هذا الجهاز الصغير الذى لا يفارق يد كبير ولا صغير.. ويستهلك جزءا كبيرا من ميزانية أى مصرى الآن.. والذى جعل التواصل بين الناس أسهل من السهولة.. والقرب شىء يخلق الملل فى كثير من الأحيان.. فهناك بعض الأزواج الذين لا يفصل بين مكالمتهم والأخرى لزوجاتهم نصف الساعة.. فى بداية النهار يطمأن هل استيقظ الأطفال من النوم؟.. بعدها يتأكد من تناولهم فطورهم.. ثم يفكر ماذا سوف تطبخ المدام.. وأخيرًا قبل وصوله البيت يتصل لتجهز زوجته الطعام.. هذه النوعية تصدع الدماغ، ولكنها تحمل فى طياتها بعض الظرف. بينما هناك نوعية أخرى من الأزواج تخلوا عن مبدأ الخصوصية و"الأدب" فى نفس الوقت.. فلا يعترفون بما كان يطلق عليه الأجيال القديمة "أسرار البيوت".. ليتصل بزوجته ليعطيها الطريحة.. ويكيل لها الشتائم "عينى عينك".. سواء كان فى إحدى المواصلات العامة.. أو يسير فى الطريق.. أو وسط زملائه فى العمل.. فهى وسيلة لإظهار أنه "سى السيد".. وعلى السيدة "أمينة".. سيدة أقصد الخادمة "أمينة"، التى فى المنزل سماع هذا الوابل من قذائف الشتائم.. وعدم الرد.. وفى النهاية تتحمل إغلاق الخط فى وجهها أمام حشد لا بأس به من الناس. ولعل هذا الجهاز الصغير كفيل بأن تصف غالبية الناس ممن يمرون بجانبك فى الشارع لأول وهلة بأنهم "مجاذيب" "مجانين" .. يكلمون أنفسهم.. و"بصوت عال".. و"بعد التدقيق".. يظهر لك أنهم بكامل "قواهم العقلية".. وكل ما فى الأمر يتحدثون لطرف آخر عبر "المتشال".. ويكون صوت الرجال فى هذه الحالة عال.. وأحيانًا يصل إلى حد "الصراخ" أو "التهديد".. مع التعبير بالأيدى بالرفض الشديد.. فكان أحدهم يوجه حديثا للآخر.. الذى من المفترض أنه لا يراه.. قائلا: "ما تتكلمش بالطريقة دى تانى وهو يشير بيده بحزم"!! بينما البنات فى هذه الحالة يكن فى غاية "الظرف".. فيتحدثن بصوت "هادئ" مع ميل الرأس بسعادة كبيرة.. ومن وقت لآخر يصحب الصوت انطلاق ضحكات متتالية.. غير مهتمة بمن قد يصفها ب"الهبل".. ولعل السبب وراء إدمان البعض للحديث عبر الموبايل أثناء السير هو البحث عن "ونيس" وكسر ملل الوحدة.. ولم يتم استبعاد التليفون المحمول من "الجدال السياسى" المشتعل فى مصر حاليًا.. فمن خلاله يتم عرض وجهات النظر الشعبية فى الانتخابات الرئاسية.. ولعل أظرف مناقشة سمعتها.. ومعى عدد من الركاب.. هو ما قام به أحدهم فى آخر كرسى من حديث مع أحد أصدقائه بصوت أسمع العربة كاملة.. حتى السائق.. قائلا: بص يا عم خلاص أبو إسماعيل خرج.. مفيش حد تانى.. خلاص بقى مفيش غير عمر سليمان.. اعمل حسابك.. نعمل لافتة كبيرة لتأييده.. يعنى هتتكلف فى حدود 50 جنيها.. وكل من فى العربة يعضون على أصابعهم.. ومن وقت لآخر يوجهون نظراتهم شزرا لهذا "المحلل السياسي".. والكل يرغب فى الاعتراض عليه.. أو النط فى كرشه.. أو خنقه.. ولكنه لم يعط أحدًا منا فرصة.. وأكمل .. هعمل أيه طيب.. أنا كنت بحب أبو إسماعيل أوى.. لكن هنعمل أيه بعد ما طلع.. عايزين واحد يعرف يمسك الدولة يبقى مفيش غيره عمر سليمان.. والجميع ينتظر انتهاءه من مكالمته للنيل منه وافتراسه.. لكنه.. ومازال الموبايل على أذنه.. نادى السائق بالوقوف ونط من العربة مسرعا.. ومازال يحدث زميله.. الذى ورم أذنيه عن أذمته الحادة بخروج أبو إسماعيل.. وترحيبه بعمر سليمان.. ولم يستطع أحد أن يفسر ما العلاقة أو وجه الشبه بين أبو إسماعيل وسليمان.. وكيف يحل سليمان محل أبو إسماعيل!! [email protected]