الصراع العربى الإسرائيلى يعنى فى البداية الصراع متعدد الأشكال بين إسرائيل من ناحية والعالم العربى كله من ناحية أخرى، بسبب احتلال إسرائيل لكل فلسطين وانكارها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى .وقد تطور الموقف العربى بسبب تدهور القدرات العربية وتفكك العالم العربى والسياسة المصرية الموالية للولايات المتحدة منذ عام 1979 فى تفتيت العالم العربى وتغلغل إسرائيل فيه تحت ستار مرحلة السلام بين العرب وإسرائيل ثم أصبحت مصر مبارك حليفاً لإسرائيل لتمكينها من مصر والمنطقة العربية وتسهيل استيلاء إسرائيل على الأراضى الفلسطينية والعدوان على الدول العربية المجاورة بما فى ذلك الاحتلال الأمريكى للعراق وتنفيذ المشروع الصهيونى فيه وكذلك التحالف مع إسرائيل ضد إيران عندما دخلت إيران لدعم المقاومة العربية ضد إسرائيل. ولذلك يمكن أن نرصد موقع إيران ومصر من مرحلتى الصراع والسلام بين العرب وإسرائيل بحيث تقلص هذا الصراع فى عهد السلام الإسرائيلى فأصبح مجرد نزاع إسرائيلى فلسطينى وشأن داخلى إسرائيلى لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه .ولذلك تمكنت إسرائيل من ضرب العمود الفقرى الفلسطينى وتعويق المصالحة بين الطرفين الفلسطينيين الذين تحرص إسرائيل على استمرار تباعدهما كما تحرص إسرائيل على تبديد كل العوامل الاستراتيجية الداعمة للحقوق الفلسطينية. ومن الواضح إن مصر وايران هما الطرفان الأكثر ارتباطاً بالصراع العربى الإسرائيلى .وتدل قراءة سجل العقود الستة الأخيرة على تكشف الحقائق الآتية: الحقيقة الأولى: هى أن إيران الشاه كانت تقابل مصر الناصرية ثم عصر السادات ولكن إيران الشاه كانت حليفاً لإسرائيل ولذلك كان العداء بين مصر الناصرية وإيران يقوم على تناقض بين الموقفين من إسرائيل بالاضافة إلى حركة المد القومى العربى التى تلامس طموحات إيران دون أن تصطدم بها. الحقيقة الثانية: هى أن الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر مباشرة وخلالها أحدث تقارباً كبيراً بين مصر وإيران لأنه انتقل من معاداة إسرائيل إلى مصادقتها فأصبح والشاه فى العش الأمريكى الإسرائيلى وكان ذلك بذاته وأسباب أخرى سبباً فى اغتيال السادات وقبل ذلك بقليل فى قيام الثورة الإسلامية ضد الشاه فى إيران. الحقيقة الثالثة: هى أن إيران الثورة قد حلت محل مصر فى معاداة إسرائيل والتحالف مع سوريا بديلاً عن التحالف المصرى السورى فأصبحت إيران طرفاً غير مباشر ولكنه فعال فى الصراع العربى الإسرائيلى من خلال موقفها ضد إسرائيل وفى قضية القدس ولو من الناحية النظرية وفى الدعم الفعلى للمقاومة ضد إسرائيل فى لبنان وفلسطين ولكن إيران نفسها بقيت بعيدة عن المواجهة مع إسرائيل رغم أن إيران استفادت من الناحية الاستراتيجية من التصرفات الأمريكية والإسرائيلية بضرب المفاعل النووى العراقى الذى كان موجهاً لإيران والغزو الأمريكى للعراق الذى مكن إيران من العراق وخلق مصالح مشتركة غير مباشرة بين إيران وإسرائيل والولاياتالمتحدة فى إزاحة العراق كقوة عربية فى الصراع العربى الإسرائيلى. الحقيقة الرابعة: هى أن موقف مصر مبارك من إيران والمقاومة كان عدائياً بالطبيعة لعدة أسباب الأول، أن دعم إيران للمقاومة يحرج مصر التى استسلمت للمخطط الصهيونى وتآمرت معه على ضياع الحقوق الفلسطينية ومحرقة غزة. السبب الثانى، هو أن مصر مبارك لا تريدلإيران أن تتقدم على المساحات الإقليمية التى تخلت عنها مصر بعد انكماشها إلى داخل حدودها وكانت تريد لإسرائيل أن ترث مصر فى هذه المساحات ولذلك لم تنظر مصر إلى تقدم تركيا إلى هذه المساحات بنظرة العداء التى كانت تكنها لإيران لسبب بسيط وهو أن تركيا حليف لإسرائيل والولاياتالمتحدة وأن شابت العلاقات التركية الإسرائيلية بعض المشاكل بسبب التداخل