لا يكاد المواطن المصري يشعر بوجود الرئيس الذي انتخبه بصرف النظر عن ا لنسبة التي قالت نعم له ، فهو أصبح رئيساً لكل المصريين بعد حصوله علي نسبة الأصوات الأعلي في ماراثون الانتخابات الرئاسية الهزيل ، فهناك انتخابات تشريعية أوشكت علي دخول خط النهاية لها ، والعالم كله يتابعها باهتمام بالغ ، ونسمع كل يوم تصريحات من مختلف الأطراف المهتمة بشئون المنطقة من أول الأمريكان والبريطانيين ولا نكاد نسمع صوتاً للرئيس مبارك . الناس في الشارع يتساءلون أين الرئيس ؟ وماذا يفعل ؟ وأين مؤسسة الرئاسة ؟ وماذا تدبر ؟ كما هو معلوم فإن الرئيس مبارك لا يزال يحتفظ برئاسته للحزب الوطني الذي تعرض لهزيمة قاسية أطاحت برءوس كبيرة فيه كان هو كرئيس للحزب وافق علي ترشيحها وتمثيلها للحزب في انتخابات شرسة وقاسية وحاسمة وفاصلة ولا تعرف الهزار ، ولكن ثبت أن معظم هذه الترشيحات أو أغلبها سقطت في الانتخابات ولم يعطها الشعب ثقته . فهناك أكثر من نصف نواب البرلمان الذين مثلوا الحزب الوطني طارت رءوسهم في هذه الانتخابات التشريعية ، ولم يستطع الحزب أن يحقق بنوابه الذين دخل بهم الانتخابات أكثر من 30% من المقاعد هذا مع التزوير والتدخل الأمني الصارخ لصالحه واعتبر الشعب المصري أن ماحدث هو فضيحة وكارثة لحزب ثبت أنه مرتع للاستبداد والفساد وأن الشعب ضاق به وبرموزه القريبة الصلة من الرئيس وصدر الناس عن إرادة واحدة تقول لا للحزب الوطني . وبالطبع الحزب الوطني ليس له برنامج ولا شعار إلا من قبيل الأشياء التي تثير السخرية من قبيل فلان مرشح الحزب الوطني ورمز الهلال والجمل وهو أحسن واحد في الدايرة . هذا وألاضيش الحزب من الكتبة في الصحف القومية يهجمون علي الإخوان لأن لهم شعار ولديهم برنامج ، تتفق أو تختلف معه لكنه برنامج ، أما الحزب الوطني فإنه يحيل إلي برنامج الرئيس مبارك ، وهنا التصويت العقابي الذي لم يحدث طوال التاريخ المصري كان تصويتا أيضاً علي برنامج الرئيس وعلي شخصه ، فالناس الذين تحايلوا واستماتوا للإدلاء بأصواتهم ضد مرشحي الحزب الوطني كانوا يصوتون أيضاً علي برنامج الرئيس وعلي شخصه حتي لو كان الرئيس حصل علي 23% ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية أي أقل من ربع الكتلة التي يحق لها التصويت ، ونحن نعلم أن 23% صوتوا في الانتخابات الأخيرة التشريعية وربما يكونون مختلفين عن أولئك الذين صوتوا لمبارك في الانتخابات الرئاسية ، أي أن الهزيمة الساخنة للحزب هي في قدر كبير منها موجهة لبرنامج الرئيس الانتخابي وأيضاً لشخصه وهنا تكمن المشكلة التي نري أنها عبء علي مبارك وعلي برنامجه بعد افتتاح البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة والانطلاق نحو تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي الذي هو المتن الذي يحيل إليه مرشحو الحزب الوطني دائما ً تعبيراً عن فشلهم في وضع برنامج لهم . هنا حدثت مشاكل خطيرة أخطرها البلطجة السياسية المتمثلة في شراء مرشحي الحزب الوطني لأعداد كبيرة من البلطجية بالتعاون مع الأمن وكل العالم نقل وشاهد السيوف والخناجر والعصي كما شاهد قوات الأمن وهي تقف تؤازر وتعاضد وفي المرحلة الأخيرة دخلت هي كطرف في الموضوع فقتلت 2 من المواطنين وأصابت أكثر من