بدونها تستحيل الحياة فهي المحرك الأساسي للبشرية، فالمياه هي التي تُسير عجلة الحياة ، إلا انه يبدو أننا أصبحنا أمام أزمة حقيقية تتمثل في نقص هذا العنصر الأساسي الذي بدونه لا يمكن لكائن حي أن يعيش . ومن الواضح أن ما أكدته منظمة اليونسكو من قبل بدأ يتحقق على أرض الواقع ، فقد أشارت إلى أن الوطن العربي سوف تجتاحه أزمة مياه حادة بعد حلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مما سوف ينعكس على الإمدادات الغذائية وينعكس سلبا على الإنتاج الصناعي وهذا يعتبره الخبراء أخطر مأزق تاريخي تواجهه الأمة العربية ، حيث أعلنت عدد من الدول العربية مؤخراً ، عن تعرضها لأزمة حقيقية نظراً لوجود نقص حاد في كميات المياه. وأزمة المياه مصطلح يشير إلى حالة الموارد المائية في العالم بحسب الطلب البشري عليها. هذا المصطلح قد تم تطبيقه على حالة المياه في جميع أنحاء العالم من قبل الأممالمتحدة والمنظمات العالمية الأخرى، والجوانب الرئيسية لأزمة المياه هي ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري وتلوث المياه.
خارج الحسابات ويرى المحللون المهتمون بالأحداث العاصفة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط أن سبب تلك الأحداث يرجع لعوامل واعتبارات سياسية أو اقتصادية, خاصة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة, ولم يكن الماء ضمن حسابات أحد ممن يبحث عن جوهر المشكلات, لكن من الواضح أن النقص الحاد في المياه وسوء إدارة الموارد المائية والصراعات حول المشاركة في الموارد المائية, سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار خلال المرحلة المقبلة بعد أن بدأت تلك المشكلة الأساسية تطفو على السطح .
وتعد اليمن واحدة من أكثر أربع دول تعاني شح المياه في العالم، والأفقر من حيث الموارد بين الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، إذ يحصل المواطن على حوالي 140 متراً مكعباً من المياة سنوياً فقط, في حين يبلغ المتوسط العالمي للفرد نحو 7500 متر مكعب, علماً أن خط الفقر المائي هو 1800 متر مكعب، بحسب وزارة المياه والبيئة باليمن.
وتعد الأمطار المصدر الوحيد للمياه المتجددة في اليمن حيث يتراوح متوسط الهطول المطري سنويا بين 50 مم في المناطق الصحراوية، ويقول البنك الدولي إن اليمن تواجه تحديات مائية باعتباره مناخاً شبه جاف، حيث يصل معدل استهلاك الفرد من المياه في العالم 135 مترا مكعباً وهو من أقل المعدلات في العالم.
ونقلت وكالة أنباء "الاناضول" عن وزير المياه والبيئة اليمني عبدالسلام رزاز تحذيره من أن بلاده تواجه أزمة في مياه الشرب جراء ارتفاع الكمية المستهلكة مقارنة بالواردة عبر الأمطار مما يهدد بمخاطر تمس الأمن القومي والاستقرار المعيشي. وأشار رزاز بمناسبة احتفال البلاد باليوم العالمي للمياه الذي يصادف ال 22 مارس /آذار من كل عام تحت شعار "التعاون في مجال المياه"، إلى أن المشكلة الرئيسية في البلاد تتمثّل في أن الاستهلاك يفوق الوارد حيث تستهلك 3 مليارات متر مكعب سنوياً، بينما الوارد لا يتجاوز ملياري متر مكعب، وهو ما يعني أن الخطر يتفاقم سنوياً ومن المحتمل أن يوصل اليمن إلى "نقطة الصفر".
ولفت إلى أن اليمن يعتمد في مياه الشرب على المخزون الجوفي، وهذه كارثة، لأنها بذلك تسير "في طريق الخطر" - بحسب قوله.
