علت الأصوات خلال الآونة الأخيرة مطالبة بتنظيم الخطاب الديني لمواجهة الفتاوى المتطرفة التي يستند إليها البعض، من أجل ترويج أفكار للشباب في اتجاهات معينة, فعشوائية الفتاوى وتطرف بعض شيوخها, خلق نوعًا من "اللبس" الفترة الماضية نتج عنه ظواهر كثيرة منها "الملحدين" والمتشددين على الجانب الآخر، في المجتمع المصري، الذي طالما عرف بطبيعته الدينية , حيث التبس الحلال بالحرام، والصواب بالخطأ, في ظل تعدد أوجه هذه الفتاوى ما بين أزهرية وسلفية وصوفيه وشيعية. ورغم توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال مؤتمر الشباب الذي عقده في أكتوبر الماضي، بتشكيل لجنة من الأزهر والأوقاف والكنيسة لتجديد الخطاب الديني، إلا أنها "فشنك"، حيث إنه حتى الآن رغم قيام البرلمان ومجمع البحوث الإسلامية، بدراسة سبل تجديد الخطاب الديني، وتقدم عدد من النواب للبرلمان بمجموعة من مشاريع القوانين هدفها الحد من انتشار عشوائية الخطباء على المنابر وشاشات القنوات الفضائية ورغم تعدد مشاريع القوانين, مازال الخطاب الديني كما هو. ويعتبر المشروع الذي تقدم به النائب محمد شيمكو، عضو مجلس النواب، والذي تم عرضه فعليًا على الأمانة العامة بمجلس النواب، من المشاريع التي تطالب بمنح التراخيص لعالم الدين على فئتي "ا - ب"، تجدد كل 3 سنوات بعد أن يجتاز الخطيب اختبارًا في كل مرة يظهر إلمامه بالكتب والإصدارات الجديدة، وهذا ليس خطأ ولكن تطوير في ذاتهم، وهذا التطوير يعد شرطًا مهمًا جدًا لتعيين الخطباء، وتثبيتهم ورفع المكافأة الخاصة بهم. وأوضح شيمكو ل"المصريون"، أن الفئة "أ" من الرخصة، خاصة بالظهور الإعلامي في وسائل الإعلام كافة، واعتلاء شاشات القنوات الفضائية للخطباء خاصة، وإذا كانت هناك برامج للفتوى أو للنصوص الدينية، أما الفئة "ب" فتمنح للخطباء للأحقية في إقامة الصلاة وخطبة الجمعة وعلو المنابر في المساجد، ولكن إذا ظهر الخطيب في وسائل الإعلام دون ارتدائه الزى الديني وشارك في أي قضية من قضايا المجتمع بصفته الشخصية، وليست العملية فهو في هذه الحالة مواطن مصري له حق الظهور الإعلامي دون أي رخصة. وتابع: أن مشروع القانون ينص على أن تقوم لجنة مشتركة مشكلة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء منوط بها عمل اختبارات للخطباء وإصدار التراخيص، قائلًا: إن القانون ضم عقابًا وجزاءات على كل من يخالف القانون سواء كان عالم دين أو الوسيلة الإعلامية أياً كانت، مؤكدًا أن مشروع قانون تنظيم الخطاب الديني وقع عليه 80 نائبًا من بينهم الدكتور أسامة العبد، رئيس الجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور أسامة أزهري، وكيل اللجنة ومجموعة من نواب ائتلاف دعم مصر وائتلاف 25 -30. على الجانب الآخر، لاقى المشروع الذي تقدم به عمرو حمروش، جدلًا في البرلمان وخارجه في ظل تخوف البعض من أن يتحول لسيف يسلط على بعض العلماء, حيث يضم 6 مواد، أهمها ت، المادة الخامسة، أن يعاقب من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، وغرامة لا تزيد عن 2000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى حال تكرار المخالفة تكون العقوبة هي الحبس والغرامة التي لا تتجاوز 5 آلاف جنيه، فيما نصت المادة السادسة على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لانقضاء شهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وبالنظر في مشروع القانون يظهر حصر التصدي للفتوى على هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء، ومن يرخص لهما من هاتين الجهتين المنوط بهما إصدار الفتاوى العامة، وبالتالي فإن أي شخص سيفتى من غير هاتين الجهتين سيقع تحت طائلة القانون، ويتم بذلك القضاء على الفتاوى المتطرفة والشاذّة. مشروع القانون سمح بإصدار فتاوى خاصة، من الأئمة والوعاظ ومدرسي المعاهد الأزهرية، وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، للأسئلة المتعلقة بأمور العبادة مثل الصلاة والصوم وأمور الدين الوسطي بشكل عام، فيما حظر القانون عليهم إصدار فتاوى عامة، أو الفتاوى المتعلقة بالأوطان. وفى سياق متصل قال سامح عيد، الباحث المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية، أبدى تخوفه من القانون، قائلًا:" سيكون سيفًا مسلطًا على حرية الفكر مثل الفتاوى الاجتهادية لبعض الأزهرية مثل الدكتور أحمد كريمة والدكتور سعد الهلالي الذي يرى أن الحجاب ليس فرضَا وإذا تم اعتبار هذا الرأي فتوى دينية فإنه سيتم تطبيق القانون عليه وحبسه 6 أشهر وهذا الأمر من شأنه تقييد وتجميد الخطاب الديني". وأضاف عيد، في تصريح خاص ل"المصريون"، لابد أن نفرق هنا بين الفتوى والرأي وهل يعتبر هذا فتوى يحبس فيها أم لا ليكون شبيهًا بقانون ازدراء الأديان، رغم أنه يمنع التيارات السلفية من خطاب الحض على الكراهية، ولكن هناك عقوبات أخرى في القانون لهذه الأفعال، وأرى أنه يكتفي بالغرامة فقط والتحريض على الكراهية. ومن جانبه قال عادل السباعي، أستاذ الشريعة بجامعه الأزهر، "أن تطبيق القانون صعب جدًا، حيث إن هناك فضائيات تبث من جميع دول العالم لن نستطيع السيطرة عليها"، مطالبًا بتثبيت برنامج لأحد علماء المسلمين مثل الشيخ الشعراوي لمواجهة الفتاوى المتطرفة ونقدها للعوام وتفنيد الفتاوى الشاذة، فنحن لن نستطيع محاصرة فتاوى السلفيين في المساجد والزوايا إلا لمن يثبت عليه ذلك من الجهات الرقابية أو مقاطع الفيديو التوثيقية". وأشار ل"المصريون"، إلى أن هذه المرحلة تقتضي حماية الفضاء العام والمجتمع ومصالحه وتماسكه من أضرار فوضى الفتاوى الشاذة والمتطرفة، والتي لا تراعى الأصول العلمية وضوابط الفتوى والأحكام، وهذا يتطلب رؤية واضحة ومحددة بشأن التنظيمات التي تنشط داخل المجتمع بأفكار ومناهج خاصة بها تكون شاذة عن المنهج الوسطي، ومتطرفة بالفكر المجتمعي.