لقد كانت هناك مقدمات واضحة، شهدتها السنوات الخمس الاولي من عقد التسعينيات في القرن الماضي تشير إلي نجاح التيار الاسلامي ورموزه، في برلمان2000، ثم وبقوه أكبر في برلمان2005.. إن الحزب الوطني، كان يمكنه ان يستوعب درس نجاح التيار الاسلامي، في النقابات المهنية(1988 1996)، وذلك بقراءة موضوعية لاكتساح التيار الاسلامي7 نقابات مهنية، والاستفادة من التحليلات العلمية والكتابات التي طرحت الاسباب.. في عام1996، نشر كاتب هذه السطور، كتابا مهما حول هذا الموضوع، تبناه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، بعنوان: الدور السياسي للنقابات المهنية وقد مثل هذا العمل العلمي الوحيد، الذي بحث هذا الموضوع بموضوعية، معتمدا علي مقابلات شخصية متعمقة مع عدد كبير من رموز التيار الاسلامي، بالاضافة إلي بعض اعضاء النقابات المهنية، ورحبت هذه الرموز بفتح ومراجعة كل ملفاتها( وهو الامر الذي رفضته تماما نقابات مهنية اخري تهيمن عليها رموز الحكومة) لقد كانت الدراسة الرئيسية المذكورة، وماسبقها من اوراق علمية حول نفس الموضوع، نوقشت في مؤتمرات كبري، داخل مصر وخارجها، تسعي للاجابة عن سؤال رئيسي وهو: لماذا نجح التيار الاسلامي في أهم نقابات مهنية في مصر( الأطباء، المهندسين، الصيادلة، المحامين، العلميين...)؟ نجح علي القائمة الاسلامية في مجالس النقابات( عام1995)،20 من إجمالي25 في المحامين.. إذن عام1995 هو ذروة نجاح التيار الاسلامي في بعض النقابات المهنية، والتي ضمت إجمالي اعضاء في ذلك الوقت حوالي800000 ثمانمائة ألف عضو من صفوة الطبقة المتوسطة.( في النقابات الخمس المذكورة فقط) لقد انشغلت الحكومة في ذلك الوقت، والأحزاب السياسية، وكثير من الكتاب والمثقفين، بقضايا فرعية، لاتجيب علي السؤال الرئيسي السابق وهو لماذا نجح التيار الاسلامي؟ وفي هذا السياق طرحت مسألة الأغلبية الصامتة، و تسييس النقابات، وإحداث تغييرات قانونية تواجه هذا الاكتساح من جانب التيار الاسلامي. وبالطبع، في محاولتي التصدي العلمي، لتفسير كل هذا النجاح، تم الهجوم علي شخصي المتواضع، من جانب بعض اعضاء الجماعة الأكاديمية، باعتباري أروج للتيار الاسلامي، والشعار الذي رفعوه في ذلك الوقت، الاسلام هو الحل وهو نفس الشعار في الانتخابات البرلمانية2005.. علي أي حال، مايهمني في هذا السياق، هو إعادة طرح اسباب نجاح التيار الاسلامي في النقابات المهنية، وسوف نجد أنها نفس اسباب اكتساح التيار الاسلامي لبرلمان2005، والتي وجدها الغالبية مفاجأة، أو حدثا جديدا علي الساحة السياسية. وفيما يلي أتعرض لأسباب نجاح التيار الاسلامي في الانتخابات البرلمانية2005، وهو امتداد لنجاحات سابقة، تم بحثها وتحليلها: اولا: تطور وعي وادراك الجيل الثاني لجماعة الاخوان المسلمين( والتي توصف بأنها محظورة) لطبيعة التغيرات التي لحقت بخريطة المجتمع المصري، بعد تبني سياسات اقتصادية تحررية، دفعت إلي دائرة التهميش الاقتصادي والاجتماعي، الملايين من المصريين.. ومن ثم توجه الغالبية العظمي من نشاطهم نحو استقطاب فئات عريضة من الطبقة المتوسطة، وكان التركيز علي الفئات الشابة حديثة التخرج، والتي دفعت بها مخرجات السياسة التعليمية، إلي سوق العمل، في ضوء إمكانات محدودة للغاية، ومرتبات ضئيلة، وتزاحم علي فرص عمل، وغياب الخدمات الاساسية، وتغير في المكانة الاجتماعية،، تطيح باحلام خريجي كليات القمة. كان وعي الجيل الثاني لرموز القيادات الاسلامية، بأن هناك مطالب واحتياجات جديدة ضاغطة وغير مشبعة هي التي دفعت بمجالس النقابات المهنية المذكورة، إلي المخاطبة المباشرة لاحتياجات هذه الفئات الشابةالجديدة من جهة، وعناصر الطبقة المتوسطة عامة من جهة أخري.. وقدمت هذه النقابات خدمات غير مسبوقة لاعضائها، من معارض سلع معمرة، إلي شقق بالتقسيط للعيادات والمكاتب، إلي مشروعات تأمين صحي، ودورات تدريبية لرفع مستوي المهنة، ومصايف، ومشروعات تكافل اجتماعي( في لقاء شخصي مع د. عصام العريان ص36 في الكتاب المذكور قال قدمت القائمة الاسلامية خدمات لم تشهدها النقابات المهنية من قبل).. ولقد سار موازيا لهذا التوجه نحو الطبقة المتوسطة، توجه آخر نحو