اللاجئون والأزمة وفي الوقت الذي تعد فيه الاردن من أفقر بلدان العالم في المياه ، جاء نزوح العديد من اللاجئين السوريين إليها ليعمق الازمة ، حيث حذرت منظمات إغاثية بريطانية من أن وجود مئات آلالاف من اللاجئين السوريين في الأردن يستنزف مصادر المياه الشحيحة بهذا البلد إلى الحد الأقصى.
وقال كريستيان سنود من منظمة "اوكسفام" في بيان مشترك مع الصليب الأحمر البريطاني، إن " حالة الطوارئ المتعلقة باللاجئين السوريين تسلط الضوء على مشكلة المياه، وهي إحدى المشكلات الملحة في الأردن ". وأضاف أنه "يتوجب إيجاد حلول للتعامل مع مشكلة شح المياه في الأردن، ويجب القيام بذلك بشكل عاجل".
واعتبر سنود أن "الجهود الصغيرة الرامية إلى الحفاظ على المياه، ضرورية، لكنها ليست كافية لمعالجة مشكلة أكبر وطويلة الأمد"، موضحاً أن "حكومة الأردن ستحتاج إلى كثير من المساعدة، طويلة الأجل وواسعة النطاق، من حكومات العالم لمعالجة هذه المسألة الهامة". واستقبلت المملكة الصغيرة موجات من لجوء الفلسطينيين والعراقيين بسبب الصراعات في العقود الماضية، وتستضيف الآن أكثر من 450 ألف سوري، منهم ما يزيد على 120 ألفاً بمخيم الزعتري (85 كلم شمال شرق عمان) قرب الحدود مع سوريا.
وأكد البيان أن "نظام التزويد المائي في الأردن تحت ضغط شديد ويستنزف إلى الحد الأقصى، مع تدفق أعداد أكبر من اللاجئين الفارين من سوريا". ويضطر الأردن الذي ينمو عدد السكان فيه بمعدل 3,5٪ سنوياً، إلى سحب المياه الجوفية منذ الثمانينيات لمواجهة أزمة المياه المزمنة. وبحسب البيان، فإن أكثر من 3500 متر مكعب من المياه تنقل يومياً إلى مخيم الزعتري لتزويد اللاجئين بمياه نظيفة للشرب والطبخ والتنظيف، مضيفاً |أنها مسألة وقت فقط قبل أن تنفذ المصادر الرئيسية للمياه، وبعض المناطق تجاوز سحب مياهها الجوفية 3 أضعاف معدل التغذية".
وأشار إلى أن اللاجئين لا يستطيعون شراء المياه المفلترة والمعقمة في المملكة الصحراوية، التي تعتبر إحدى أفقر 10 دول للمياه في العالم، والتي تشكل الصحراء 92٪ من أراضيها. وقال البيان :"إن هناك زيادة في حالات الإسهال بين الأطفال الذين لا يكون لديهم خيار سوى شرب الماء مباشرة من الصنبور".
ويعد الأردن من أفقر بلدان العالم في المياه، نتيجة النمو السكاني وزيادة الاستهلاك وشح الموارد، وينعكس ذلك بشكل أساسي على السكان، الذين يخضعون لجدول يحصر وصول المياه إلى منازلهم في يوم واحد أسبوعيا ولبضع ساعات فقط.
الفقر المائي وليست البحرين أفضل حالاً من الدول السابقة حيث تعاني من نضوب المياه الجوفية، وارتفاع نسبة الملوحة فيها، وندرة تساقط الأمطار وارتفاع استهلاك الفرد اليومي للمياه.