بين مناطق النفوذ الإسرائيلية والمشروع التركى وكان ذلك واضحاً فى أزمة أسطول الحرية الذى نال كثيراً من العلاقات التركية الإسرائيلية ولكنه لم يلقى اعجاب قاهرة مبارك التى كانت متحالفة مع إسرائيل. وأما السبب الثالث، فهو أن الولاياتالمتحدة قد استخدمت ورقة التقارب بين مصر وإيران لحساب الصراع الأمريكى الإيرانى بل أن واشنطن فيما يبدو كانت تفكر فى الاستعانة بمصر بشكل ما إذا قررت واشنطن مهاجمة إيران عسكرياً. الحقيقة الخامسة: أن الثورة المصرية عام 2011 كانت عاملاً حاسماً فى الصراع الأمريكى الإيرانى لأنها نقلت مصر من مرتبة الورقة المضمونة فى يد الولاياتالمتحدة إلى مرتبة الورقة غير المضمونة على الأقل رغم أن الرئيس المصرى الجديد يتمسك باستقلال القرار المصرى ولا يمكن أن يساهم مع واشنطن فى النيل من إيران. وفى هذه النقطة فإن زيارة الرئيس محمد مرسى لإيران بمناسبة قمة عدم الانحياز فى أواخر أغسطس 2012 يمكن أن تكون مدخلاً للتقارب المصرى الإيرانى ويجمعهما أمران التضامن الإسلامى ودعم حقوق الشعب الفلسطينى علماً بأن مصر مرسى الآن ليس لديها حساسية دعم إيران للمقاومة وإن كانت معاهدة السلام تمنع مصر من دعم المقاومة. الحقيقة السادسة: هى أن مصر وإيران بعد الثورة المصرية يقفان فى معسكر التحرر الوطنى بعد أن وقفا معاً فى اسار الهيمنة الأمريكية. وإذا كانت واشنطن تناهض إيران بسبب اصرارها على أن تكون قوة اقليمية مستقلة فإن واشنطن لا تطيق أن ترى مصر كذلك لأن استقلال ايران وعداء واشنطن يخلق التوتر بين إيران ودول الخليج ولكن استقلال مصر عن واشنطن يغرى دول الخليج بالانضمام إلى التكتل العربى الجديد بعد أن عانت المنطقة العربية من ارتماء مصر فى أحضان واشنطن. الحقيقة السابعة: فى ضوء هذه الحقائق السابقة فإن التقارب المصرى الإيرانى وفعاليته يثير بشكل خاص فزع إسرائيل فلا يهم إسرائيل زيارة الرئيس المصرى لإيران إلا بقدر ما تؤشر الزيارة إلى توجه جديد فى السياسة المصرية. ويبقى السؤال إلى أى مدى يمكن أن يؤثر التعاون المصرى الإيرانى التركى فى إعادة رسم خريطة السياسات وأثرها على الصراع العربى الإسرائيلى؟ هذا مجال مفتوح للبحث والدراسة. ومن المعلوم أن النظام الدولى يتحرك وتؤدى حركته إلى تغير مستمر فى القوى النسبية للأطراف الدولية فتتقدم الصين على حساب الولاياتالمتحدة ولكن يبقى تمسك الولاياتالمتحدة بالمشروع الصهيونى وتنفيذه على الأرض هونقطة الضعف الرئيسية فى السياسة الأمريكية فى المنطقة ولذلك فإن إسرائيل التى تدرك هذه الحقيقة قد أقامت علاقات وثيقة مع الصين والهند والدول الآخرى الصاعدة فى النظام الدولى ولكن إسرائيل لا تستطيع أن تقيم نفس العلاقة الخاصة القائمةبينها وبين واشنطن مع دول أخرى مهما كان حجم المصالح بينها وبين إسرائيل. الحقيقة الثامنة، هى أنه فى عام 1967 وعام 1979 عندما تغولت الولاياتالمتحدة وإسرائيل على مصر بهزيمتها وكسرها عام 1967 ثم استلاب ايردتها عام 1979 كانت إيران جزءاً من مؤامرة الغرب على مصر الناصرية وعندما قامت الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 كانت مصر هى التى تحولت إلى جزء من مؤامرة الغرب على إيران الإسلامية وكانت سوريا قد تركت وحيدة تبحث عن عالم عربى ينسحب من رأسه المصرية إلى المعسكر الأمريكى فكانت اللحظة مناسبة للقاء إيران مع سوريا وكان من الطبيعى أن تشعر المنطقة العربية بعد دخولها المعسكر الأمريكى بأن إيران أصبحت دولة معادية. لكل ما سبق فإن فزع اسرائيل من التلاقي المصرى الإيرانى مفهوم ولامعنى لقلق الخليج لان مصر لاتتآمر ضده، كما أن ايران ليست بديلا عن الخليج، وسوف يظل الصراع العربي الاسرائيلى قائما ما قامت اسرائيل ولذلك فان الوضع فى سوريا بتداعياته يخلق ميزانا جديدا ضد المصالح العربية.