انخفاض أسعار الخضروات بسوق محطة مصر في الإسكندرية.. وكيلو الطماطم يصل ل6.5 جنيه    صندوق الأمن القومي البريطاني.. هل يصبح الاستثمار في الشركات الناشئة سلاح بريطانيا الجديد في مواجهة التحديات الجيوسياسية؟    الإسكان: كراسات شروط الطرح الثاني لإعلان سكن لكل المصريين7 متاحة عبر منصة مصر الرقمية    وزيرة البيئة تعقد لقاءا ثنائيا مع الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأراضي الرطبة لبحث التعاون متعدد الأطراف    آلية جديدة لتسهيل سفر العمالة الموسمية المصرية إلى اليونان    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    7 بنود لاتفاق وقف العمليات العسكرية في السويداء.. تعرف عليها    إصابة جنديين إسرائيليين في معارك مع المقاومة.. وهذه أحدث تطورات غزة    مقتل امرأة وإصابة 3 إثر هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية في روسيا    الداخلية العراقية: إنقاذ أكثر من 45 شخصًا كانوا عالقين داخل المبنى المحترق    صفقة زملكاوية جديدة.. تفاصيل وصول كياد للقاهرة وموعد انضمامه للمعسكر    الأهلي يستبعد وسام أبو علي من معسكر تونس    يوفنتوس يقترب من ضم سانشو.. ويتحرّك لاستطلاع موقف راشفورد    تشيلسي يستهدف التعاقد مع مهاجم جديد    الحداد 3 أيام إثر وفاة وإصابة 70 شخصا في حريق بالعراق    الأرصاد تنصح المواطنين بتجنب التعرض المباشر للشمس: اليوم ذروة ارتفاع درجات الحرارة    عاصفة ترابية تضرب أسوان.. إغلاق الملاحة الجوية والنهرية ورفع درجة الاستعداد    التعليم تعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2025-2026    موعد نتيجة الثانوية العامة 2025.. رابط وخطوات الحصول فور اعتمادها    المرور: تحرير 110 آلاف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    تعرف على جدول حفلات مهرجان العلمين 2025    موعد ومكان تشييع جنازة والدة هند صبري    صيف بلدنا ينطلق من العلمين الجديدة بعروض فنية مبهجة وإقبال كبير    بالصور.. إدوارد ولولا جفان يشاركان في أول حفل لهما بالعلمين الجديدة    فيلم الشاطر.. أمير كرارة: الأكشن بالنسبة لي ولا حاجة    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    الصحة تبحث مع ممثلي القطاع الطبي الخاص بالمنيا إجراءات تنفيذية لتقليل الولادات القيصرية غير المبررة    لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟    التفاصيل والشروط.. إدارة المنح والقروض ب"الصحة" تعلن احتياجها لكوادر بشرية    ‬آية وإسراء وأسماء.. غرق ثلاث شقيقات في ترعة بأسيوط    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة ملاكى على طريق "رأس غارب الشيخ فضل"    "قصص متفوتكش".. رسالة إبراهيم سعيد ل شيكابالا.. وحقيقة مفاوضات الأهلي مع مصطفى محمد    «الصناعة» تدعو المستثمرين للتسجيل بمنصة المنتجات الصناعية والتعدينية العربية    الاحتلال يفرض حظر تجول ويدمر منازل جنوبي جنين في الضفة الغربية    فرص الالتحاق بالمعهد الفني للتمريض والصحي وشروط القبول في تنسيق الدبلومات الفنية 2025    «التضامن» توافق على إشهار 3 جمعيات في محافظة البحيرة    أهالي وسط سيناء يشكرون الرئيس السيسي لإقامة محطة تحلية مياه للشرب بالمنطقة    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    ارتفاع الأسمنت.