سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بوادر مذبحة جديدة للقضاة وردود فعل غاضبة في الوسط القضائي .. والإخوان يحاولون طمأنة الأقباط بين تشكيك وترحيب قبطي .. وقيادات إخوانية تؤكد حل الجماعة فورا عقب الحصول على حزب سياسي .. وروز اليوسف تؤكد على حق رئيس الجمهورية في حل البرلمان (!!)
فجرت الانتخابات البرلمانية الجارية في مصر عددا من القضايا الساخنة التي شغلت الرأي العام وأحدثت ضجة في الأوساط السياسية .. ولعل أبرزها تلك الأزمة المتصاعدة بين القضاة والنظام الحاكم على خلفية احتجاجهم على تزوير الانتخابات .. ومخاوف الأقباط من الصعود السياسي المتنامي للإخوان بعد النتائج الأخيرة للانتخابات .. وقد تابعت صحف القاهرة الصادرة أمس (الاثنين) أصداء تلك القضايا .. وسط الحديث عن تجاوزات خطيرة ارتكبتها السلطة في الجولة الثانية .. ما زال صداها يتردد في المجتمع المصري ، حيث خيمت أجواء العنف علي الدوائر الانتخابية في عدة محافظات بعد إعلان نتائج المرحلة الثانية . فبينما شهدت بعض الدوائر اشتباكات دامية بين أنصار المرشحين لا يزال البعض الآخر يعيش دوامة التجاوزات والتحقيقات أكدت صحيفة روز اليوسف المقربة من أمانة السياسات في الحزب الوطني على حق رئيس الجمهورية في حل البرلمان (!!) .. تزامن ذلك مع ظهور بوادر تصعيد خطير ينذر بأزمة بين مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة بعد إحالة بعض القضاة للتحقيق واتهامهم بالاشتغال بالسياسة .. فيما أوضح القضاة أسباب مطالبتهم بحماية الجيش .. وبرزت ردود فعل غاضبة في الوسط القضائي لإحالة بعضهم للتحقيق .. وفي الشأن الاخواني الذي أصبح موضوع الساعة هذه الأيام دعا المرشد الأقباط لحوار سياسي في إطار حرص الإخوان المسلمين علي طمأنة الأقباط .. قابله ردود قبطية متشككة من البعض ومرحبة للبعض من الآخر !! .. أعقبها إعلان قيادات إخوانية بحل الجماعة فورا عقب الحصول على حزب سياسي والتخلي عن شعار (الإسلام هو الحل) .. وذلك بعد انتقادات وجهتها منظمات حقوقية للإخوان بسبب استخدامهم للشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية .. إلى ذلك يخوض القضاء المصري معركة حقيقية مع السلطة التنفيذية من أجل انتزاع حقوقه التي نص عليها الدستور . ولم يكن الدافع مجرد امتيازات يحصل عليها القضاة وإنما مصير وطن يرون أن مستقبله يصبح في مهب الريح إن لم تلتزم كل من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بحدودها .. وقد أثار قرار المجلس الأعلى للقضاء المصري بإحالة 10 من كبار المستشارين والقضاة إلى التحقيق أمام النائب العام بتهمة الحديث إلى وسائل الإعلام ردود فعل غاضبة في الوسط القضائي . واعتبر بيان صادر عن المجلس أن الحديث لوسائل الإعلام عن انتهاكات شابت الانتخابات البرلمانية : "مخالفة صريحة لقانون السلطة القضائية الذي يمنع اشتغال القضاة بالسياسة أو التدخل فيها ولو بإبداء الرأي ضمانًا لتجرد القضاة وحيادهم". وشمل قرار المجلس الأعلى للقضاء عددًا من أبرز قضاة مصر، وهم: رئيس نادي قضاة مصر المستشار زكريا عبد العزيز، والمستشار أحمد صابر المتحدث باسم نادي قضاة مصر، والمستشار محمود الخضيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية ، والمستشار أحمد مكي والمستشار هشام البسطويسي ، والدكتورة نهى الزيني . وفي تعليق على البيان نشرت الصحف كلام المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض قال فيه : "إن القاضي شأنه شأن كل مواطن مصري من حقه أن يبدي رأيه ، ويمارس حقه في النقد لما يجري في العملية الانتخابية لضمان حسن سير الانتخابات" . وأضاف البسطويسي قائلا: "وليس معنى الحديث عن استقلال القضاء أنه حديث في السياسة ، لكن الحديث في السياسة هو أن تسيطر الدولة على القضاء أو محاولة الانضمام لحزب سياسي ، ونحن نريد أن ننأى بأنفسنا عن السياسة". وقال إن قرار مجلس القضاء غير فعَّال ، ولا يمكن أن يوقف أو يسكت أصوات القضاة في كشف الحقائق للرأي العام، خصوصًا بعد