بشكل عام يكاد يجمع المراقبون علي نتيجة واحدة انتهت إليها انتخابات مكتب إرشاد الإخوان قبل أيام، وهي سيطرة التيار المحافظ داخل الجماعة علي حساب الإصلاحيين، مدللين علي ذلك بخسارة أحد أبرز الوجوه الإصلاحية عبد المنعم أبو الفتوح مقعده في مكتب الإرشاد، لكن القراءة الدقيقة لما استقر عليه مكتب الإرشاد في تشكيلته الجديدة، لا تذهب إلي هذا الاستنتاج من حيث عدد المقاعد، فقد خرج أبو الفتوح وحل محله وجه معتدل آخر هو عصام العريان.. فيما حافظ المؤمنون بأفكار سيد قطب علي مقاعدهم دون تغيير بل إنهم خسروا أحد أبرز أنصار التيار وهو الشيخ عبد الله الخطيب مفتي الجماعة. علي أنه في جماعات مثل الإخوان المسلمين يبدو من الصعب الاعتماد علي التقسيم الحاد بين عناصر الجماعة إلي فريقين أحدهما محافظ متشدد تقليدي، وآخر إصلاحي منفتح تجديدي، فالفريقان بلا استثناء يؤمنان بنفس الأفكار المتشددة، وينتميان إلي نفس المعين، لذا لا يمكن قبول تفسير نتائج الانتخابات علي أساس صراعات سياسية بين فريقين يختلفان في رؤيتهما لأليات عمل الجماعة في الشأن العام لأنهما في الواقع يختلفان حول الهدف النهائي وهو إحياء الخلافة الإسلامية تحت راية الإخوان. الاختلاف حول مناهج التنفيذ وليس حول المبادئ العامة داخل الإخوان له ما يبرره، فمن يسمون بالإصلاحيين داخل الجماعة ينتمون فعليا لجيل مختلف ليس عمريا وإنما حركيا وسياسيا، حيث مارس هذا الجيل العمل السياسي داخل أسوار الجامعة من خلال الجماعة الدينية والأفكار الجهادية، قبل انضمامه للإخوان، وهم الجيل الذي قاد انقلابًا حركيا داخل الإخوان بالمشاركة في انتخابات النقابات المهنية في تسعينيات القرن الماضي، ثم انتخابات مجلس الشعب منذ عام 1984 بالتحالف مع حزب الوفد. ويعتمد الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي فكر التمكين، القائم علي نشر أفكار الجماعة والتوسع أفقيا بين معظم قطاعات الشعب بالتركيز علي الطبقة الوسطي ذات القدرة علي التأثير في الرأي العام، وحين يكتمل التمكين تنتقل الجماعة إلي محاولة السيطرة علي الحكم سواء كان ذلك عبر انقلاب عسكري او انتخابات برلمانية. مجموعة السبعينيات التي انضمت للإخوان، لم تسيطر علي الجماعة في يوم من الأيام، لكنهم استطاعوا التأثير علي آخر مرشدين وهما مأمون الهضيبي ومهدي عاكف، والتأثير علي توجهاتهما الرئيسية، لذلك رأينا اختلافات مرحلية في خطط التمكين، منها التحول من نظرية السيطرة علي النقابات المهنية باعتبارها عقل الطبقة الوسطي، إلي الدخول في تحالفات مع قوي سياسية متعددة مع الإبقاء علي السيطرة العددية للإخوان داخل مجالس النقابات تحت شعار مشاركة لا مغالبة. لكن انتهاء سيطرة الإخوان علي نقابة المحامين في انتخاباتهم الأخيرة، وتصويتهم لنقيب ينتمي للحزب الوطني، أحدث شرخا كبيرًا داخل الجماعة، التي علي ما يبدو مثلت هزيمتها في نقابة المحامين جرس إنذار عما يمكن حدوثه في انتخابات مجلس الشعب القادمة، مما اثر بشكل كبير علي تيار السبعينيات الوافد الجديد داخل الإخوان، لكنه لم يفقد نسبة تمثيله في مكتب الإرشاد وإنما فقد القدرة علي التمدد داخل أعلي سلطة داخل الجماعة، بينما كانوا يتوقعون الحصول علي ستة مقاعد علي الأقل داخل مكتب الإرشاد لو تمت الانتخابات بعد تجديد مجلس شوري الجماعة.