فهي تؤكد أنه من اللافت للنظر أن عددا كبيرا من الشباب الذين مثلوا قاعدة للجماعات الاسلامية في أواسط وأواخر السبعينيات يظهرون ثانية في سنوات لاحقة كمرشحين للتيار الاسلامي الإخوان المسلمين في النقابات المهنية وفي نوادي أساتذة الجامعة وفي مجلس الشعب. ومن بين هؤلاء القادة: دكتور عصام العريان أمير كلية الطب جامعة القاهرة, وتم انتخابه في مجلس الشعب وكان أصغر أعضائه سنا في1984, وحاليا هو عضو في مجلس نقابة الأطباء, هناك أيضا الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة1975 1976, وقد انتخب كأمين عام لنقابة الأطباء في1988 وهناك الدكتور حلمي الجزار أمير الأمراء السابق للجماعة الاسلامية وانتخب كأمين عام مساعد لنقابة الأطباء بالجيزة في1984, وأخيرا يوجد المهندس أبوالعلا ماضي النائب الأول لرئيس اتحاد طلاب مصر عام1978 وانتخب كأمين عام مساعد لنقابة المهندسين عام1988. ونعود لمحاضر النقاش التي أجريناها مع كل من أبوالفتوح وأبوالعلا: حيث أكد الرجلان أن النقابات المهنية أعطت للطلبة الاسلاميين الفرصة للاستمرار في نشاطهم بعد التخرج, يقول أبوالفتوح: من الطبيعي أن اصحاب الرأي يرغبون أن يكون لهم دور, بعد التخرج بحث هؤلاء الطلبة عن مكان للاستمرار في نشاطهم فيه, وتوجه معظمهم إلي النقابات المهنية نظرا للقيود الموضوعة علي النشاط الحزبي. وكان أعضاء الحركة الاسلامية علي وعي أفضل باحتياجات الخريجين وهمومهم نظرا لتقاربهم في السن والطبقة الاجتماعية وخبرة أولئك القادة بواقع خريجي الجامعة التي تفوق خبرة رؤساء الاتحادات الطلابية السابقين, وكما قال الدكتور حلمي الجزار كنا شبابا مثل الطلبة وواجهنا تحديات مثلهم فنجح البعض فيها ولم ينجح البعض الاخر. وأنا عندي أصدقاء أصغر مني سنا وأسألهم عما يواجهون من مشاكل: فأنا حقيقة أريد أن أعرفها. ويضيف قائلا: كان قادة النقابات من قبل يجلسون في مكاتبهم وينتظرون أن يأتي الأطباء إليهم, ولكن كانت غلطة واضحة. فنحن( التيار الاسلامي) نذهب الي الاطباء في العيادات والمستشفيات لنسألهم عن مشاكلهم وشكواهم, وقد أكد الاستفتاء الذي يهدف الي معرفة أهم مشاكل الاطباء وجود مشاكل جيل. فالأطباء الأصغر سنا يواجهون مشاكل أكثر, فعلي سبيل المثال انخفضت نوعية التعليم الطبي إلي حد كبير في السنوات الحالية نظرا لزيادة عدد طلاب كليات الطب, فلقد كان هناك أستاذ واحد لكل عشرة أو خمسة عشر طالبا, والآن يحاول آلاف الطلبة أن يحصلوا علي نفس نوعية التعليم في نفس الكليات. وبهذا لا توجد فرصة حقيقية للتعليم العملي. وبالمثل قال المهندس أبوالعلا ماضي: حتي عام1985 كان معظم المهندسين ممن يحكمون النقابة أناسا روتينيين ولا يهتمون بمشاكل أعضاء النقابة. ولقد كان هناك انفصال تام بين القادة والأعضاء, ولم يعرف القادة السالفون معني المعاناة من البطالة والبحث عن سكن وركوب الحافلات.. أما نحن مثل المهندسين العاديين, فنحن نعيش في نفس مستوي المعيشة وأقل منه. فالمهندسون الشبان يرون أننا نستطيع تفهم مشاكلهم والتحدث عنها, لذا فهم يشعرون بتضاؤل الفجوة بينهم وبين قادتهم.