الطبقة الدنيا المطحونة في المجتمع المصري، فكان اتساع الخدمات الصحية والاجتماعية، عبر المساجد، وعبر الجمعيات الاهلية.. الخلاصة اذن لهذه الخبرة تفسر لنا وعي الاخوان، بقيمة الاداء، ومخاطبة الطبقة المتوسطة والطبقة الدنيا، وليس التحالف مع رجال الاعمال وأصحاب الثروات، وهو مايفسر النجاح الساحق لهم في انتخابات البرلمان عام2005. ثانيا: توافر قدرات تنظيمية ومهارات وصفات العمل الدؤوب الدقيق، المستمر، وهي مسألة كانت واضحة تماما في النقابات المهنية التي نشطوا فيها، ثم في الانتخابات البرلمانية التي نجحوا فيها عام2005. قيمة العمل هنا، لها اهمية كبري، وقيمة العمل كفريق لها ايضا اهمية كبري، وبدت الاخيرة واضحة في تحالفات تنسيقية لهم، مع نقابات مهنية أخري، وفي مواجهة بعض الاحداث السياسية المهمة( مثال: مشاركة قوات مصرية في تحرير الكويت). أكتفي في هذا السياق بما ذكره د. حمدي السيد نقيب الاطباء في جريدة الوفد(14 يناير1993) حين قال ليتنا نتعلم من الاسلاميين دقة الحركة وحسن الأداء والنظام والعمل والثبات علي المبدأ والدفاع من أجله.. ثالثا: فهم واستيعاب قواعد اللعبة السياسية، وقبول التحرك من خلالها، فالتيار الاسلامي في كل النقابات المهنية، التي شكلوا فيها الغالبية العظمي لاعضاء المجلس، لايراهنون علي منصب النقيب، بل علي العكس، هم يوظفون النقيب كقناة مفتوحة بينهم وبين الحكومة، وهم ايضا لايسعون إلي صدامات كبري مع الحكومة، وبالتالي توزع الادوار بوضوح شديد. هم ايضا ولأول مرة طرحوا علي ساحة العمل السياسي، تمسكهم بالديمقراطية، واحترام حقوق الانسان، وحققوا درجة عالية من الالتزام والشفافية من خلال الجمعيات العمومية، والتي كانت مهمشة تماما من قبل، فأفسحوا لها مساحة كبيرة للمشاركة. رابعا: الاقتناع التام بالدور القيادي الذي يجب أن يلعبوه وعلي جميع مستويات العمل السياسي، والعمل الاجتماعي وإدراك أهمية الالتحام بالجماهير.. والجملة السابقة مقتبسة من توصيات مؤتمر نقابة الاطباء عام1994 للحريات والمجتمع المدني.. لاحظ هنا عزيزي القاريء، استخدام مصطلح المجتمع المدني( عام1994) تم استخدام الخطاب الحكومي الرسمي للمصطلح عام2000 فقط، ولأول مرة. خامسا: الادراك المبكر، ومنذ النصف الثاني من الثمانينيات وتحديدا عام1984( بداية اختبار قوة الاخوان المسلمين في النقابات المهنية) لهشاشة وضعف الاحزاب السياسية، في اطار تعددية سياسية مراقبة ومقيدة، ومن ثم فإن العمل السياسي لهم، استقطب وبفعالية كبيرة شرائح كثيرة من الطبقة المتوسطة، لم تتمكن الاحزاب السياسية القائمة، من استقطابها. وهنا يمكن ان نلاحظ ان الغالبية العظمي من الناجحين من مرشحي الاخوان المسلمين، في الانتخابات البرلمانية2005، هم اطباء، ومهندسون، وصيادلة، واساتذة جامعات.. وهي الفئات ذاتها التي نشطت في النقابات المهنية.. لا اعتزم الدخول في أسباب أخري، تفسر إخفاق رموز كبري في الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية وتفسر نجاحا كبيرا لجماعة الاخوان المسلمين في نفس الانتخابات.. فقط أريد التأكيد علي أمرين: 1 نحن لانتعلم من الخبرات السياسية السابقة، والتي تعود فقط لسنوات عشر. 2 نحن لانقرأ الاحداث السياسية المهمة علي الساحة المصرية، بمنهج موضوعي، وبالتالي لانقف بدقة علي حقيقة ان النجاح يتخطي مجرد شعار الاسلام هو الحل بل انه يمتد إلي قدرات تنظيمية، وتحالفات، والتحام بالقواعد الجماهيرية، والاستجابة لاحتياجاتها. واخيرا، أود ان اشير إلي المقال الممتاز، الذي كتبه الاستاذ فاروق جويدة، في جريدة الاهرام ونشر يوم الجمعة الموافق2 ديسمبر2005، والذي تحدث بهدوء وبراعة، عن الخطايا العشر للحزب الوطني في انتخابات2005، وكان من بينها عدم استيعاب دروس نجاح الاخوان المسلمين في النقابات المهنية.. والمقال هذا هو الذي حثني علي الاستفاضة في تحليل هذه الخطيئة.. وحقيقة أقول للاستاذ فاروق جويدة، لا أعلم إن كنت أروع وانت كاتب سياسي، ام وأنت كاتب وشاعر، يتسم بالصدق والرقة في المشاعر.. كل ما أقوله لك إنك صادق وبارع في التعبير، في عالم السياسة، وعالم الشعر. ---------------------------------- الاهرام