قد يتصور البعض أن التصريحات التى أدلى بها - أمس - جبالى المراغى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، والتى أكد فيها أن اللجنة قررت إعادة مشروع قانون زيادة رواتب ومعاشات الوزراء والمحافظين ونوابهم إلى الحكومة معناها أن هذا الملف قد أغلق ب ( الضبة والمفتاح ) أو أنه لا توجد صفقة بين الحكومة والبرلمان فى هذا الشأن . وهنا نتساءل : هل إنتابت اللجنة بجميع أعضائها ( نوبة صحيان فجائية ) لتقوم برفض هذا القانون الحكومى المشبوه مبررة ذلك بأن الظروف الإقتصادية للبلد لا تسمح بتلك الزيادات الآن ؟ وهل هذه الظروف ظهرت بشكل مفاجىء لتعلن اللجنة هذا القرار ؟ وهل اللجنة تشعر بظروف وأزمات الملايين من المصريين حاليا فى حين لم يكن د. على عبدالعال رئيس مجلس النواب يشعر بها عندما أحال هذا المشروع بقانون للجنة القوى العاملة بالإشتراك مع لجنة الخطة الموازنة ؟ . وردا على تصريحات المراغى التى قال فيها حرفيا : "كلنا فى اللجنة رفضنا هذا المشروع المقدم من الحكومة وقررنا إرجاعه للحكومة، لذلك أجلت اللجنة مناقشته"، مستطردًا: "مفيش وقت حاليًا فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة إننا نوافق على زيادة مرتبات ومعاشات الوزراء، وطالما رفضناه أفضل أن تسحبه الحكومة، مثلما حدث فى القرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 الخاص بقانون الخدمة المدنية الذى رفضه مجلس النواب فى بداية انعقاده يناير 2016، وبعدها سحبته الحكومة واستجابت لمطالب النواب. وهنا نسأل : وما الذى حدث بعد ذلك فى قانون الخدمة المدنية ؟ والإجابة أنه تمت إعادته مرة آخرى للمجلس فى نفس دور الإنعقاد السابق ( بالمخالفة للدستور الذى يحظر إعادة مشروع قانون سبق رفضه فى نفس دور الإنعقاد ) وتم تمريره بعد إجراء تعديلات شكلية , وهو نفس السيناريو الذى نتوقع تكراره فى مشروع قانون زيادة مرتبات الوزراء والمحافظين وكبار رجال الدولة . من ناحية آخرى نتساءل : ما مدى صحة ما يتردد حول وجود صفقة مشبوهة بين الحكومة ومجلس النواب لتمرير هذا الأمر كنوع من رد الجميل للحكومة التى قررت فى العام الماضى زيادة الموازنة السنوية للمجلس لتصبح 997 مليون جنيه، بعد أن كانت فى عام 2010 تقدر ب 350 مليون جنيهاً فقط !!! . وهذا التمرير سيكون من خلال زيادة مستحقات ومخصصات الوزراء والمحافظين كبار رجال الدولة من أموال الصناديق والحسابات الخاصة التابعة للوزارات والهيئات التى يعملون بها ولا يعلم أحد قيمة الأموال المودعة فيها ولا أوجه صرفها أما عن دور البرلمان فى ذلك فسيكون التزام الصمت وعدم تقديم أية استجوابات أو طلبات إحاطة وأسئلة حول هذا الموضوع نهائياً لمنع كشف الحقائق أمام الرأى العام ؟ وهل صحيح أن الحكومة سوف تقوم فى المقابل بتقديم امتيازات جديدة للنواب سواء لهم بصفة شخصية أو داخل دوائرهم ؟!!! . من ناحية آخرى نطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى و المهندس شريف اسماعيل رئيس الحكومة بالرد على ما أعلنه الجهاز المركزي للمحاسبات، أن هناك ما يقرب من 312 جهة إدارية في مصر لا تخضع لمراقبة الجهاز, وأن يكشف للرأى العام قائمة هذه الجهات , ولماذا لا يتم الإعلان عن مرتبات وحوافز وبدلات ومخصصات كبار المسئولين والمستشارين العاملين فيها ؟. ونتمنى أيضاً أن يتم الكشف عن النتائج التى أسفرت عنها التحقيقات فى البلاغ المقدم من جهاز المحاسبات للنيابة الإدارية حول قيام أحد الوزراء بصرف 22 مليون جنيه على وجبات الطعام له ولأفراد مكتبه والحاشية خلال 195 يوماً فقط والغريب أن هذا الوزير كان يؤكد دائما أن تلك الوجبات من ماله الشخصى , وهو الامر الذى أكده أيضاً أحد وزراء التعليم الذى كان يمنح الصحفيين المنتدبين بالوزارة سبائك وهدايا ذهبية لضمان ولائهم له , وفى هذا الشأن كلنا يذكر قصة خالد حنفى وزير التموين الأسبق الذى أنفق 7 ملايين جنيه فقط مقابل إقامته داخل جناح خاص بفندف سميراميس . ولهذا نسال : بالله عليكم هل يمكن لأى مسئول الإنفاق بكل هذا البذخ و ( الفشخرة ) إذا كان كل ما يحصل عليه من منصبه الوزارى لا يتجاوز ال 32 الف جنيه ؟!!. ونتساءل أيضاً : بأى منطق تخطط الحكومة لزيادة رواتب الوزراء والمحافظين وكبار رجال الدولة , رغم أن رئيس الوزراء نفسه قد قرر خلال رئاسته لإجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية فى بداية شهر نوفمبر الماضى خفض التمثيل الخارجي في البعثات الدبلوماسية التابعة للوزارات بنسبة 50% والاعتماد على كوادر وزارة الخارجية في تنفيذ ومتابعة الأعمال , وكذلك ترشيد وضغط الإنفاق في الوزارات والهيئات والجهاز الإداري للدولة بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% دون المساس بالأجور والرواتب والاستثمارات ؟!! . ولماذا يخطط رئيس الحكومة لزيادة مرتبات السادة الكبار رغم أنه الذى قال صراحة منذ أيام وبالحرف الواحد "لا زيادة فى رواتب الموظفين، وسنتخذ الإجراءات لحماية المواطنين من آثار القرارات الاقتصادية الأخيرة" ؟ فهل رئيس الحكومة يشعر بألام ومعاناة الوزراء والمحافظين من ارتفاع الاسعار ولا يحرك ساكنا عندما يطالب البسطاء والفقراء والمعدمين بزيادة مرتباتهم ليواجهوا أعباء المعيشة بعد أن تحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق ؟!!. وفى النهاية أقول إن كل الوقائع والشواهد تؤكد أن المواطن البسيط سقط من اجندة وحسابات الحكومة ومجلس النواب , فكلاهما لا يعمل سوى لحسابه الخاص ويتناسون أن الشعب الغلبان هو سبب تواجدهم فى هذه المناصب , ولكن يبدو أنه اصبح قدراً محتوما على الملايين من الغلابة أن يواصلوا مسلسل دفع الثمن من حياتهم وأقواتهم بسبب السياسات الحكومية الغبية .