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    نائب وزير الصحة تبحث إجراءات تقليل الولادات القيصرية غير المبررة في المنيا    إعلان القائمة النهائية بأسماء مرشحى الشيوخ وانطلاق الدعاية الانتخابية    «التعليم» تطوّر كتاب «القيم واحترام الآخر» للمرحلة الابتدائية    دراسة تحذر: الأطباء يتجاهلون "سببا شائعا" لارتفاع ضغط الدم    فنان من الزمن الجميل.. «ستوديو إكسترا» يعرض تقريراً عن رشوان توفيق    الرئيس السورى: إسرائيل أشعلت فتنة السويداء.. والدروز جزء من نسيج الوطن    رحيل مفاجئ ل صوت الزمن الجميل.. ضياء عز الدين يودّع الحياة بهدوء (بروفايل)    أكذوبة بعث القومية العربية في عهد ناصر    زلزال يضرب اليونان الآن    أول رد رسمي من «كوكاكولا» على تصريحات ترامب عن إضافة السكر الطبيعي    الأهلي يكشف كواليس عرض الحزم السعودي لضم أحمد عبد القادر    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    رشوان توفيق: الفن له تأثير خطير.. و"الليل وآخره" يحمل رسائل دينية    الأهلي يكشف الحقيقة الكاملة حول التعاقد مع مصطفى محمد    الزمالك يقترب من ضم المغربى عبد الحميد معالى نجم اتحاد طنجة    بعد رحيل والدها.. ريهام عبدالغفور تعود بمسلسل «كتالوج» وتوجه رسالة مؤثرة    مفتي الجمهورية: «تجميد البويضات» مشروع بضوابط الشرع والأخلاق    فوائد البنوك حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل    لو لقيت حاجة فى الشارع اتصرف إزاى؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاج على نفقة الدولة

أمام مقر المجالس الطبية المتخصصة بوسط العاصمة طوابير لا تنتهى. مواطنون طحنهم المرض وأرهقهم الفقر ودوخهم الروتين. وجدوا أنفسهم فجأة أرقاما فى طوابير العلاج على نفقة دولة لا تنظر «بعين الرضا» للجميع.
فى الطابور يعرف المواطن أن الموت «عملة رسمية» وأن استمرار حياة الفقراء مجرد فرصة مرهونة ب«تأشيرة وزير» أو «ورقة من نائب» أو حتى شهامة موظف قرر أن يسير عكس التيار وينقذ المواطنين من دوامة الأوراق الرسمية.
فى هذا الملف تقف «المصرى اليوم» مع طالبى العلاج على نفقة الدولة فى طابور الانتظار القاتل، ترصد معاناة آلاف المواطنين الذين جاءوا من كل المحافظات للحصول على «تأشيرة الحياة»..
ولكى يحصلوا عليها كان لابد أن يقفوا أياما وشهورا وربما سنوات فى انتظار اكتمال الأوراق أو البحث عن «نائب جدع» يشترى حياة المواطن بصوت فى صندوق الانتخابات، ووسط توصيات مجلس المحافظين، وتحقيقات نيابة الأموال العامة و«خناقات» وزارتى المالية والصحة مع نواب «سيد قراره» يتوه المرضى بين سندان الحكومة ومطرقة «نائب التأشيرة».
ففى الوقت الذى يقف فيه المواطنون فى انتظار «فرصة أخرى للحياة» أمام مقر المجالس الطبية المتخصصة، كان نواب البرلمان يواصلون «الخناقة» مع الوزراء، وبينما تصر الحكومة على «تبذير» بعض النواب، يشتكى ممثلو الشعب من «الحكومة اللى مش شايفة شغلها» ولأن الفقراء لا علاقة لهم بالمجلس الموقر إلا عبر الصناديق.
عم صالح: علاج مراتى أهم من علاجى.. نفسى أشوفها بتتحرك تانى
«حسبنا الله ونعم الوكيل.. لو كان حد مهم ولا مسؤول كانوا عالجوه فى أحسن وأكبر مستشفيات فى البلد.. لكن الغلابة لازم يموتوا أو تطلع عينهم لغاية ما يتعالجوا. البلد دى مش للغلابة» هكذا بدأ الحاج صالح إسماعيل (58 عاما) حديثه عقب خروجه من بوابة المجالس الطبية المتخصصة والمسؤولة عن إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة.