وكانت البحرين حتى نهاية الثلث الثاني من القرن الماضي تزخر بعيون المياه الطبيعية البحرية والأرضية، وقد تم حفر أول الآبار الإرتوازية في البلاد عام 1925 لتبدأ مرحلة الاعتماد على المياه الجوفية. ويعتبر خزان الدمام الجوفي الممول الرئيسي حيث يوفر حوالي 75% من المياه الكلية المطلوبة في البحرين. وقد بدأ ارتفاع استهلاك المياه من 65 مليون متر مكعب سنوياً عام 1925 إلى حوالي 155 مليون متر مكعب عام 1979 وذلك نتيجة الضخ المسرف من قبل أصحاب المزارع وكذلك للزيادة المضطردة في عدد السكان والتوسع العمراني وازدهار الصناعة. ونتيجة لذلك وخاصة مع الطفرة السعرية للنفط وتحت ضغط الاستهلاك المتزايد للمياه الحوفية بدأت دول الخليج ومن ضمنها البحرين البحث عن وسائل بديلة عن المياه الجوفية من خلال الشروع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر بالإضافة إلى محطات تحلية المياه الجوفية. ولم يكن ضغط استهلاك المياه الجوفية السبب الوحيد في نضوبها، إذ أن البحرين شهدت خلال السنوات الأخيرة الماضية طفرة في مجال العمران والبناء، وأدى ذلك إلى ردم ودفن مساحات شاسعة من السواحل وأجزاء كبيرة من البحر من أجل تشييد وبناء تلك المشروعات ومنها جزر أمواج، دوحة عراد، ودرة البحرين وغيرها، وقد أثر ذلك على المياه الجوفية في الطبقات الجيولوجية بل أدى إلى القضاء عليها تماماً. وفي أكثر من مناسبة رصدت لجنة التحقيقات البرلمانية التجاوزات التي طالت بحر وسواحل البلاد وأدت للقضاء على المياه الجوفية، وقدمت تقارير عديدة حول ذلك دون أية حلول تذكر من جانب المسؤولين.
وأكد خبير المياه والأنظمة الحيوية في مكتب يونب روا في مملكة البحرين فؤاد أبوسمرة ان البحرين تقع تحت خط الفقر المائي، منوهاً إلى أن استهلاك المياه في الخليج العربي بشكل عام يعد من أعلى الاستهلاكات في العالم ما يجعل من طرق قياس الفقر المائي بحاجة إلى إعادة دراسة.
وأشار إلى تصاعد الطلب على المياه عالمياً ودور برنامج الأممالمتحدة للبيئة (UNEP) في حماية البيئة، مبيناً أن "اليونب" كانت في الأصل تتعاون مع الحكومات إلا أنها ومنذ سنوات تزايدت مشاريعها وبرامجها المستمرة مع مؤسسات المجتمع المدني إيماناً بأهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني.
"ربيع العطش" كما شهدت المنطقة الشرقية من موريتانيا مناوشات بين قوات الدرك وسكان قرى تعاني من العطش، فيما تم اعتقال 13 امرأة في المنطقة على خلفية تظاهرهن ضد العطش .
وقالت مصادر من سكان بلدية "أشايف" إن العطش يهدد 10 قرى بالمنطقة، وناشدوا الرئيس محمد ولد عبدالعزيز التدخل لحل معاناتهم مع فقدان المياه الصالحة للشرب في فصل الحرارة .
وفي الكويت أيضا تتوقع وزارة الكهرباء والماء، أزمة مياه تشهدها البلاد خلال الصيف القادم، وسط تقديرات تستعيد إمكان توفير الإنتاج الكافي للاستهلاك المائي خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأكدت مصادر مطلعة لصحيفة "الجريدة" الكويتية، أن الأزمة المتوقعة ناجمة عن تأخر تنفيذ خطط الوزارة فى ا يتعلق بالمياه، موضحة أن "معدل الإنتاج اليومي خلال العام الماضي كان يبلغ 460 مليون جالون إمبراطوري، فى مقابل معدل استهلاك بلغ 454 مليوناً"، مشيرة إلى أن "أعلى نسبة إنتاج متوقعة خلال الصيف المقبل فى ظل تشغيل جميع الوحدات، لن تزيد على 500 مليون جالون، وهو أقل من الاستهلاك الذي من المتوقع أن يتجاوز 550 مليوناً، خاصة خلال مايو المقبل الذي يعتبر شهر الذروة في الاستهلاك المائي".