( أبوالعلا ماضي محضر نقاش سابق) حسن النية بديلا عن الخدمات النقابية: مع محدودية الخدمات النقابية كما ونوعا التي يعد بها مرشحو الاخوان أو حتي تلك التي حققوها بالفعل يبقي المعني الرمزي بتوصيف ويكهام كدليل علي أنها نوع من حسن النية, إن لم تكن وسيلة ملموسة لتحقيق احتياجات أعضاء النقابة المهنية والشخصية. ويري أبوالفتوح وكذا أبوالعلا أنه لا بأس من عقد صفقة بين مرشحي الإخوان والناخبين شعارها الوعد بخدمات مقابل تأييد انتخابي وسياسي. كما قامت اللجان التنفيذية تحت القيادة الإسلامية بتوفير برامج وخدمات جديدة تستهدف معظمها توفير احتياجات الأعضاء الشبان. وحاول التيار الإسلامي بشكل ما أن يضع أسلوبه الاجتماعي المتميز مع الطبقة المتوسطة, وخاصة مع الأعضاء الشبان في مقابل تأييدهم السياسي لذلك التيار. ومما لا شك فيه أن دور التيار الاسلامي كمدافع متحمس عن الأعضاء الشبان واحتياجاتهم وهمومهم قد برز تماما في حملاته الانتخابية منذ أول دخوله في الانتخابات النقابية في أوساط الثمانينيات. وفي عام1987 كان المهندس ابوالعلا ماضي مرشحا في انتخابات نقابة المهندسين وكتب مقالا في جريدة النور الاسلامية قال فيه: إننا نهدف الي التأكيد علي أن المهندسين الشبان يحصلون علي خدمات النقابة كي نساعدهم علي بدء حياتهم العملية بروح معنوية مرتفعة.. إننا نقدم لهم المساعدة المالية لمواجهة نفقات الزواج عن طريق تقديم قروض ذات فائدة ضئيلة, كما أننا نعطي للمهندسين أجرا تعويضيا أثناء تأديتهم الخدمة العسكرية. وفي عام1989 أعلن المهندس أبو العلا بصفته الأمين العام المساعد: أننا علي ثقة من أن المهندسين سيعطون أصواتهم للتيار الإسلامي بناء علي سجلات خدماتنا التي تتضمن حل كثير من مشاكل المهندسين, خاصة الشباب منهم. وكانت هذه هي الحالة في نقابة الأطباء أيضا حيث أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في عشية انتخابات إبريل1986 أن غدا سوف نري ما إذا كان الناخبون لديهم الوعي الكافي لاختيار مجلس جديد قادر علي الدفاع عن مصالح الأطباء الشبان الذين لايجدون من يدافع عنهم أم لا.( محضر نقاش مع عبدالمنعم ابو الفتوح). كيف نجح الإخوان في حشد أنصارهم ؟ وقدم التيار الإسلامي خدمات خاصة لمؤيديه لمساعدتهم علي الإدلاء بأصواتهم, فعلي سبيل المثال هناك أقوال ترددت بقوة عن أن التيار الإسلامي دفع رسوم الاشتراك المتأخرة لحوالي3000 محام قبل الانتخابات مباشرة, وهو إجراء اتخذ في نقابات أخري. وفي يوم الانتخابات تم حجز غرفة مقرا لنشاطات الحملة الانتخابية, وقاموا بتوزيع الدعاية الخاصة بالانتخابات ومأكولات ومشروبات علي مؤيديهم. وفي نقابات أخري وفر التيار الإسلامي وسائل انتقال مجانية للناخبين من مكان عملهم أو إقامتهم, وأخيرا استفاد التيار الإسلامي من عدد كبير من المتطوعين في لجنة الشريعة الإسلامية بالنقابة تحت قيادة المحامي الإسلامي مختار نوح, وبحلول عام1992 كانت هذه اللجنة تضم أكثر من4000 محام شاب. ومن الواضح أن سياسات التيار الإسلامي الانتخابية قد نجحت بالفعل لأنه فاز ب16 مقعدا من24 مقعدا في مجلس النقابة وحوالي نصف عدد الناخبين بحيث توزع النصف