الحصار فكان يصطحب في جولاته الخارجية البطانة المحيطة به والتي لا تحمل أي صفة حكومية ولا تمثل أي ثقل شعبي بينما لم يحدث أن اصطحب معه رئيس المجلس التشريعي أو رئيس الوزراء أو أحد من الوزراء المنتخبين ولو لمرة واحدة في جولاته الخارجية الكثيرة..
كل هذه المظاهر وغيرها التي مورست ضد حماس منذ اللحظات الأولى لفوزها كان يقصد بها إسقاط نموذج حماس في الحكم وإثبات فشلها بعد فوزها في الانتخابات، وهو ما لا تستطيع تلك القوى أن تفعله حين كانت حماس في المعارضة، فإدارة الحكم هي المعمل الذي تسقط فيه النظريات، وكما قال الشخص سابق الذكر إن أي شخص في الحكم هو أضعف مما لو كان في المعارضة..
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا المخطط الذي طبق ضد حركة حماس لم تضعه السلطة وحدها وإنما شاركت في رسمه وتطبيقه قوىً خارجية كان أبرزها أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، وقد أرسل جهاز المخابرات الأمريكية مبعوثاً خاصاً لقيادة هذا المخطط وهو الجنرال كيث دايتون، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً أن هذه الجهات التي تخشى نجاح تجربة حركة حماس في الحكم تخشى أيضاً وبصورة أكبر فوز الحركة الإسلامية في مصر فإن لنا أن نتوقع أن تقود هذه الجهات ذاتها نفس المخطط أو مخططاً مشابهاً له لإفشال التجربة الإسلامية في مصر، ولا تبدو هنا حجة القائلين بأن الحالة المصرية تختلف عن الحالة الفلسطينية دقيقةً تماماً، فرغم وجود اختلافات ظاهرة بين الحالتين إلا أن ثمة قواسم مشتركة كثيرة في المقابل تجعل من الممكن تكرار سيناريو غزة في مصر على نحو أوسع..
لسنا بحاجة إلى أن نظل في إطار التوقع النظري، فقد بدأت كثير من ملامح المشهد المصري تتضح لتكشف عن سيناريو مشابه لسيناريو الخمسة بلدي الذي تم تطبيقه في غزة مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين الحالتين الفلسطينية والمصرية..
فيما يشبه حرب نزع الصلاحيات التي مارستها السلطة ضد حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات نجد نفس الأسلوب يكرره المجلس العسكري الأعلى في مصر، فرغم فوز الإسلاميين بأغلبية مقاعد المجالس التشريعية إلا أن أيديهم لا تزال مكبلةً عن تطبيق برامجهم التي وعدوا بها الناخبين حتى أنهم لم يستطيعوا حجب الثقة عن حكومة كمال الجنزوري، ووصل الأمر إلى حد تلويح المجلس العسكري بحل مجلس الشعب استناداً إلى ذرائع قانونية..
الإعلام أيضاً في مصر لا يزال ينتمي إلى مرحلة ما قبل الثورة، ولا تزال وجوه الإعلام البارزة هي ذاتها تلك الوجوه التي كانت تسبح بحمد الرئيس المخلوع، ومن يتابع وسائل الإعلام المصرية يرى تهييجاً وتخويفاً يمارسه هذا الإعلام للتحذير من الإسلاميين، وإعلام بهذه المواصفات يتوقع أن يقوم بدور تعبوي ضد الإسلاميين فيما لو تسلموا الحكم بدل أن يكون عوناً لهم في تطبيق برامجهم..
بنية الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة التي أنشأها النظام السابق طوال عقود خلت لا تزال قائمةً أيضاً، فإذا كان رأس النظام قد سقط فإن بنية هذا النظام لم تسقط. والمستفيدون من حالة الفساد المستشرية في عهد النظام السابق لن يسرهم إقامة دولة المؤسسات والقانون والعدل. وإمساك الإسلاميين برأس السلطة قبل أن يرسخوا أقدامهم في مؤسسات الدولة يحتمل خطورةً بالغةً بأن يعجزوا عن تطبيق برامجهم الإصلاحية في الوقت الذي يعمل فيه عشرات آلاف الموظفين في مؤسسات الدولة ضدهم بدل أن يكونوا عوناً لهم..
عامل توتر إضافي في الساحة المصرية يمكن أن ينفجر أو يفجر بشكل مقصود في وجه الإسلاميين وهو عامل الاحتجاجات المطلبية، والتظاهرات والاعتصامات بسبب وبدون سبب، مما سيساهم في شحن الأجواء وإعاقة قدرة الإسلاميين على تطبيق برنامجهم الإصلاحي، خاصةً في ظل حداثة تجربتهم وانتقالهم فجأةً من مرحلة العمل الدعوي إلى مرحلة إدارة الدولة دون تدرج واكتساب خبرة..
يجب ألا نغفل أيضاً عن شبكات المصالح التي بنت ثروات طائلةً في ظل أجواء النهب والفساد التي اتصف بها عهد حسني مبارك..هذه الشبكات ستعمل جاهدةً على المحافظة على نفوذها وعلى حماية نفسها من المساءلة، ولن توفر جهداً في سبيل الحيلولة دون ترسيخ القانون.هذه الشبكات ستمثل عوامل توتير إضافية ولا يستبعد أن تكون هي المتورطة في عدد من أحداث الفلتان الأمني التي شهدتها مصر خلال المرحلة الانتقالية مثل أحداث بور سعيد، والحرائق التي طالت محافظات مختلفة.
مما يضاعف من المخاطر المحدقة بتجربة الإسلاميين في الحكم أن كثيراً من رموز النظام السابق لا يزالون طلقاء أحراراً يعيثون فساداً في الساحة المصرية كما يحلو لهم، من هؤلاء زوجة الرئيس المخلوع سوزان مبارك، كما أن الساحة المصرية مستباحة لكل أجهزة الاستخبارات العالمية، ومن المتوقع أن تعمل هذه الرموز على تجميع العوامل السابقة وتوظيفها وتوحيد الجهود لإجهاض تجربة الإسلاميين وإسقاطهم شعبياً..
إن نهضة مصر التي يرفع الإسلاميون رايتها تعني نهضة الأمة كلها، وتعني تهديداً مباشراً لمصالح أعداء الأمة من غرب وصهاينة، وتعني وضع حد لعهود من الفساد والنهب والفوضى، وما دام الأمر كذلك فإن على الإسلاميين ألا يتوقعوا أن تكون مهمتهم يسيرةً أو أن كل هؤلاء المتربصين بهم سيسلمون لفوزهم بسهولة ويفرشون لهم الورود في طريقهم ليتسنى لهم تطبيق برنامجهم الإصلاحي.والوصول إلى سدة الحكم لن يكون الوصفة السحرية لحل مشكلات البلاد والعباد، بل إن التحديات الحقيقية ستبدأ فقط في صبيحة اليوم التالي من الفوز في الانتخابات الرئاسية، حينها سيكون عهد الشعارات قد انتهى، وستأتي ساعة استحقاق العمل والتطبيق، وسيبدأ المتربصون جهودهم الحثيثة للتخريب..فهل سيمتلك الإسلاميون القدرة على تجاوز كل هذه الألغام والأشواك وسينجحون في تقديم نموذج حكم ناجح طال انتظاره؟؟
نتمنى ذلك..
والله المستعان..
-كاتب فلسطيني من غزة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.