وبينما رجح مسئولو قطاع المياه في الوزارة اللجوء إلى المخزون المائي لتعويض النقص المتوقع، أكدت المصادر أن "هذا الخيار لن يكون مجدياً في ضوء خطة الوزارة بعدم استنزاف أكثر من 40 مليون جالون من المخزون يومياً، وبالتالي فإن الخيار الإجباري هو التقنين المائي المبرمج خلال الصيف"، معربة عن خشيتها من أي أعطال قد تطرأ على المقطرات تضاعف التقنين، وتصل إلى حد قطع المياه، خاصة أن بعض المشاريع الحكومية لإنتاج المياه، ومنها محطة الزور الجنوبية، لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد نهاية الصيف القادم.
الترشيد والتحلية ويمثل الوضع المائي التحدي الأكبر والنموذج الأكثر تحدياً ليس على المستوى العربي بل على مستوى العالم باسره ، ويعتبر المواطن هو شريك في عملية إدارة المياه للحفاظ عليها، لاسيما وأن الاستخدام الخاطئ للمياه يزيد من كميات المياه المهدورة،وبالتالي فالمواطن علية واجب في المحافظة على المياه المتوفرة من خلال ترشيد استهلاك المياه والحد من هدرها، وصيانة الخزانات بشكل دوري ، كما يمكن اللجوء إلى تحلية المياه كوسيلة للخروج من تلك الأزمة ، فهناك ابتكارات تكنولوجية جديدة تسهم في الحد من التكلفة الباهظة للتحلية ، والعديد من البلدان بدأت في بناء محطات تحلية المياه باعتبارها عنصرا في معالجة أزمات المياه.
ومن الحلول التي يمكن اللجوء إليها بناء محطات معالجة مياه الصرف ، والحد من الإفراط في المياه الجوفية.
وفي 2006 كشفت شركة "ماتيتو" المختصة بمعالجة المياه وتحليتها عن نقص كبير في إمدادات المياه العذبة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وذلك خلال ترؤسها للدورة الأولى لمؤتمر الشرق الأوسط للمياه وإدارة مياه الصرف الصحي بدبي. وأكدت الشركة: "ان هذه المعضلة يتم العمل حاليا على مواجهتها عبر استثمارات كبرى بمشروعات التحلية وإعادة استخدام المياه". وقال المدير التنفيذي لماتيتو فادي خويس: :"يعاني نحو 45 مليون شخص في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من نقص المياه العذبة كما يعاني أكثر من 80 مليون شخض من عدم توافر نظم الصرف الصحي الآمنة وهو الأمر الذي يدق بشكل متزايد ناقوس الخطر في ظل الحقيقة الصحراوية لهذه المنطقة من العالم فإن الأخبار السارة أن دول منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدرك الحاجة إلى ضرورة توفير حلول بديلة بما يمكنها من الإيفاء بالطلب المتزايد على المياه العذبة اذ يتم حاليا استثمار أكثر من 120 مليار دولار لمعالجة مياه الصرف الصحي في المنطقة خلال العشر سنوات المقبلة خصوصاً في السعودية ومصر والإمارات".
وفي النهاية نشير إلى أن الأمن المائي جزء حيوي مكمل للأمن الغذائي ضمن منظومة الأمن القومي للدول ومسوغات وجودها واستمرارها ومع تفاقم العجز المائي فإننا نتحدث هنا في محاولة لقرع أجراس الإنذار من احتمال أزمة مياه مرتقبة وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويجب أن يكون هناك فهم معمق لأصول الأزمة وأسبابها الطبيعية كتزايد النمو السكاني وتنامي الحاجات التنموية والهدر وسوء استثمار موارد المياه كالتصحر وتملح التربة وتلوث البيئة والهجرات القسرية والطوعية .