الآخر علي القوائم الأخري التي تمثل المرشحين الليبراليين والماركسيين والناصريين ومرشحي الحكومة. وساعد عدم قدرة هذه القوي علي القيام بحملات انتخابية فعالة, ساعدت علي تسهيل مهمة التيار الإسلامي. وقد علق أحد المراقبين بقوله إن الحزب الوطني الديمقراطي كان غائبا فعليا عن الصراع الانتخابي كما لو كان في بلد آخر غير مصر, وذلك علي الرغم من ارتفاع عدد مرشحيه لمجلس النقابة, وكان الحزب الوطني علي عكس التيار الإسلامي يفتقر الي التخطيط والاتصال والتنسيق, وجدير بالذكر أيضا أن التيار الاسلامي لم يهزم القوي الوطنية العلمانية في النقابة فقط ولكنه تغلب ايضا علي قائمة إسلامية أخري تنتمي لتنظيم الجهاد الذي فشل في الحصول علي مقعد واحد في المجلس. وسواء كان تفوق التيار الإسلامي المنتمي للإخوان المسلمين علي خصمه الإسلامي يرجع الي اعتداله أو تفوق تنظيمه أو يرجع الي السببين معا فإنه من الواضح أن التيار الإسلامي كان الاتجاه السياسي الوحيد القادر علي القيام بحملة انتخابية ناجحة. ويمكن ملاحظة مشاهد مماثلة في انتخابات مماثلة في غيرها من النقابات. ففي مقر نقابة المهندسين في يوم الانتخاب في شهر فبراير1991 كانت هناك مجموعة من المتطوعين الإسلاميين( كان من الواضح أنهم أصغر سنا من أن يكونوا مهندسين) يرتدون أوشحة خضراء مكتوبا عليها الإسلام هو الحل ويقفون في المدخل المؤدي الي مكان الإدلاء بالأصوات ويوزعون المواد الانتخابية الخاصة بالصوت الإسلامي. وحمل بعضهم اللافتات وفي بعض الأحيان يرتفع صوتهم بالهتاف قائلين أيها الإخوان المسلمون أيقظوا إسلامنا كما كان في الماضي الي جانب شعارات أخري, وفي المدخل تجد لافتة كبيرة زرقاء اللون مكتوبا عليها الصوت الإسلامي. أما في انتخابات نقابة التجاريين عام1989 فقد احتشد مؤيدو التيار الإسلامي في مدخل مقر الانتخاب ووزعوا المنشورات وأنشدوا الأناشيد ليدعو الناس إلي إعطاء أصواتهم للقائمة الإسلامية. ويقول أحد المرشحين الوطنيين: لقد كان لي ناخبون أتوا ليعطوني أصواتهم وكانوا يعرفون سجل خدماتي للنقابة, ولكن كيف لي أن أفوز ومؤيدو التيار الإسلامي كانوا يسألون الناخب عند دخوله: هل ستعطي صوتك لله تعالي! وتبقي ملاحظة جوهرية سجلتها ويكهام: من اللافت للنظر أن الغالبية العظمي من مؤيدي التيار الإسلامي لم يذكروا شيئا عن تأييدهم للأهداف السياسية لهذا التيار وهي تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة والمجتمع, وبذا تظل رغبة مؤيدي التيار الإسلامي في تكوين مجتمع مسلم مبهمة وغير واضحة.. أي يأتي التأييد سعيا وراء مصالح شخصية.. أو نفورا من النظام الحكام ومرشحيه.( عبد الرحيم علي, مرجع سابق, ص93) ففي جو من النفور والاغتراب نجح التيار الإسلامي أن يوجد له مؤيدين بين أصحاب المهن النقابية. وبدأوا من الكليات العملية وفي أماكن إقامة الطلاب والمساجد وبالدخول في النقابات المهنية استطاع التيار الإسلامي أن ينشئ شكلا جديدا من الوعي السياسي بين الشباب المتعلم. وعلي الرغم من أن غالبية الأعضاء الفقراء لايزالون يبحثون عن حلول فردية لمشاكلهم ويتمنون الحصول علي فرصة للهجرة