كمال حبيب دائما أستخدم تعبير " لحظة ميلاد العنف " وهي اللحظات التي تتخلي فيها الدولة عن القواعد القانونية وتخرج هي عن الشرعية لتصبح طرفاً في خصومة مع مواطن أو جهة أو مؤسسة من المفروض أن تكون محايدة تجاهها أو أن تقوم هي تجاهها بواجب الرعاية . وفي الانتخابات التي ستجري اليوم وهي مرحلة الإعادة للمرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2005 سنشهد مستوي من العنف في منتهي الخطر من أجل هدفين الأول هو إنقاذ الحزب الوطني للنظام بحصوله علي أغلبية الثلثين التي تمكنه من السيطرة المريحة علي البرلمان القادم الذي سيكون برلماناً مختلفاً في تكوينه وتركيبته عن برلمان عام 2000 والثاني هو منع الإخوان من تجاوز سقف المئة مقعد ويبدو لي أن قرار غرفة عمليات الحزب الوطني لانتخابات الغد هو منع حصول الإخوان المسلمين علي مزيد من الأصوات . محاولة استنقاذ شرف حزب الأغلبية المهان والحفاظ علي صورته أمام الرئيس وأمام العالم وأمام الناس ، ولكن استنقاذ الشرف لا يكون بخرق قواعد اللعبة والاحتكام إلي القانون الذي وضعه برلمان كان الحزب الوطني هو الذي يمثل أغلبية مطلقة فيه ، أقصد البرلمان السابق . لم يعد ممكناً انتهاك القانون وتزوير الأصوات في الخفاء بعيداً عن أعين العالم والناس ، فسنتابع اليوم عبر الفضائيات التي ستنقل لنا علي مدار اليوم مايجري ومايحدث ، كله علي الهوا ، وربما يستطيع مواطن مصري أن يعرف ويتابع مايحدث قبل صانع القرار ، هنا لم يعد المواطن بعيداً عما يجري ولكنه مشارك عبر الصورة التي تنقل فوراً مايجري ، وأمامي دائماً نموذج النظام المكسيكي قبل أن يتحول من نظام الحزب الواحد إلي نظام تعددي ربما عام 1989 م ، فلأول مرة يواجه حزب الأغلبية حصاراً في انتخابات برلمانية هناك وهو ماجعله يقبل بالتعددية السياسية ويقبل بفكرة مشاركة المعارضة في اتخاذ القرار وصناعته . قبل انكسار حزب الأغلبية المطلقة الوحيد الحاكم في انتخابات برلمانية لم يكن يتصور من يوصفون" بالكاماريللا " أي العصابة الحاكمة أو الشلل المسيطرة بأن نفوذهم وسطوتهم وسيطرتهم ستتعرض للتهديد ، ولكنها السياسة والقانون وقواعد اللعبة إما غالب أو مغلوب ، والمغلوب يتحول لمعارضة حقيقية ويستفيد الوطن والناس والجماهير وينكشف الفساد وتتحلل سطوته وأياديه الطويلة ، ويتواري الاستبداد ويتعلم الناس المشاركة ويثقوا في العملية السياسية والانتخابية ويخرجوا للتصويت . الذين يتحدثون عن فاشية الإسلاميين وهم بعد فقط حصلوا علي كام مقعد في البرلمان ، لماذا لا يتحدثون عن فاشية الحزب الوطني واستبداد النظام السياسي الذي أبد ويخطط للتوريث ، لماذا فقط الإسلاميين يكونون هم الفاشيين ، بينما لا يكون الحزب الوطني كذلك وهو من يحكم ؟ ويزور ؟ ويزيف ؟ ويخيف القضاة ؟ ولا يحترم القانون ؟ هل الفاشية تلك التي كان يرفعها تشرشل وإيزنهاور في وجه هتلر وموسوليني كنوع من المنازلة السياسية للأفكار ، من المناسب اليوم أن يوجهها كتبة وحكام مستبدون في وجه التيار الإسلامي بينما يبدو الإسلاميون أكثر التزاما بقواعد اللعبة السياسية من هؤلاء . لم يعد مناسبا اليوم استخدام هذه المصطلحات العبيطة التي لاتجد لها صدي في الواقع ، النظام والحزب هو أعدي أعداء نفسه ، ومع تفاقم مشاكل الفقر والبطالة التي تؤثر في العظم اليومي الحي للجماهير ستتسع دائرة الرفض له ومحاولة عقابه والتصويت ضده ، ولا أظن أن الحزب الوطني أو النظام السياسي المصري بتركيبته الحالية وثقافته وتفكيره قادر علي أن يخطو نحو آمال الناس ، لقد أصابه الذهول فلم يعد قادراً علي الخطو نحو الشعب هو خائف منه متوجس كاره بل يحمل في نفسه روح انتقام من هؤلاء الذي جرأوا علي أن يقولوا لا لمرشحيه ويعطوها لعدوه اللدود الإسلاميين . [email protected]