توليهم مسئولية الإشراف على الانتخابات ، وإن من واجبهم التصدي لأي تدخل يهدف للتأثير السلبي على نتائج الانتخابات من أي طرف" . وأضاف: "الهدف من القرار هو إرهاب وإسكات القضاة ، ولكن هذا القرار لن يأتي بهذه النتيجة ، على العكس سيحاول القضاة الرد عليه وتفنيده ، خاصة أن من يتحدثون لوسائل الإعلام هم من كبار المستشارين المشهود لهم بالاستقلال والنزاهة ، ولا يخضعون لرقابة جهاز التفتيش القضائي التابع للمجلس الأعلى للقضاء" . وأوضح المستشار: "أن أعضاء نادي القضاة يعقدون اجتماعًا مغلقا طوال الليلة، وهم بصدد إصدار مذكرة للتحقيق في هذا القرار باعتبار أن النائب العام نفسه لا يملك سلطة التحقيق مع القاضي في هذا الشأن" . وأجرت صحيفة العربي حوارا مع نائب رئيس محكمة النقض للعربي المستشار أحمد مكي أوضح فيه أسباب مطالبة القضاة بحماية الجيش ، وقال أن القضاة لم يستخدموا هذا الحق حتى الآن وفضلوا طرحه على السلطة والتلويح باستخدامه وأتى ثماره . وأضاف أخشى أن يثور لغط حول سلامة الإشراف القضائي على الانتخابات ثم نفاجأ بجهة دولية قضائية تطلب التحقيق في مدى سلامة ونزاهة الانتخابات فالمتأمل لأحداث المنطقة يجد أن جميع التدخلات الأجنبية في الدول المجاورة مصدرها ضعف القضاء وعجز عن حماية الحريات فضعف القضاة الباب السحري للتدخلات الأجنبية . وفي السياق نفسه طلب مجلس إدارة نادي القضاة عقد لقاء عاجل مع الرئيس حسني مبارك لشرح التجاوزات ضد القضاة أثناء انتخابات مجلس الشعب في المرحلتين الأولى والثانية . أكد المستشار زكريا عبد العزيز رئيس النادي عقب لقائه أمس مع المستشار محمود أبو الليل وزير العدل ورئيس لجنة الانتخابات ان مجلس إدارة النادي رفع للوزير مذكر بالانتهاكات والاعتداءات ضد القضاة المشرفين علي الانتخابات ومنع الناخبين من دخول اللجان للإدلاء بأصواتهم . وطلب النادي عقد لقاء مع الرئيس وأضاف: انه تم الاتفاق علي إعداد مذكرة شاملة بتجاوزات أجهزة الأمن لرفعها لرئيس الجمهورية ، كما اتفق مجلس إدارة النادي مع الوزير علي إصدار بيان مشترك اليوم يتضمن نقاطاً مهمة . ويشمل البيان حق القاضي التأكد من كشوف الناخبين في كل دائرة والاحتفاظ بنسخة منها للإعادة للتصدي لعملية تبديل الكشوف التي شهدتها انتخابات الإعادة في المرحلة الثانية وأدي ذلك إلى تأخر العمل باللجان والتلاعب في الكشوف . كما تم الاتفاق علي أن يقوم كل رئيس لجنة فرعية بإعلان نتيجة الانتخابات في كل صندوق في الميكروفون والاحتفاظ بصورة منها . كما تقرر أن يقوم القضاة الاحتياط بالمرور علي اللجان الفرعية واثبات أي مخالفات تقع خارج اللجان سواء من الشرطة أو من المرشحين . وأعلن نادي قضاة مجلس الدولة في جلسة طارئة مساء أمس تبرئتهم من نتائج انتخابات الإعادة للمرحلة الثانية لانتخابات مجلس الشعب التي أجريت أمس الأول . وأعرب المجلس عن استيائه الشديد مما تعرض له القضاة الذين أشرفوا علي الانتخابات من اعتداءات خطيرة وبلطجة من أنصار مرشحي الحزب الوطني تحت مرأى ومسمع رجال الشرطة بصورة لم تحدث من قبل في أي انتخابات تشريعية مضت وذلك أثناء قيامهم بعملهم داخل اللجان الانتخابية . وطالب القضاة في بيان شديد اللهجة النائب العام التحقيق فيما تعرضوا له من إهانات واعتداءات وانتهاكات . كما طالبوا رئيس الوزراء بتكليف وزارتي الداخلية والدفاع بتأمين القضاة . وأكد البيان أن 113 قاضيا ومستشارا قدموا إقرارات تفيد عدم إتمام العملية الانتخابية بالصورة التي تكفل نزاهتها ، واشترط القضاة التحقيق في هذه الانتهاكات ورد الاعتبار للقضاة وعلقوا اشتراكهم في المرحلة الثالثة علي التحقيق في هذه الانتهاكات. ومع بدء قضاة آخرين جمع توقيعات لعقد جمعية عمومية غير عادية لإقرار الانسحاب من الإشراف على الانتخابات . تصاعدت الأزمة بين الحكومة والقضاة المصريين الذين كشفوا خلال الأسابيع الأخيرة عن انتهاكات وعمليات تزوير في الانتخابات التشريعية إذ طالب مجلس القضاء الاعلي بإحالة القضاة الذين يتحدثون إلى وسائل الإعلام إلى التحقيق "الفوري" واتهمهم ب "الاشتغال بالسياسية" بالمخالفة لأحكام القانون (!!) . ويأتي قرار إحالة عدد من قيادات نادي القضاة إلى التحقيق بعد ان اتخذ هؤلاء عدة مواقف متصاعدة خلال الأسبوع الأخير احتجاجا على انتهاكات شهدتها الانتخابات . وطالب نادي قضاة مصر الأربعاء الماضي في بيان شديد اللهجة ب "الاستعانة بالقوات المسلحة" لحماية مكاتب الاقتراع من "أعمال البلطجة" واتهموا الشرطة ب"تعمد" تسهيل هذه الأعمال وب "القعود عن أداء واجبها". كما شكك نادي القضاة في شرعية الانتخابات مؤكدا ان "تعرض المواطنين أثناء التصويت لإرهاب واعتداء لمنعهم من إبداء الرأي أو اكراهم على إبدائه على نحو معين يبطل العملية الانتخابية ويفقد الإشراف القضائي على الانتخابات معناه ليصبح عملا هزليا". وقال المستشار احمد مكي نائب رئيس محكمة النقض وأحد قادة نادي القضاة الذين يتحدثون عادة إلى وسائل الإعلام انه "يقدر مجلس القضاء الأعلى ولكن هذا لا يمنعه من الاختلاف معه"، وأكد في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية ان القانون لا يمنع القضاة من التحدث" في شؤون وطنهم ومن لا تهمه أمور المصريين فليس منهم ونحن من حقنا ان نهتم بكل ما يتصل بوطننا". وأضاف ان "المقصود بعدم الاشتغال بالسياسة هو المنع من الانحياز لحزب من الأحزاب" مشيرا إلى ان الدستور أوكل للقضاة مهمة الإشراف على الانتخابات وبالتالي "فنحن نتحدث عن عملنا وإذا شابت العملية الانتخابية عيوب تهز الثقة فيها فلا ينبغي ان يتحمل القضاة مسؤولية ذلك". وتابع "طالبنا منذ البداية بتوفير الشروط اللازمة لنزاهة الانتخابات حتى نشرف عليها ولكن مجلس القضاء الأعلى يريدنا ان نشرف بلا قيد أو شرط وان نتحمل تبعات التجاوزات دون ان ننطق بحرف أي كأننا لا نرى ولا نسمع ولا نتكلم". وفي موضوع آخر حرصت جماعة الإخوان المسلمين علي طمأنة الأقباط بعد فوزها بربع مقاعد مجلس الشعب التي حسمت حتى الآن ، وأكدت أنها ستسعى لحل مشكلاتهم خاصة تلك المتعلقة ببناء وترميم الكنائس .. ونشرت صحيفة المصري اليوم كلام القيادي في جماعة الإخوان عصام العريان الذي قال فيه : ان رأينا بوضوح هو ان الظلم الذي يقع علي أي مصري سواء كان قبطيا أو مسلما هو ظلم لكل المصريين ، والأقباط لهم مشاكل خاصة بهم مثل بناء وترميم الكنائس والمسائل المتعلقة بعدم احترام مشاعرهم وهي مشاكل يمكن حلها . وأضاف العريان إننا سندعو إلى حوار وطني شامل حول كل القضايا بما فيها مشكلات الأقباط . وتعليقا علي التصريحات التي أدلى بها ميلاد حنا وأكد فيها ان الأقباط سيهاجرون إذا ما تولي الإخوان المسلمون السلطة ، قال العريان ان هذا قلق زائف وغير مبرر لأنه نتيجة رهان خاسر علي الحزب الوطني الحاكم ، في إشارة إلى موقف البابا شنودة الثالث الذي دعا الأقباط المصريين إلى التصويت لصالح الرئيس حسني مبارك . وأضاف آن الاوان لان ينضم المسيحيون كجزء من الشعب المصري وليس كطائفة إلى المعارضة التي ثبت أنها قوية وقادرة علي تحقيق المكاسب مؤكدا ان المسيحيين يجب ان يكونوا شركاء معنا لمواجهة المشاكل العامة للوطن . وقد فجر الحوار الذي نشرته العربي في عددها السابق مع المفكر وخبير الإسكان البارز الدكتور ميلاد حنا ، الذي قال إن وصول الإخوان للحكم سيؤدى إلى هجرة الأقباط من مصر، جدلا واسعا في الأوساط القبطية . وتسببت تصريحات حنا الذي تعرض لضغوط عدة لنفيها في حالة من الهلع لدى البعض ، فيما اعتبرها آخرون لا تعبر عن جموع المثقفين الأقباط الذين تحمس بعضهم لتشكيل حزب سياسي لجماعة الإخوان المسلمين على غرار حزب العدالة في تركيا . وأجرت العربي تحقيقا استطلعت فيه أراء عدد من رموز القبطية .. حيث لم يتفق نائب رئيس حزب الوفد منير فخري عبد النور مع الآراء التي تتخوف من صعود الإخوان متهما الدولة بتهميش الأحزاب السياسية في الشارع المصري وقيامها بمحاولات القضاء على هذه الأحزاب والتقليل من أهمية برامجها الحزبية . وبالتالي من يريد القول أن الإخوان بعبع للأقباط فهذه مقولة لا اتفق مع مردديها مطلقا ومثل هذه