توقع مركز "ستراتفور" المعنى بالدراسات الأمنية والاستراتيجية، أن تواجه المملكة العربية السعودية، أزمة شديدة فى المياه خلال الفترة القادمة، مرجعًا ذلك إلى الاستخدام المفرط للمياه الجوفية خلال النصف الثانى من القرن الماضى. وقال المركز، فى دراسة له ضمن سلسلةٍ تناولت قضايا ندرة المياه حول العالم، إنه على الرغم من خُلوّ الأراضي الصحراوية السعودية من الموارد الطبيعية الوفيرة، اللازمة لازدهار الحياة، لطالما استطاعت المملكة الحديثة تحقيق النمو، كان محرِّك هذا النمو هو: ثروة الهيدروكربونات، ما يعني أن انخفاض أسعار النفط يضرّ بالاقتصاد السعودي، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم قضايا أخرى، وتحديدًا تفاقم معدلات البطالة بين الشباب، إلى جانب العديد من الأسئلة الأكثر إلحاحًا، ثمة علامة استفهام تحلق في أفق الطموحات السعودية المستقبلية، تتعلق بالقيود المفروضة على المورد الرئيس: المياه. وأوضح أنه لا يتفاجأ أحد حين يعرف أن المملكة العربية السعودية هي دولة تعاني من ندرة المياه، صحيحٌ هي أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية، لكن معظم أراضيها عبارة عن صحراء قاحلة، ما عدا بعض الأجزاء الرطبة نوعًا في الشرق، مشيرًا إلى أنها حقيقة تعاملت معها المملكة منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى، كما تعلمت قبائل شبه الجزيرة العربية أن تتعايش معها لعدة قرون، بيدَ أن استمرار الاستخدام المفرِط خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وتصاعد الضغوط الديموجرافية والاقتصادية في العقود المقبلة، دفعت إمدادات المياه السعودية إلى نقطة الانهيار. وأكد المركز، فى دراسته، أن ندرة المياه السطحية في معظم أنحاء المملكة دفعت عددًا كبيرًا ومتزايدًا من السعوديين إلى الاعتماد على المياه الجوفية، لكن الماء المتاح يكفي فقط لمنح الفرد الواحد سنويًا 76 مترًا مكعبًا (حوالي 20 ألف جالون)، وهو أقل بكثير من المعدل المقبول عند 500 متر مكعب للفرد سنويا. وعلى الرغم من أن المملكة تمتلك أكبر سعة تحلية مياه في العالم، إلا أن استهلاك السعوديين يفوق موارد المياه المتجددة المتوفرة طبيعيا، علاوة على ذلك، فإن المياه الجوفية التي تزود معظم إمدادات المياه في المملكة تستعيد عافيتها ببطء، فكلما سحبت المياه بمعدل يفوق قدرة المنبع على التجدد، فإن مستويات المياه الجوفية، وفي نهاية المطاف الجودة، تنخفض. وأرجعت الدراسة ذلك إلى أن المياه الجوفية الموجودة في السعودية من النوع المعروف باسم “المياه الأحفورية”، وهي بطيئة التجدُّد جدًا، ويمكن أن تتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه نتيجة الاستخدام المفرط. حسب بعض التقديرات، فإن موارد المياه الطبيعية في أجزاء من البلاد معرضة لخطر الانقراض في غضون السنوات ال20 المقبلة. يرجع السبب في ذلك بنسبة كبيرة إلى السياسات الزراعية التي انتهجتها السعودية خلال السنوات ال 50 الماضية، وأنهكت مواردها المحدودة، فضلا عن عدم وجود استراتيجية مستدامة. وتتطلع الرياض لتوسيع عمليات التحلية الكبيرة بالفعل، وأيضًا بناء مشاريع جديدة، وذلك للمساعدة في تلبية الاستهلاك المتزايد للمياه كما تحتاج المملكة إلى استثمارات تقدر قيمتها ب30 مليار دولار خلال السنوات ال15 المقبلة، لمواكبة الطلب في المناطق الحضرية. وأوضح أن هناك العديد من المحطات تحت الإنشاء، وعدد أكثر في طور التخطيط. ومن المتوقع أن تضيف جميع هذه المشاريع، بعد اكتمالها، قرابة ثلاثة ملايين متر مكعب يوميا إلى طاقة البلاد، بيدَ أن الوقود اللازم لتشغيل هذه المحطات الإضافية، يمكن أن يسهم في ارتفاع الطلب المحلي على النفط إلى مستويات أعلى، بما يهدد استدامة صادرات الطاقة في المملكة. من أجل ذلك، يركز العديد من هذه المحطات الجديدة، والتي هي قيد الإنشاء، على تحسين الكفاءة واستخدام مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك، فإن تحلية مياه البحر لن تكفي لسد العجز بين الاستهلاك المحليّ وموارد المياه المتجددة؛ ما يتطلب استتثمارات أكبر في قطاع المياه، والحد من الهدر، وخفض معدلات الاستهلاك الزراعي والصناعي.