أو يغرقون في اليأس, علي الرغم من كل هذا نجح التيار الإسلامي في إقناعهم بأن الإيجابية واجب ديني. طلاب وأساتذة: لم تقف محاولات الجماعة لتطويق المجتمع المدني المصري علي تغلغلها داخل النقابات المهنية فقط, وإنما امتدت لتشمل نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية المختلفة والاتحادات الطلابية. فعلي صعيد نوادي أعضاء هيئات التدريس استطاعت كوادر الجماعة السيطرة علي الناديين الأساسيين في جامعتي القاهرة وأسيوط. وقد تزامنت سيطرة الجماعة علي هذه النوادي مع خطتها في السيطرة علي النقابات المهنية, فشهد عام1983 بداية انخراط الجماعة في انتخابات نوادي أعضاء هيئات التدريس والسيطرة علي مجالس إداراتها, وحازت الجماعة في هذه الانتخابات علي دعم كبير من أعضاء هيئات التدريس المنتمين للفكر السلفي والمتدينين بشكل عام, الأمر الذي أدي إلي توتر العلاقة ما بين هذه النوادي والإدارات الجامعية, في سياق التوتر الحاد ما بين مؤسسات المجتمع المدني التي يسيطر عليها الإسلاميون وبين السلطة, وأحال وزير التعليم بعض قادة هذه النوادي من الإسلاميين الي مجالس تأديبية بسبب انتقاداتهم للإدارة الجامعية وأنظمتها. أما علي صعيد الحركة الطلابية التي ارتبط نفوذ التيار الإسلامي فيها طردا مع انحسار النفوذ الناصري واليساري. فقد دعمت الإدارة الجامعية طلاب حورس المستقلين, وشطبت أسماء آلاف من الطلاب الإسلاميين المرشحين في هذه الانتخابات, بدعوي عدم استيفاء شروط الترشيح. وتقدم بعض هؤلاء بالطعن في قرار إدارة الجامعة, وحصلوا علي أحكام قضائية لصالحهم. وتفجرت التظاهرات العديدة في جميع جامعات مصر احتجاجا علي شطب المرشحين الإسلاميين, ولجأت السلطة في الجامعات الإقليمية الي اعتقال أعداد كبيرة من الطلاب المحتجين. وشهدت الانتخابات الطلابية في عام1994 نتيجة للإجراءات الإدارية ضد الطلاب الإسلاميين بداية تراجع للتيار الإسلامي في الاتحادات الطلابية, فلم يحصلوا إلا علي عدد قليل من المقاعد في بعض الكليات مثل الإعلام والاقتصاد والتخطيط العمراني, أما في الكليات التي اعتاد التيار الإسلامي أن يحقق فيها أغلبية مطلقة, فقد تراجعت هذه الأغلبية( كما يؤكد عصام سلطان أحد قادة جماعة الإخوان في كلية الزراعة من100% الي60%. ويضيف سلطان أنه علي الرغم من شطب مرشحي التيار الإسلامي فقد تمكنوا من الحصول علي نسبة كبيرة في كليتي التجارة والآداب بجامعة القاهرة. وأكدت نتيجة الانتخابات عدم تمكن التيار الإسلامي من تشكيل الاتحاد, إذ فاز التيار الإسلامي برئاسة اتحاد طلاب6 كليات فقط من أصل28 كلية. أما في انتخابات1995 التي تنافس فيها الإسلاميون والناصريون وحزب التجمع واليسار وحورس والتي استخدم فيها سلاح الشطب, فقد احتدمت المنافسة الانتخابية في كليات العاصمة, إلا أن الإخوان فازوا بالتزكية في كلية العلوم كما فازوا مع السلفيين في كلية دار العلوم. وفي كلية الهندسة فازوا بكل مقاعد الاتحاد. وأسفر التشكيل النهائي للاتحاد عن تحجيم نفوذ الإسلاميين, إذ حصلوا علي8 مقاعد من أصل60 مقعدا علي مستوي انتخابات اتحاد الطلبة علي مستوي الجامعة. ونواصل.