مئتين ومنعت الناس من الوصول إلي أماكن الاقتراع ، كما اعتدي ضباط علي القضاة وعلي وسائل الإعلام والصحفيين واعتقلوا أكثر من ألف ناشط سياسي ، والعالم كله يغلي ويتابع والتقارير تتري وتتوالي ولا نسمع حسا ولا ركزاً للرئيس مبارك وكأن الأمر برمته لا يعنيه ، كما لم نسمع شيئاً تقريباً عن مؤسسة الرئاسة التي أخذت بالتقاليد الأمريكية وعينت متحدثاً باسمها لإطلاع الرأي العام والصحافة علي وجهة نظرها فيما يجري من أحداث أولا بأول . هل مايجري من تجاوزات خطيرة تهدد شرعية النظام السياسي والدولة والقانون لا يعني الرئيس ولا يهتم به ولا يقلقه حتي لا يصدر بياناً أو تصريحاً أو توجيها تجاه مايجري ويحدث ؟ وهنا فالسكوت قد يعني الموافقة والاستمرار في إهدار القانون والبلطجة وعدم حياد الأجهزة في إدارة العلمية الانتخابية ، وكما يعرف" ماكس فيبر " الدولة بأنها التي تحتكر استخدام القوة الشرعية ، ومن ثم لا يجوز لها أن تفوض جهات أخري تنازعها هذا الاستخدام لأنها تهديد لمعناها ومبناها ، ولكن ماحدث في الانتخابات الأخيرة كان تعبيراً عن هز شرعية الدولة وفتح الأبواب علي مصراعيها لتوترات اجتماعية في منتهي الخطورة تهز هيبة الدولة وثقة المواطنين فيها خاصة وأننا رأينا وقائع اعتداء مريبة علي صحفيين مثل عبد الحليم قنديل وأحمد منصور وغيرهما ، وهو مايعني أن فكرة الدولة تتعرض للانتهاك . تغافل مؤسسة الرئاسة والرئيس عن مايجري وكأنه يحدث في بلد آخر يشعر المواطن المصري باليتم وعدم وجود جهة مؤسسية أو مرجعية تعيره الاهتمام الواجب وتعرف حقه وقدره في أن يعرف مايجري أو أن يطمئن إلي أن مايجري يرفضه الرئيس ومؤسسة الرئاسة ومن هنا يشعر بالثقة والطمأنينة . ونحن كدارسين للعلوم الاجتماعية والسياسية حين نقول مثلا الشرعية ودولة القانون والدولة كل هذه هي مفاهيم ومصطلحات لها طابع SOFT وحين تهتز فإن خطرها المعنوي والرمزي في نفس المواطن وعقله هو الأخطر ، إن هذه المفاهيم هي تعبير عن ممارسات ومؤسسات وثقافة تتكون ، ولكن حين تهدر كما نري فإن عالم السياسة لدي المواطن يبدو مشوشاً ومقلقاً إلي حد الفوضي وهو مايجعله متوتراً وقابلا للعنف والانخراط في أعمال قد لا تكون عقلانية بالمرة . إن مرحلة الإعادة الثالثة من الانتخابات سوف تبدأ يوم الأربعاء وكما هو واضح فإن الحزب الوطني مستعد لها بأكبر قدر من العنف والتزوير كما نلاحظ ونعرف وكما دلت ممارسات ماقبل الإعادة وأنا هنا وكل المصريين نتساءل هل الخطط التي يستعد بها الحزب الوطني للانتخابات وإدارتها تجري من خلف ظهر رئيسه وهو هنا رئيس مصر كلها ، المفروض أنه يعرف ويطالع ويوافق ومن ثم فكل مايجري بدون أي توضيح أو تنبيه من قبل الرئيس أو المتحدث باسم مؤسسة الرئاسة يعني التواطؤ والموافقة ومن ثم فالأمور تبدو وكأن الحزب الوطني لديه جواز مرور واضح بانتهاك كل القواعد من أجل الاستحواذ علي كل مقاعد المرحلة الثالثة وحرمان الإخوان من الحصول علي مزيد من المقاعد التي تصل بها إلي سقف المئة مقعد . إننا والمصريون جميعا نتساءل أين مبارك ؟ أين الرئيس من كل مايجري قريباً جداً من قصره ومكتبه وبابه ، التغافل عن مايجري وراء جدر القصر الرئاسي دلالته في منتهي الخطر ، فليكن الجميع علي حذر . [email protected]