تعاود جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السِّياسي المطالبة بتشكيل حكومة ائتلافية، مع إعلانها عن اعتزام البرلمان الاقتراع على سحب الثقة منها؛ وهي وإن كانت بذلك تُعبَّر عن رغبة طبيعية في المشاركة في الحكم، فإن عينها على أكثر من عشرة ملايين مصري صوَّتوا لها في انتخابات مجلس الشعب، وربع هذا العدد في انتخابات مجلس الشورى، وهؤلاء ينتظرون نتيجة تفويضهم الانتخابي لها. يوم الخميس الماضي قال عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، ورئيس لجنة الشؤئن الخارجية في مجلس الشعب إن المجلس العسكري يجب أن يكلف حكومة جديدة من الغالبية البرلمانية، بعد أن أعلن عن أن البرلمان بصدد سحب الثقة من الحكومة الأسبوع المقبل. وأشار إلى نفس الاتجاه محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة. وفي مساء اليوم ذاته، أكَّدَ المكتب التنفيذي للحزب ضرورة الإسراع بتغيير الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة جديدة لمصر مدعومة بأغلبية برلمانية منتخبة بإرادة شعبية حرة، تستطيع العبور بالبلاد إلى بر الأمان. جماعة الإخوان وحزبها السياسي يرون إذًا أن تشكيل الحكومة حقُّ للبرلمان– حيث لحزب الجماعة الأكثريَّة، وهي تعتبر أن أداءها القوي في انتخابات الشعب والشورى يخولها بلعب الدور الأكبر في صياغة هذه الحكومة. إلا أن الجماعة تعلم والحزب كذلك،- وفقًا للإعلان الدستوريّ فإن الرئيس هو وحده المسوؤل عن تشكيل الحكومة، وعلى هذا الأساس حاولت الإخوان بالفعل التعايش مع الحكومة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، التي من المقرر أن تسدل ستائرها مع انتخاب الرئيس في يونيو القادم، ولكن أمورًا استجدَّت عدَّلت سياسة التعايش هذه: أولها، الأحداث التي توالت على مصر منذ انعقاد البرلمان، ومن أبرزها حادثة بورسعيد وما صاحبها من تظاهرات وأعمال عنف، والصورة التي انتهت عليها قضية التمويل، والتي رأت الجماعة أن نصيبًا من السخط الشعبي الموجه لهذه الأحداث بدأ يطال البرلمان وبالتالي يطالها، ومن ثم يخصم من رصيدها في الشارع، الذي هي في حاجة إلى زيادته فضلًا عن الحفاظ عليه. ثانيها، الشعور الذي انتاب الحزب والجماعة بأن حكومة الجنزوري تسعى إلى تصدير الأزمات إلى الحكومة التي من المنتظر أن تشكلها الغالبية البرلمانية، وفي قلبها حزب الحرية والعدالة، وهو ما عبر عنه الأخير بوضوح في إحدى بياناته الأسبوع قبل الماضي. ثالثًا، دخول الحكومة القائمة في عددٍ من الارتباطات والمواجهات، ترى الجماعة أنها ستمثل عبئًا عليها بعد شروعها في المشاركة في إدراة شؤون البلاد. ومن أمثلة ذلك التصعيد الذي قام به كل من المجلس العسكري وحكومته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي لم تكن جماعة الإخوان المسلمين متحمسَّة له على أية حال، فضلًَا عن سعي الحكومة الحالية للحصول على قرضٍ من صندوق النقد الدولي، وهو مسعى رفضته الجماعة. في كل الأحوال الرفض قائم من المجلس العسكريّ لإقالة الحكومة، وتكليف حكومة جديدة تستيند إلى الغالبية البرلمانية، فحتى الآن لا يبدو المجلس مستعدًا لمثل هذا التنازل على الأقل حتى حصوله على ضماناتٍ بشأن الرئيس والدستور، وقد جاءت آخر صيغة للرفض على لسان فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي. فقد كررت الوزيرة الموقف الرسمي القائل أنه وفقًا للإعلان الدستوري الذي وافق الشعب عليه، فإن مجلس الشعب لا يملك الحق في سحب الثقة من الحكومة، فيما يُعطي لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره الحق في سحب الثقة من الحكومة أو تعيين حكومة جديدة. لكن في المقابل أظهر الإخوان استعدادًا لتحويل سهام النقد لتشمل المجلس العسكري مباشرة، وإن في قضية ليست متعلقة بالحكومة مباشرة، حيث اعتبرت في آخر بياناتها أن "المجلس العسكري يدير البلاد بالطريقة التي كان يديرها بها الرئيس المخلوع من حيث الخضوع لأميركا والتدخل السافر في أعمال القضاء والتفريط في السيادة والكرامة الوطنية". الرَّاجح أن الإخوان ستشكل الحكومة آجلا أم عاجلًا، وهي كانت على استعدادٍ لأن يكون هذا التشكيل آجلاً، غير أن السريع للأحداث حولها جعل أمر الحكومة بالنسبة لها عاجلًا.