لا شك أن انتخاب رونالد ترامب Trump كان أمرا غير عادى بكل المقاييس خاصة أنه لأول مرة يتبنى أحد الحزبين الكبيرين ترشيح أحدا ليس من كوادره. معنى ذلك أن رجل الأعمال الأمريكى يدخل لأول مرة إلى مؤسسات الدولة الرسمية بأفكار حرة لا قيد عليها. والسؤال الذى يشغل العالم كله هل هذه الشخصية وما تابعناه عنها يمكن أن تدخل القالب المؤسسى وتتخلى عن ثقافتها وسلوكها الموروث فى عالم المال والأعمال؟ ويلحق بهذا السؤال سؤال آخر حول ما إذا كان الرئيس المنتخب يعكس بالفعل المزاج الجديد للمجتمع الأمريكى أم أن أمراً غريباً قد حدث حتى ينجح ويهزم كافة التوقعات فى داخل الولاياتالمتحدة وخارجها؟ السؤال الأخير سوف ينال حظه من البحث والدراسة خلال الشهور القادمة ولذلك يهمنا السؤال الأول الذى سوف يتابع العالم كله التغيرات فى السلوك بما يجافى الشعارات الإنتخابية بدرجات مختلفة لأن هذا الاختلاف بين المرشح وبين الرئيس الفعلى طبيعى ولكن درجة الاختلاف هى التى ستحدد إجابة السؤال.فى هذه المساحة اعتقد أن متخصصين آخرين خاصة فى علم اجتماع السلطة والثقافة السياسية سوف يسهمون فى الكشف عن اجابة هذا السؤال.
وقد رافق اعلان فوز المرشح ردود أفعال حادة فى العالم العربى ماعدا مصر التى وجدت فى فوزه سندا قويا لنظامها خاصة بعد لقاء السيسى مع المرشح ترامب فى سبتمبر الماضى كما يجمعهما العداء للتيار الإسلامى والعمل على مطاردته وهو المرتكز الرئيسى للسيسى.
وقد ظهر أن ترامب لديه تصورات تتفق مع البحوث والنتائج التى ظهرت خلال العامين الماضين فى الولاياتالمتحدة تحت عنوان الولاياتالمتحدة أولاً ويقصد بها ترتيب البيت الأمريكى من الداخل ثم اعادة النظر فى التدخلات الأمريكية فى مرحلة لاحقة بعد أن تسبت هذه التدخلات فى استنزاف القوة الأمريكية، وهو أكبر أخطاء مرحلة الحزب الجمهورى فى عهد الرئيس بوش الإبن. ولذلك نعتقد أن هذه النقطة كانت أحد ركائز وأسباب فوز ترامب فى الإنتخابات وتبقى المشكلة كيف يتم ذلك.
فإذا نظرنا إلى أمريكا أولاً ومعاداة التيار الإسلامى فإن الاحتكاك بين العالم العربى والإسلامى ومعهما الأقليات الإسلامية، وإدارة ترامب أمر وارد وهو ما يجب أن نتحسب له بالعمل وليس بالفرجة. ذلك أن هذين الشعارين يجذبان قطاعا كبيرا من الرأى العام الأمريكى كما يجلب كافة القوى الصهيونية فى العالم التى بادرت فور فوز ترامب بإنشاء مرصد بعنوان مرصد الجهاد لكى تسجل وتحلل مخاطر الإسلام والمسلمين على الولاياتالمتحدة. ومعاداة المسلمين والتيارات الإسلامية هى التى قربت بوتن من ترامب ولكن هذا جانب واحد من جوانب العلاقات المعقدة بين موسكووواشنطن. فى هذه الحالة يتعين على ادارة ترامب أن تحل اشكالية الخبرة التاريخية للسياسية الأمريكية وهى الثبات على مبدأ استخدام التيارات الإسلامية لخدمة مصالحها، حيث كان هذا السلاح كافياً لتقويض الأمبراطورية السوفيتية فى افغانستان هو مخطط تفتيت روسيا الاتحادية عن طريق حروب الشيشان وغيرها وهى معارك سخر فيها العالم الإسلامى ضد مصالحه الحقيقية بسبب الاستتباع السياسى للولايات المتحدة.