العبارات لا يجب أن نرددها . أما الدكتورة منى مكرم عبيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية فقالت لأن صعود الإخوان لا يخيفها على الإطلاق . ولكنها طالبت الجماعة أن تستبدل شعارها الإسلام هو الحل بشعار الديمقراطية هي الحل . فلابد من احترام الديمقراطية وعلى الإخوان أن يحترموها في حالة وصولهم للحكم وأن تكون صاحبة أكبر تمثيل نيابي أن تحترم قوانين اللعبة السياسية . ورأى الكاتب والمفكر جمال أسعد عبد الملاك أن النتائج الأخيرة والمقاعد التي حصلت عليها الجماعة ، وكانت مفاجأة للكثير وإن كان بنظرة سياسية لواقعنا فهي ليست مفاجأة . فحزب الأغلبية حزب ورقى هلامي لا علاقة له بتنظيم حزبي أو من طرح سياسي أو بكوادر حزبية تؤمن بمباديء حزب ولكنه يريد أن يستحوذ على أغلبية برلمانية بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة فلا مانع من ترشيح شخص فاسد أو تاجر للمخدرات ، كما أن الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد والمشاكل التي يعيشها المواطن لا تتحمل التجارب والأحداث جعلت المسلمين والأقباط على حد سواء يحتمون بالدين من خلال شعار الإسلام هو الحل فكان ما كان ولذا لابد من التخوف من تنامي صعود قوة الإخوان خاصة لدى الأقباط لأنهم منعزلون سياسيا ولا يمارسون السياسة ويلجأون إلى الكنيسة لتحقيق مطالبهم عند اشتداد الأزمات السياسية وغيرها من المشاكل التي يتعرض لها الأقباط ، ولذلك شعروا أن الفرص بالنسبة لهم تتضاءل وأن الدولة الدينية قادمة . وأبرزت الصحف كلام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الذي أكد فيه أن الجماعة ستحل فورا عقب حصولنا على حزب سياسي .. وقال أن الإخوان سينافسون على مقعد الرئيس مرحبا بالأقباط على قوائم الإخوان الانتخابية . وقال مادام فوز الإخوان تم بالديمقراطية وعبر الصناديق .. فما هي المشكلة؟ ولماذا القلق؟ فهل حصلنا على هذه المقاعد بالتزوير أم عبر انتخابات ديمقراطية اختارنا فيها الشعب؟ وأضاف: هل تريدون وصولنا إلى السلطة بالقوة وليس عبر الانتخابات. وأبدى د.أبو الفتوح انزعاجه مما قاله الدكتور ميلاد حنا وأكد على أن الأقباط مواطنون أصلاء ولهم كافة حقوق المواطنة مثلهم مثل المسلمين . في الوقت نفسه قال المرشد العام للجماعة مهدي عاكف في تصريحات للصحف ان جماعته سوف تدعو لحوار مع عدد من المثقفين الأقباط للتشاور حول الكثير من القضايا الهامة ليدلي فيها الإخوان برأيهم وكذلك الأقباط .. ورغم أن مرشد الإخوان قال إنه لا يوجد برنامج محدد لهذا الحوار وأنه سيكون مجالاً ليقول الإخوان ما لديهم ويقول الأقباط ما لديهم لافتاً إلى أنه سبق أن خاض حواراً مشابهاً مع الأقباط قبل نحو 15 عاماً ، فإن د. حنا اعتبر أن هذه لحظة فارقة في التاريخ . وقال "لقد تغير اتجاه الريح الثقافي والسياسي والديني والإنساني وهذه الرياح الجديدة أوجدت مناخاً مختلفاً وهو أن وصول الإخوان للحكم بات مطروحاً رغم أنه قد لا يكون غداً أو بعد غد" . وأضاف حنا أن د. محمد حبيب النائب الأول لمرشد الإخوان نشر مقالاً في "الشرق الأوسط" أمس بعنوان حكم الإخوان غير وارد ، ولكن استكمله بعبارة "ولكن هكذا نتصور الحكم" . واعتبر حنا أنه بهذا الاستدراك يبدو أنه يجهز نفسه عبر طرح برنامج يقول فيه ما سيفعله عندما يحكم ، ومن ثم فإن حالة الترقب والانزعاج لدى الأقباط طبيعية ومنطقية . وأشار حنا إلى أنه سبق له القيام بحوارات مع الإخوان قبل 10 سنوات ولكنه عاد ليقول إن توازن القوى تغير كثيراً . واعتبر حنا أن الحوار غير متكافئ لأن الإخوان لديهم نفوذ شعبي وقوة كاسحة يتيح لهم الوصول للحكم خاصة أنهم وصلوا إليه في دول أخرى وأن وصولهم للحكم في مصر ، وهي بلد منشأ الجماعة ، يصبح أمرا استراتيجيا . وقال ان هناك صعوبة شديدة في الحوار بين الإخوان والأقباط لأن الإخوان جماعة سياسية دينية والأقباط جزء من الشعب المصري وليس من المعروف من سيمثل الأقباط في مثل هذا الحوار في ظل غياب الكنيسة وأي مجموعة يمكن أن تكون متحدثة باسم الأقباط . وقال إن هناك اختلافات ووجهات نظر ولا يوجد هيئة جامعة لإعلان متحدثين باسم المثقفين وهو ما يعني أن الحوار سيكون منقوصاً وحضوره سيكون مرهوناً بأسماء المشاركين وأجندة الحوار . وأوردت صحيفة الوفد مقتطفات من الصحف الأجنبية ، حيث شغل صعود الإخوان المسلمين في المرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية المصرية حيزا كبيرا من اهتمام الصحف الأجنبية والأمريكية في متابعتها الإخبارية وفى مقالات الرأي ، وتوصلت في معظمها على عدد من الاستنتاجات والملاحظات من بينها أن الميزة الأساسية للانتخابات البرلمانية أنها كشفت أخطاء سياسات الحكومة وضعف الحزب الوطني أمام المعارضة الإسلامية وأن عدم استخدام العنف ضد المعارضين والمواطنين كفيل بإحداث تغيير كبير عبر صناديق الاقتراع ، وأن الولاياتالمتحدة تريد بالفعل أن تمنح الشرعية للإخوان المسلمين لكنها تخشى حدوث نتائج غير مرغوبة فتترك الخيار للحكومة المصرية . الكاتب "عبد الله السناوي" علق في صحيفة العربي على الأحداث الجارية بصراحة معهودة ، وقال ان اليأس لا يصنع ديمقراطية ولا يقود إلى انتقال آمن للسلطة ، والفزع لا يصنع أوطانا حرة ولا يؤشر على استقرار ممكن أو تحول ديمقراطي سلمى ، وما يجرى في مصر -الآن- هو مزيج من اليأس والفزع ، يأس من إصلاح سياسي ودستوري واسع في ظل نظام الحكم الحالي ، وفزع من سيناريوهات فوضى وعنف تلوح مقدماتها المرعبة بمظاهرات السيوف والسنج في انتخابات مجلس الشعب ، ولعل مطالبة نادى القضاة بحماية القوات المسلحة للجان الانتخابية وفق المادة 62 من قانون مباشرة الحقوق السياسية يؤشر على مرحلة جديدة في تاريخ مصر، فلم يسبق للقضاة الاستنجاد بالقوات المسلحة ، ولا يليق -أبدا- الاستخفاف بدعوة القضاة ، أو التهوين من دلالتها على مستقبل نظام الحكم في مصر ، غضب القضاة مما لحقهم من إهانات وصلت إلى حد الاعتداء البدني في بعض اللجان الانتخابية ، والتزوير الفاضح باسمهم في لجان أخرى ، صاحبه فزع امتد إلى قطاعات من الرأي العام رأت في صعود جماعة الإخوان المسلمين مؤشرا على احتمال انهيار الدولة المدنية الحديثة التي أسسها قبل قرنين محمد على . بدا المشهد كله موحيا بنهاية قريبة . وهناك من يعتقد - بحق - أن السياسة غابت عن الانتخابات النيابية ، وأن المجتمع المصري يئس من أي إصلاح في أحواله السياسية والاقتصادية ، فأخذت القوى الاجتماعية المطحونة فيه تبيع أصواتها لمن يدفع أكثر فيما سمي ب "الرقيق الانتخابي" ، أو تلجأ إلى يقين السماء بإعطاء أصواتها لجماعة سياسية ترفع شعار أن "الإسلام هو الحل" ، وربما فوجئت جماعة الإخوان المسلمين بما حصدته من مقاعد نيابية حتى الآن ، فقد كان تقدير أغلب قياداتها أن الحد الأقصى لما يمكن أن تحوزه من مقاعد في حدود من 40 إلى 50 مقعدا ، وربما يرجع التقدم الكبير لجماعة الإخوان المسلمين إلى الأصوات الاحتجاجية وبعضها يختلف مع الجماعة وتوجهاتها ، بمعنى أن قطاعات واسعة من الرأي العام تكره الحزب الوطني وسياساته ووجوهه أعطت أصواتها لأكثر القوى السياسية تنظيما وقدرة على المنافسة الجدية وحماية صناديق الاقتراع . و.. هكذا تبدو الصورة مرتبكة ومربكة : حزب سلطة ينهار وعصر يوشك على الغروب ، وتراجع للأحزاب السياسية المدنية ، يقابله صعود لجماعة الإخوان المسلمين ، وقلق في أوساط الأقباط ، دون أن يكون لدى الجماعة الوطنية تصور واضح ومتفق عليه للمجتمع الذي نريد ، وللنظام السياسي الذي نسعى إليه ، والوسائل التي تضمن أن يجرى انتقال السلطة سلميا وآمنا بما يجنب مصر الفوضى وتداعياتها . وربما تحتاج مصر -الآن- إلى مثل هذا التصور ، وقد يكون مفيدا اقتراح تشكيل حكومة قومية في أعقاب الانتخابات التشريعية ، والدعوة -فوراً- إلى مؤتمر دستوري موسع لوضع دستور جديد للبلاد يؤكد الطابع المدني للتنظيم السياسي والاجتماعي ، ومن المشكوك فيه إلى حد كبير أن يتقبل نظام الحكم الحالي مثل هذه الاقتراحات ، أو أن يعمل بمقتضاها ، غير أن بوسع قوى المعارضة أن تفرض كلمتها ، بعد أن تتوافق عليها ، وتنزع من الروح العامة مشاعر اليأس والفزع ، فمما هو ضروري الاعتراف بالوجود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ، وأن يكون لهذه الجماعة حزب سياسي مدني بمرجعية إسلامية ، مع حل التنظيم السري وفق الأعراف الديمقراطية ، وأن تتوافر -مع ذلك كله- ضمانات دستورية تحول دون تنكر أية قوى سياسية تصل إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع للديمقراطية وقواعدها وأصولها والحريات العامة السياسية والمدنية التي تضمنها . وهذا كله مما يمكن الحوار فيه بالاحترام الواجب والجدية اللازمة ، أما نسف قنوات الحوار بالاستعلاء أو بالاستخفاف، فمما يفتح فوهات الجحيم على البلد كله . على نفس المنوال سار الكاتب "مجدي سرحان" في الوفد ، وكتب هو أيضا مقال بعنوان: (فات الأوان .. وفلت العيار) قال فيه : أكدت شهادات القضاة والمراقبين بما لا يدع مجالاً للشك .. أن الانتخابات البرلمانية شهدت وتشهد نوعاً من التلاعب والتزوير المنظم .. والذي اختلفت أدواته وأساليبه وفقاً لحسابات كل مرحلة أو جولة في الانتخابات .. وأيضاً وفقاً لحسابات الدوائر الانتخابية والشخصيات والتيارات والقوي المتنافسة. المرحلة الأولى في جولتها الأولى ميزها مناخ هدوء نسبي في الدوائر الانتخابية .. مما أوحي ظاهرياً بحسن سير العملية الانتخابية وحياد الأجهزة القائمة علي إدارتها .. سواء بشكل مباشر أي اللجنة العامة للانتخابات برئاسة وزير العدل .. أو بشكل غير مباشر أي أجهزة الأمن التي مازالت تمارس دوراً من خلال تمثيلها في تشكيل اللجنة أو من خلال اختصاصها بتأمين الانتخابات .. خارج اللجان الانتخابية فقط . لكن سرعان ما كشفت نتائج هذه الجولة ثم اتجاهات سير العملية الانتخابية في الجولة الثانية من مرحلتها الأولى بروز تيارات سياسية ظلت لسنوات تعمل تحت الأرض .. فإذا بها تخرج إلى النور .. دون خوف .. ودون مقاومة .. مستغلة حالة التراخي المفاجئ من جانب قبضة النظام .. ومستغلة أيضاً نزعة العناد والكره والتعسف والانتقام من جانب النظام ورموزه وقياداته تجاه الأحزاب والقوي السياسية التي تعمل في النور.. لأسباب لا تعكس في مجملها إلا حالة من الغباء السياسي وعدم الإدراك لحقيقة أن البديل الطبيعي لضرب وخنق المؤسسات السياسية الدستورية المشروعة هو انعدام ثقة الناس في النظام السياسي برمته.. وانصرافهم إلى تيارات أخري . كما أبرزت نتائج المرحلة الأولى تكتيكاً وفكراً جديداً وتطوراً في أساليب تزوير الانتخابات .. وهو تكتيك ترك الأمور تسير بسلام داخل اللجان في يوم التصويت .. ثم التلاعب بعد ذلك في كشوف الرصد وإعلان النتيجة بما يخالف حقيقة ما تحتويه صناديق التصويت . وقد حدث ذلك في عدة دوائر لصالح أشخاص بعينهم .. ينتمون إلى ما يسمي بمجموعة "الحرس القديم" داخل الحزب الوطني .. إلا أن كشف هذه الأساليب من خلال شهادات القضاة الذين سارعوا بإبراء ذممهم مما جري أجبر النظام علي أن يكشر عن أنيابه .. ويكشف وجهه القبيح .. ويعود إلى عادته القديمة في منع الناخبين من الوصول إلى صناديق الانتخاب .. بأساليب الاعتقال والبلطجة والإرهاب والترويع .. والتشتيت داخل متاهات الكشوف الانتخابية .. وهذا هو ما حدث في المرحلة الثانية من الانتخابات .. لكنه رغم ذلك لم يحد من تساقط مرشحي الحزب الحاكم ورموزه .. بعد أن فات الاوان وفلت العيار . وهناك يبقي سؤال مشروع: إذا كانت نتائج الانتخابات في دوائر الدقي ودمنهور والباجور وغيرها قد أثبتت ان هناك يداً مازالت تعمل في الخفاء .. وتستطيع بإشارة منها أن تصنع نتائج وتغير نتائج وترفع مرشحين لا يستحقون إلى عنان السماء وتخسف الأرض بآخرين ناجحين .. فلماذا فعلت ذلك بأشخاص بعينهم .. دون غيرهم .. أو بعبارة أوضح لماذا لم تصدر هذه الجهة الخفية تعليماتها بسقوط باقي مرشحي التيارات المرفوضة حكومياً أو بنجاح آخرين من رموز النظام الذين خسروا معاركهم في صناديق التصويت .. أسوة بزملائهم "المحميين" في دوائر أخري؟!. لا تفسير لذلك إلا أن هذه الجهة أو اليد المجهولة التي تعمل