«أنا ومراتى محتاجين قرارات علاج على نفقة الدولة.. مراتى عندها خشونة فى العظام، وبعد ما كشفنا وعملنا لها أشعات لقينا المفروض أنها تعمل عملية تغير فيها مفصل الركبة فى رجليها الاتنين، دلوقتى التعب شد عليها ومش قادرة تتحرك، إحنا عندنا ست أولاد ثلاث بنات اتجوزوا وقعدوا بره الحمد لله، والثلاث ولاد قاعدين معانا فى البيت..لا لاقيين شغل ولا جواز.. اتنين منهم متعلمين وواحد مش متعلم، المهم إن كله محصل بعضه ومتعلم زى مش متعلم، لأن الثلاثة وصلوا الثلاثين وحياتهم واقفة، زى ما البلد كلها بقيت واقفة».
عم صالح لا يشتكى وحده من المرض، فتفكيره كله ينصب على إنقاذ شريكة عمره «مراتى يا ناس المرض أكل عظمها، وأنا كل معاشى 110 جنيه ولولا ولاد الحلال ما كنتش هاعرف أوكل عيالى منين.. ورضينا بالفقر والذل والبهدلة لكن المرض ما بيرحمش حد. أنا عندى خشونة عظام، وأم العيال كمان.. بس دى حالتها صعبة أوى ولازم تعمل العملية نفسى أشوفها بتتحرك تانى.. هى الأهم دلوقتى، الدكاترة قالوا ياريت تعمل العملية النهارده قبل بكرة، وبحاول أخلص لها الورق وما فيش فايدة».
لم تكن زيارة عم صالح لمقر المجالس الطبية المتخصصة هى الأولى، فالمرض استوطن جسده كما استوطن جسد زوجته، لكن هذه الزيارة تختلف كثيرا عن المرات السابقة «ورق كتير وقرارات وأختام من المستشفيات ومن المجالس الطبية.. والمفروض إنى أخلص كل ده، الأول كان النائب بتاعنا بيخلص قرار العلاج أو إذن العملية فى يومين بالضبط، دلوقتى بقالى شهر بلفّ ومش عارف أخلص حاجة، سمعت إنهم منعوا النواب من إنهم يطلعوا قرارات العلاج على نفقة الدولة عشان فيه نواب بيبعوها، أنا معرفش ده صح ولا لأ، بس أعرف إن النائب بتاعنا كان بيسهل لى أكتر من نص المشوار اللى بمشيه دلوقتى عشان أقدر أعمل عملية مراتى،
المفروض إنى رحت المستشفى اللى هتعمل فيها العملية عشان أجيب قرار بالتكاليف وآجى به للمجالس الطبية عشان أختمه بختم النسر ويتحدد ميعاد عرض على اللجنة الثلاثية..أنا الحمد لله خلصت كل ده والمفروض إنهم حددوا ميعاد العرض بعد أسبوع وعشان الروتين هاجيب مراتى اللى مش قادره تتحرك فى تاكسى من الشرابية وربنا يستر وأعرف أجيب الأجرة.. الخوف بقى اللجنة تقول مافيش عملية ويبقى كل القرف ده على فاشوش وماخدناش من الحكومة غير البهدلة والطوابير وقلة القيمة».
يصمت الزوج العجوز ويتنفس بعمق، ينظر إلى الرصيف محاولا العثور على مكان خال يجلس فيه بعد «هدة الحيل».. ويتابع عم صالح «غير العمليات فيه أدوية المفروض إننا بناخدها على نفقة الدولة عشان غالية أوى ودى موال تانى خالص كفاية إن قرارها محتاج يتجدد كل سنة، فسنة يرضوا وسنة لأ وسنة يدوخونا على ما يطلعوا القرار.. ومش عارف هنلاقيها منين ولا منين؟!».
رضا: عملية غلط لخبطت حياتى.. وأدوية الحكومة «زى قلتها»
«المرض وقلنا نصيب وبتاع ربنا لكن اللى بيحصل ده ما يحصلش حتى فى جهنم». هكذا بدأت رضا سلامة (59 عاما) حكايتها من أمام مقر المجالس الطبية المتخصصة. رضا سيدة ريفية لا تملك شيئا من حطام الدنيا سوى ملف بلاستيك يحتوى أوراق العلاج على نفقة الدولة.