فإذا كان ترامب قد أعلن عن خطوط مزعجة للخليج والعالم الإسلامى ومريحة لإسرائيل ومنهية للقضية الفلسطينية كما قال أحد وزراء نتنياهو فإن الصورة قد أصبحت واضحة وهى أن واشنطن ستصبح أكثر انحيازا لإسرائيل ومعها موسكو، وعلى الجانب الآخر العالم العربى والإسلامى بكل قضايا التى صنع معظمها وأرهقته وأخرجته من عالم الغد فى التحالفات العالمية والإقليمية.
ولذلك فإن أهم عوامل مواجهة هذه الاحتمالات الخطيرة هو أن تنعقد قمة عربية إسلامية جادة وأن تبحث أولاً فى رأب الصدع العربى والإسلامى وخاصة الصراع الإيرانى السعودى ثم تأتى الخطوة الثانية وهى التعامل مع الولاياتالمتحدة ومع إسرائيل ككتلة متماسكة لها برنامج واضح وأولويات محددة لأن أخطر ما فى تحالف الغد هو التحالف الأمريكى الروسى ضد العالم العربى والإسلامى ومعنى ذلك ضرورة أن تتخلى كل دولة عن أنانيتها وكل نظام عن حساباته القصيرة النظر والعمل بدلا من ذلك وفق برنامج منسق قوى يكفى لمواجهة الزلزال القادم وهو اشتداد حملة الإسلاموفوبيا فى الغرب كله خاصة مع ازدهار اليمين المتطرف فى دوله وكراهية الأجانب ويدخل فى ذلك اليهود ولكن هذه النقطة لن تكون سببا للتنسيق بين العالم العربى والإسلامى وبين إسرائيل لأن اليهود يتمتعون بحصانة خاصة داخل المجتمعات الغربية مثلما تستباح قضايا الإسلام والمسلمين بعد هذا التمهيد الطويل منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر التى لم يتنبه لها المسلمون والتى أثمرت فى النهاية فصولاً دامية مثل داعش وغيرها مما ستكشف عنه الأيام القادمة كيداً لديار الإسلام والمسلمين. إن العالم الإسلامى وقف متفرجاً بل وتسبب فى محنة اللاجئين من سوريا وغيرها ولذلك يجب أن يستعد من الآن لنتائج الحالة فى الغرب وهى الإساءة إلى الاقليات الإسلامية فى الغرب وذلك بقرارات منسقة لا تفرق بين جالية وأخرى وبين طائفة وأخرى من الطوائف الإسلامية لأنهم يتعاملون مع الإسلام والمسلمين كوحدة واحدة فيجب أن نواجه هذه الحالة كوحدة واحدة أيضاً وأن نرتفع إلى مستوى المسؤولية وأن نتوقع المزيد من الفتن التى توجه إلينا وأن نحول هذه الحملة الصليبية الجديدة إلى حملة للسلام والمحبة والعيش المشترك لمواجهة مخاطر الحياة لإنسان هذا الكوكب وهو البرنامج الذى كان الرئيس بوش الأب قد بشر به فى الخامس من سبتمبر 1991 فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكن واشنطن سارت على عكسه تماما مما أنتج لنا ما نحن فيه وما هم فيه.
ذلك جرس انذار لكى يفيق العالم الإسلامى من غفوته لأن انتخاب ترامب هو ثمرة للكثير من العوامل التى ساهم فيها العالم الإسلامى بالصمت أو بالفعل السلبى فارتبكت البوصلة وضاعت الأهداف والأولويات وترتب على ذلك هذه الغابة المضطربة التى صار شبابنا وأوطاننا وقودا لها وصارت إسرائيل هى المستفيد الوحيد بعد أن ضاعت البوصلة عند كل الدول العربية والإسلامية. وإذا كان ما نطلبه يبدو مستحيلاً فإننا نسجل ذلك ابراءاً للذمة وتنبيها للأسوأ، فقد ظللت لأكثر من ثلاثة عقود أنبه لمخاطر القادم ويبدو أننا رغم ما أحاق بنا لا نزال فى غشاوة عن واقعنا.