في الخفاء تحكمها أساليب انتقائية لمن يجب حمايته أو من يجب ذبحه علي قارعة الطريق .. وفقاً لمصالحها وحساباتها الحزبية ولطبيعة الرسالة التي تعمل علي توجيهها إلى جهات أعلي منها في هرم السلطة .. تلك الجهات التي يبدو إنها بتفاخرها بما حققته من نجاح في معركة انتخابات الرئاسة قد استفزت خصومها .. فأرادوا في الانتخابات البرلمانية أن يردوا الصفعة برسالة مفادها إنهم مازالوا يمتلكون زمام الأمور في الشارع السياسي والانتخابي .. وأن ثمن التفكير في تهميشهم أو الاستغناء عن خدماتهم سيكون خسارة سياسية فادحة . تلك هي لعبة تكسير العظام التي وضعت البلاد في مأزقها الحالي الذي لا نتفاءل خيراً بنتائجه .. ونهايته . أما د. محمد السيد سعيد فحدد في مقال بالأهرام ثلاثة دروس مهمة من الانتخابات الراهنة وقال : بغض النظر عن نتائج الانتخابات الراهنة فإنها تشكل صدمة لكل من ينتمي لمدرسة الوطنية المصرية . فالهدف الأسمى لهذه المدرسة هو النهضة الوطنية الشاملة ، والهدف السياسي المباشر هو تأسيس دولة وطنية ديموقراطية وحديثة تستطيع حشد قوي المواطنين والمجتمع كله لإنجاز متطلبات النهضة وحماية حقوق الإنسان وتمكين المواطنين والمجتمع المدني من المشاركة الفعالة في إدارة شئون البلاد. والانتخابات الحالية ضربت هذه المعاني والآمال الكبيرة بما شاع فيها من عنف ورشاوى وتلاعب إداري وعصبيات عائلية ومنافسات بين القرى والمدن وفيما بين شتي القرى والمراكز الريفية التي تضمها دوائر انتخابية واحدة. ولهذا فهي لن تضاعف الإحباط المنتشر وتقضي علي التوق المشروع لانتخابات ذات مصداقية ومعني فحسب ، بل قد تقود الأمة إلى الدمار السياسي والأخلاقي أيضا . لقد ترتبت تلك المظاهر علي تقاليد تاريخية للتلاعب بالانتخابات العامة لصالح السلطة البيروقراطية بنهاية المطاف . وهي تعكس استجابة المجتمع لهذه التقاليد . فلو أن تقاليد الإدارة المحايدة النزيهة للانتخابات قد نشأت وترسخت في التشريع وفي الممارسة العملية لما لجأ احد للعنف سواء للإجحاف بالنتائج أو للدفاع عن النتائج المتوقعة . وعندما تدور الانتخابات حول أفكار وبرامج سياسية سيكون من المستحيل أن تتم عملية شراء الأصوات علي النحو الذي تمت به وصورتها كاميرات العالم حولنا . وعندما يدرك الناس في كل مكان أن الوظيفة الحقيقية للانتخابات هي التشريع والرقابة علي سياسات عامة لا تميز بين المواطنين وإنما تبني نظما فعالة لتقديم الخدمات والنهوض بالوطن في شتي المجالات وبما يضمن تنمية متوازنة للريف والمدن في كل أقاليم البلاد سوف يثورون علي العصبيات الجاهلة التي تمزق الوطن . وقد يكون من السهل نسبيا إنهاء التقاليد التاريخية للتلاعب بالانتخابات من جانب بيروقراطية الدولة . ولكن لن تكون مهمة تغيير تصورات المجتمع للعملية الانتخابية ووضع نهاية تامة للعصبيات الاجتماعية والانتخابية أو حتى شراء الأصوات بالمال بالسهولة نفسها. ولذلك فالقضية الجوهرية التي يجب أن تمثل مضمون أية عملية انتخابية علي أي مستوي ليست تغيير شكل عملية الترشح والتصويت وإنما مضمون هذه العمليات . إذ يرتهن هذا المضمون باستعادة حيوية الحركة الوطنية المصرية بتقاليدها التاريخية الأصيلة حيث يكون الهدف الاسمي هو النهضة الوطنية وتكون المهمة المباشرة هي تأسيس دولة ديموقراطية حديثة تخدم بدون تمييز جميع مواطنيها . لهذا فان الدرس الأول للانتخابات الراهنة هو أن الرهان الحقيقي هو استعادة الحيوية والعافية للمشروع الوطني المصري بإنشاء دولة وطنية ديموقراطية حديثة تقوم علي المواطنة وليس العصبيات أو أي اعتبار آخر . ويحتاج ذلك بدوره إلى إصلاحات دستورية وتشريعية عميقة بل وجذرية. وفيما يتعلق بالانتخابات يحتاج مشروع تأسيس دولة وطنية حديثة للقضاء علي دور العصبيات والمال وغيره من الاعتبارات التمييزية من خلال تبني قانون للانتخابات يعزز دور الأفكار والبرامج، ومن ثم دور الأحزاب . ولهذا نحتاج إلى أحياء الأحزاب السياسية ومنح كل الحركات غير الرسمية صفة الأحزاب القانونية من خلال قانون موضوعي للأحزاب