تقبض رضا على الأوراق كأنها تقبض على مفاتيح الحياة نفسها «أنا دايخه بقالى شهرين عشان أكمل الورق ده لأنى محتاجة أعمل عملية تبديل صمام فى القلب، مع إنى كنت عاملة قرار علاج على نفقة الدولة قبل كده وعملت عملية من حوالى 3 سنين بس مطلعتش هى العملية اللى محتاجاها عملوا لى ساعتها تسليك للصمام والصمام محتاج يتبدل أصلا.. عرفت وقتها إن العملية اللى عملتها مش صح بس كنت ناويه أستكفى كده ومعملش عمليات تانى، لأنى مكانش معايا فلوس ومكنتش مستعدة أدخل تانى فى دوامة الأوراق عشان يعملوا لى العملية على نفقة الدولة، لغاية ما بدأت أتعب أوى، والدكتور قاللى إن لازم أعمل العملية بسرعة على قد ما أقدر.. الكلام ده كان من 3 شهور، قضيت شهر تقريبا فى الفحوصات و60 يوم فى طابور الورق، طبعا دا غير إن الأشعات دى موال لوحدها، أنا لسه عاملة أشعة موجات صوتية اتكلفت 100 جنيه، وطبعا دى كانت على حسابى، وكان لازم تتعمل لأنها من الحاجات المطلوبة عشان قرار العلاج يتعمل».
تضيف رضا قائلة «أنا تعب قلبى ده بيخلينى مش قادرة أمشى خطوتين على بعض وهما مدوخنى بقالهم شهرين بين هنا وهنا أجيبلهم فى ورق، وأرجع تانى عشان ناقص ورقة ولا إمضاء ولا ختم.. موال مبينتهيش، يمكن العملية اللى فاتت كانت أسهل من العملية دى».
لرضا ستة أولاد بينهم بنت واحدة، توفى عنها زوجها منذ أكثر من عشرين عاما وتركها مسؤولة عن أطفالهما الستة «ربيتهم وكبرتهم بس مقدرتش أعلمهم..كلهم دلوقتى على باب الله.. شغالين أرزقيه.. اتجوزوا وكل واحد منهم بقى ليه بيت وولاد مسؤول عنهم، مش برضى أتقل على حد منهم بحملى وبمرضى، وأنا عارفه حالهم وظروفهم، عشان كده بدور على علاجى لوحدى ورغم إن معنديش دخل لكن ربنا بيسترها وولاد الحلال كتير».
معاناة رضا مع الدواء لا تقل عن معاناتها مع الطوابير «أدوية القلب غاليه أوى والدكتور اللى بتابع معاه قالى إن الأدوية اللى بتوفرها وزارة الصحة ببلاش أو بأسعار مخفضة مش مناسبة لحالتى.. أنا كمان باخدها وبفضل تعبانة كأنى ما أخدتش حاجه!
كتب لى روشتة علاج تانية جيت أصرفها من وزارة الصحة قالوا لى إنهم مش بيوفروا الأدوية دى، فاضطريت اشتريها من بره بتتكلف كل شهر تقريبا 100 جنيه على الأقل، ده غير كشوفات الدكاترة، دكتور الجراحة كشفه ب200 جنيه وبروح لدكتور تانى برضه كشفه ب150 جنيه.. طبعا مش بروح لهم إلا لما بيكون التعب هيموتنى فبضطر أروح لهم عشان يغيروا لى الأدوية ويكتبوا لى حاجة أقوى، أنا مش عايزة الدولة توفر لى العلاج اللى مبقيتش أعرف أجيبه ولا توفر لى إنى أتابع مع دكاترة كويسين فى مستشفيات حكومية، كل اللى عايزاه منهم العملية عشان تعبت أوى».
قرار العلاج يحتاج شهادة ميلاد ودار المحفوظات: الشهادة اتحرقت
«استحملت كتير أوى لحد أول أزمة.. والدكتور قال لازم أعمل عملية وأركب دعامتين فى القلب.. وأنا على باب الله، قلت أروح للحكومة تلحقنى». هكذا بدأت صفية محمد حكايتها مع المرض والعلاج على نفقة الدولة.
صفية سيدة ستينية ضئيلة الحجم.. قضت عمرها راضية ب«القسمة والنصيب»، حتى لو جاء النصيب مرضا مزمنا يحتاج علاجه إلى تدخل جراحى عاجل ومكلف.
