كمال حبيب أتذكر الانطباع الحانق الذي شمل جميعنا من باحثين وكتاب في مؤتمر الشرق الذي حضرناه في تركيا من 9- 13 من الشهر الجاري وتواكب ذلك مع المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية الجارية ولما ظهرت النتائج الأولي قبل الإعادة ولم تكن المعارضة حققت ولا مقعد كما أن الإخوان لم يحققوا إلا أربع مقاعد شعرنا جميعا ً بالأسي والحسرة وفقدان الأمل في التغيير وكان أكثرنا تعبيراً عن ذلك الأستاذ فهمي هويدي ، بينما كنت كعادتي لدي بعض الأمل في أن يكون جهاد الحركة الوطنية منذ سبتمبر الماضي ولد وعياً بأهمية التغيير لدي الناس وضرورة مشاركتهم في العملية الانتخابية . وأظن أنني تبادلت الحديث مع بعض الزملاء والأصدقاء حول خطر النتائج للمرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية قبل جولة الإعادة ولكنه مع جولة الإعادة وحصول الإخوان علي 34 مقعدا في مفاجأة لم يكن أحد يتوقعها ، اعتدل الميزان وبدا هناك أمل بتطور نحو قدرة المجتمع والناس علي انتزاع إرادتهم من أولئك الذين سلبوها منهم وزوروها منذ أكثر من ربع قرن . بدا الحزب الوطني ورموزه غير مكترثين بأية قوة سياسية علي الساحة وبدت البلد وكأنها عزبة لهم يقررون مايريدونه بدون اعتبار لمشاعر الناس ومصالحهم وبدون اعتبار لأية قواعد متصلة بالعمل السياسي أو العام وتحدثنا عن تحول الدولة ومؤسساتها إلي أدوات في يد الحزب يفعل بها مايشاء بدون رقيب ولا حسيب وغياب كامل لأدوات للمحاسبة والرقابة . ولذا كان الرد الشعب والجماهير قاسياً علي بلطجة الحزب الوطني وساساته وتماديهم في تحدي الناس ، كان الفشل المروع والذريع لرموز شاخت علي مقاعدها في الحزب الوطني درساً مهماً ، وكان فوز الإخوان ب34 مقعدا في جولة الإعادة في المرحلة الأولي درساً قاسيا ً وتصويتاً متحدياً لإعلام الحزب الوطني ولشرعيته ولقوانينه ، فهاهي الجماعة التي تقول أنها محجوبة عن الشرعية وأنها محظورة ، نحن نصوت لها بالشرعية والوجود ، نحن الشعب لنا كلمة ولنا إرادة ولنا قدرة علي تحمل الإهانة التي نردها لك اليوم الصاع صاعين ، نحن الشعب نقرر أن جماعة الإخوان المسلمين التي دأب إعلامك وأزلامك وأجهزة إعلامك علي تصديع رءوسنا بأنها ممنوعة ومحظورة نقول لها أنت خيار الشعب الذي أرهقه وأنهكه حزب عاجز عن عمل أي شئ لمصلحة الوطن والناس . وكان تصويت الناس للجماعة التي لم تعد محظورة واستطاعت أن تنتزع ميلاد وجودها الشرعي بإعلان ملايين الناس الموافقة علي مرشحيها وبرنامجها وخيارها " الإسلام هو الحل " ، وعلي أولئك الذين دأبوا علي القول بحظرها أن يضعوا في أعينهم حصوة ملح ويكفوا عن ذلك فغدا سيكون لها مايقرب من مئة مقعد في البرلمان ومن ثم فهي قوة المعارضة الرئيسية في البلاد بالاحتكام إلي صندوق الاقتراع وإرادة الناخبين التي تمنح الشرعية وليست القرارات الفوقية الغاشمة . ومع الجولة الثانية للإعادة والتي كنا نتوقع أن تشحذ الدولة ومن ورائها الحزب الوطني كل طاقتها وهمتها لمنع الاكتساح الإخواني ولكن الشارع وإرادة الناس تحدت الدولة والحزب الحاكم بكل قوته وجبروته التي تمنحها له سلطة وسطوة الدولة المصريه لم يستطع فعل ذلك ، الله ... الله ، لم يعد الحزب الحاكم ودولته قادرين علي تحدي إرادة الناس واستطاع الإخوان من الجولة الأولي في المرحلة الثانية انتزاع 13 مقعد مرة واحدة بينما لم يستطع الحزب الحاكم بكل هيلامنه أن يحصل سوي علي ستة مقاعد فقط .. إنها الصاعقة لم يعد تعبير المصريين عن الاحتجاج هو السلبية والنكتة أو اللجوء إلي أولياء الله للشكوي وكتابة الخطابات ولكن أصبح لدينا شكلا جديداً للاحتجاج والمقاومة ربما للمرة الأولي في تاريخ الجمهوريات المصرية ، النضال عبر الاحتكام إلي صناديق الاقتراع وحمايتها من التزوير . لذا لم يعد مناسبا من جانب جماعة الإخوان وقياداتها الحديث عن قرار حل الجماعة عام 1954 فلحظة ميلادها الجديدة التي ستعتبر في تقديرنا لحظة فاصلة ومهمة في تاريخ الجماعة والبلاد أيضا هي الانتخابات البرلمانية الجارية عام 2005 . [email protected]