يحصر مهمتها وأسلوبها في العمل في نشر برامجها السياسية المحددة وليس الرشاوى الانتخابية أو الشعارات العامة سواء كانت دينية أو غير دينية . ومن الممكن في هذا السياق أن نفكر في تشكيل الحكومات من عدد من الأحزاب بقدر توفيقها في الحصول علي مقاعد في البرلمان في انتخابات نزيهة وذلك إذا اتفقت حول الرؤى والتصورات الخاصة بحل عدد من المشكلات المتفجرة . أما الدرس الثاني للانتخابات الراهنة فهو أنها تمثل أسلوبا لتوزيع التمثيل السياسي يتسق مع نظام عام لتوزيع السلطة والثروة يقوم علي الخطف وليس الجدارة والاستحقاق الموضوعي. فالانتخابات صارت من حيث المضمون طريقة لتوزيع الخدمات والمكانات والمناصب لصالح الفئات أو المناطق والجهات أو التيارات القادرة علي انتزاع الفوز . فالتمثيل النيابي الراهن فضلا عما يعتريه من أوجه الفساد الفردي يركز الخدمات في فئة أو منطقة بعينها ويحرم منها الفئات والمناطق الأخرى . وهو بذاته يقوم علي فكرة أن من يحصل علي الأغلبية العددية يحصل علي كل التمثيل ويحرم منه الآخرين. ولذلك يتم استدعاء العصبيات العائلية حتى تلك المنتمية إلى نفس القرية أو المركز ، ويتم استدعاء الولاءات القروية داخل نفس المركز حتى ضد قري مجاورة حتى لو كانت تضم نفس العشيرة ونفس العائلات . ويفضي ذلك كله إلى جبال من المرارات والانقسامات ومشاعر الكراهية والغضب فضلا عن مئات من الطعون القضائية. ولذلك يحتاج المشروع الوطني المصري إلى ما هو أكثر بكثير من صياغة تشريع وتنظيم بديل للانتخابات العامة . فحتى لو أقمنا الانتخابات العامة علي نظام التمثيل النسبي أو القوائم الحزبية سوف تستمر العصبيات في الانتعاش لأن الأسماء الأولي علي أية قائمة تستقطب اهتمام الناس بولاءاتهم الضيقة والميكانيكية ، وسوف يضغط الصراع علي احتلال الأسماء الأولي علي جميع الأحزاب بطريقة قد لا تختلف كثيرا عن الوضع الحالي الذي يقوم علي أن "الفائز يحصل علي كل شيء: أو كل التمثيل"" في مختلف الدوائر . ومن البديهي أن إدارة العملية الانتخابية يجب أن تقوم علي ضمانات النزاهة باعتبارها قواعد للاستحقاق وليس فقط قواعد للمساواة أمام القانون . والنظام الأفضل هو قيام هيئة مستقلة يحميها الدستور ويكلفها بالإشراف علي جميع أوجه العملية الانتخابية علي مختلف المستويات . الدرس الثالث لا يقل أهمية وهو أن تعزيز دور الأفكار والبرامج والقضاء علي العصبيات والرشاوى الانتخابية وغيرها من صنوف الإفساد السياسي يتطلب نمو مجتمع مدني فعال ومساند لمشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة . فليس من المنطقي أن نلخص دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة علي الانتخابات قبل أن تقوم بواجبها في نشر الوعي بماهية هذه الانتخابات . ويجب أن يلعب المجتمعان العلمي والمدني دورا أكبر بكثير في نشر المقارنات بين برامج الأحزاب والتيارات والحركات الفكرية والسياسية حول مختلف القضايا المتفجرة بدءا من قضية النظام السياسي ومرورا بالتعليم والصحة والسياسات العامة الأخرى ووصولا حتى إلى قضية النظافة. فعندما يعرف المواطنون بموقف كل حزب وطريقته في إصلاح هذه المؤسسات الجوهرية سيصوتون بصورة موضوعية وبناء علي قناعاتهم ومصالحهم العامة وليس بناء علي عصبيات أو ولاءات ميكانيكية أو غيرها من الاعتبارات الذاتية والعشوائية . وقد أوضحت الانتخابات الراهنة أن الإعلام الشفاهي والتواصل البشري المباشر أكثر أهمية بكثير من الإعلام الجماهيري ومن صور الاتصال الأحادي الاتجاه . ولهذا نحتاج إلى قيام المنظمات والهيئات المدنية والشخصيات العامة القريبة من جموع الناس بدور مباشر في نشر الوعي بالحياة السياسية والحزبية بما في ذلك البرامج الانتخابية . ان تطبيق مجموع هذه الدروس بما تتضمنه من تصورات واقتراحات يكفي لإنتاج لا فقط انتخابات نزيهة وإنما أيضا انتخابات ملهمة تعود علي بلادنا بالنفع وتمنحها فرص التعلم الخلاق وإلا فقد لا يبقي لدينا شيء نحافظ عليه وننميه إذا كانت الانتخابات التالية من النوع الذي نشهده حاليا .