«فضلوا يحولونى بين المستشفيات الحكومية من مستشفى للتانى، لغاية ما قدرت أعمل العملية فى مستشفى حلوان، العملية اتكلفت وقتها 6 آلاف جنيه، وقالوا الحكومة هاتشيل نص التكلفة، وولاد الحلال شالوا الباقى، المهم بعد ما عملت العملية مبقاش ينفع أشتغل زى الأول، الشركه كمان قالت لى إن مش هينفع أشتغل بسبب ظروفى الصحية، لكن برضه باجى محكمة الجيزة كل يوم، حد يكون محتاج كوباية شاى، أو حد يكون بيسأل على حاجة بساعده وباخد اللى فيه القسمة، بعد العملية انقطع المرتب اللى كنت باخده كل شهر وبقيت محتاجة كل أسبوعين روشتة أدوية بيوصل تمنها ل250 جنيه ومش بعرف أوفرها إزاى،
المفروض إنى بتابع مع دكتور بس سعر «الفزيته» 50 جنيه وهو اللى عمل لى العملية وقالى أتابع معاه فى عيادته الخاصة، كنت بقول مش مهم الكشف خصوصا إنى مش عارفه أتابع فى مستشفى حكومى، فى الآخر ما قدرتش أواظب مع الدكتور ولا أجيب العلاج فقلت أعمل قرار علاج على نفقة الدولة، لكن طلبوا منى أوراق كتير أوى، كان منها شهادة ميلادى اللى دخت عشان أطلعها، وقالوا لى مش هتلاقيها غير فى دار المحفوظات، ولما روحت الموظف قالى إن الشهادات القديمة دى «اتحرقت»! ومعرفتش أجيب الشهادة من هناك، وكل اللى بحاول أعمله دلوقتى إنى أكمل الورق وربنا يستر».
توفى زوج صفية عندما كانت فى الثلاثينيات من عمرها وترك لها 6 أطفال، بنتين وأربعة أولاد، كان عمر أكبرهم وقتها لم يتجاوز السبعة أعوام.. تتذكر صفية زوجها قائلة «كان أرزوقى.. بيطلع على رزقه ورزق ولاده يوم بيومه، وحان أجله وهو بيشتغل، وقع من على السقالة ومات، صاحب الشغل عرض علىّ وقتها العوض..
كان عايز يدينى فلوس، وولادى الستة كانوا محتاجين كل قرش عشان بس أقدر أوفر لهم لقمة ياكلوها، بس مقدرتش أقبل العوض فى جوزى، أبص للفلوس إزاى وأنا شايفاها تمن حياة أبو عيالى، رفضت كمان أتجوز، واتحملت مسؤولية العيال، كان نفسى أعرف أعلمهم بس مقدرتش، اشتغلت عاملة نظافة، كان مرتبى 135 جنيه، يادوب كان بيكفى ثمن الأكل وإيجار الأوضه اللى قاعدين فيها فى جزيرة الدهب، وأهى ستر ورضا، كل ليلة كنا بنقعد نحسب إزاى ننام بس ربك بيحلها من عنده..
دلوقتى البنتين اتجوزو والولاد أرزقيه زى أبوهم، بس حتى الشغلانه دى ظروفها اختلفت أوى عن زمان، هما دلوقتى بيفضلوا قاعدين كتير أوى على ما بييجى لهم شغل، مكانوش قادرين يساعدوا فى مصروفات البيت، وكانوا بيحتاجوا منى فلوس عشان يقدروا يمشوا، الولاد لما كبروا همومهم كبرت مش عارفين يشتغلوا ولا قادرين يتجوزوا، ومحتاجين مصاريف، وفى وسط كل ده جه المرض كمان».
لم تكن صفية تعرف شيئا عن «معركة قرارات العلاج على نفقة الدولة» كانت تعيش بهدوء بعيدا عن كل شيء حتى لغوا العلاج لينا رب اسمه الكريم.. مش بإيدينا حاجة نعملها، والموت مبياخدش حد ناقص عمر.. المشكلة بس فى التعب».
أم تبحث عن العملية رقم 13 لابنتها المريضة: أمنية لازم تعيش
سيدة بسيطة ترتدى جلبابا ريفيا يتلاءم مع لهجتها، تتحرك السيدة ببطء شديد فى طابور المرضى أمام شباك رقم 2 على باب المجالس الطبية المتخصصة. رضا زايد أحمد (55 عاما).
كانت تحاول فقط تسليم الأوراق، لكن الطوابير، والروتين، والواسطة جعلت مشوارها للعلاج على نفقة الدولة دوامة لا تنتهى «أنا وبنتى محتاجين علاج على نفقة الدولة، وأنا وهى محتاجين عمليات جراحية ثمنها غالى أوى زى ما عرفت، ولازم تتعمل، أنا مستحملة الغلب والبهدلة دى كلها عشان البنت».
أشارت رضا على ابنتها أمنية قائلة «بنتى دى عملت 12 عملية، وهى عمرها دلوقتى 18 سنة، كانت بتخرج من عملية تدخل فى التانية وكلها فى عظمها، الدكاترة بيقولوا السبب هو الحمى الشوكية اللى جاتلها وهى صغيرة، ومعرفناش نعالجها منها وقتها فتسببت فى اعوجاج عظمها كله، وأثرت كمان على طريقة كلامها، فمبتعرفش تتكلم كويس، ودخلنا فى موال العمليات الجراحية اللى بدأ وكأن مالهوش آخر، أول عملية بس اللى قدرت أعمل فيها قرار علاج على نفقة الدولة كانت وقتها ب10 آلاف جنيه، اتحملنا إحنا جزء والحكومة جزء، وربنا يعلم كنّا بندبرها إزاى، باقى العمليات حاولت أعملها على نفقة الدولة برضه بس قالوا لنا إن وزارة الصحة مبتتحملش فى عمليات العظام غير تكلفة عمليات المفاصل، وغير كده بنعملها إحنا على حسابنا..
المهم إن البنت دلوقتى محتاجة عملية تانية بيقولوا إنها غالية، وكل اللى بسعى ليه دلوقتى إنى أقدر أعمل قرار علاج على نفقة الدولة، عشان البنت تعمل العملية، أنا حتى نسيت إنى أنا كمان محتاجة عملية وإنى عندى علاج المفروض أبدأ أطلع له قرارات علاج على نفقة الدولة، لكن هيبقى صعب أوى أبدأ أسعى فى الاتنين، فحطيت كل همى فى إنى أقدر أطلع قرار علاج بعملية بنتى اللى لسه مش عارفة هتتكلف كام».
وتصف رضا حالتها قائلة: «أنا عندى مشاكل فى غضاريف ضهرى..بتخلينى مش قادرة أتحرك ، ورغم ده لازم أنزل وأفضل متشحططة ما بين المجالس الطبية والمستشفيات، عشان أجيب من المستشفى قرار أوديه المجلس وأشوف أوراق إيه تانى اللى ناقصة، أنا عاملة لغاية دلوقتى حوالى 9 عمليات جراحية فى إيدى ورجلى.. وآخر عملية عملتها اتكلفت 2000 جنيه دفعت منها 650 والحكومة اتحملت الباقى، لسه والله عليا منهم للمستشفى 160 جنيه، والمستشفى حجزت بطاقتى الشخصية لغاية ما أجيب الفلوس».
تتحدث الأم عن ظروفها، فلا دخل يسند ظهرها ولا زوج يستطيع تحمل عبء المرض المزمن «إحنا كل دخلنا مبيعديش 400 جنيه، جوزى بيشتغل عامل فى التدريب المهنى، عندنا أربع ولاد فى العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم كلهم معاهم دبلومات وكلهم مش لاقيين شغل، فمرتب جوزى إزاى بس هيكفى مصاريف البيت، خصوصا إن آخر قرار علاج طلع لنا بقى ب400 جنيه بعد ما كان ب1200 جنيه ومش عارفه ليه قللوهم كده الحكومة دى ما بترحمش، رغم إن أسعار الأدوية لسه زى ماهى ويمكن أغلى كمان.. بس قولنا أهو رضا وأحسن من مفيش وخليت الدكتور اللى بنتابع معاه يقلل لنا الأدوية اللى بناخدها، بس اللى لازم يتعمل دلوقتى ومفيش أى حل تانى ليه هو عملية البنت اللى لازم تعيش».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.