مَن يطالع الصحف الصادرة طوال اليومين الماضيين فسوف ينتابه شعور بأنه مواطن (.....) ضَعْ ما شئتَ من توصيف بعد أن تنتهى من قراءة المقال؛ حيث نشرت الصحف تصريحات على لسان خيرت الشاطر (الإخوان المسلمين) ومحمد إبراهيم (وزير الداخلية) واللواء طاهر عبد الله (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، ثم المستشار عمر الشريف (مستشار وزير العدل), كل هؤلاء تحدَّثوا بأسمائهم وصفاتهم ونفوا تمامًا صلة الجهات التى يمثلونها بمسألة (قل جريمة) تسفير المتهمين الأمريكان وعودتهم إلى بلادهم على متن طائرات عسكرية أمريكية انتهكت مجالنا الجوى دون استئذان. طيّب بالعقل, إذا كان المجلس العسكرى والحكومة والبرلمان ليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بتلك القضية، حسبما نفى المتحدثون بأسمائهم, فمَن هى تلك الأصابع الخفية التى استغلت اللحظة الذهبية التى نام فيها كل أعضاء المجلس العسكرى والوزراء ونواب البرلمان وقادة الأحزاب الرئيسية ثم نجحت فى تجميع المتهمين الأمريكان وتسفيرهم جهارًا نهارًا؟!. سؤال: هل سقى اللهو الخفى السلطات الثلاث (برلمانية وتنفيذية ورئاسية) حاجة صفراء,ثم طار بعدها إلى واشنطن ومعه 17متهمًا أمريكيًّا؟, هل وجدت استخفافًا بالعقول وبوعى الشعب المصرى أكثر من ذلك, فبدلاً من أن يعلن المسئولون تفاصيل ما جرى بشجاعة كاملة وجدناهم يتنصّلون مما جرى، ويريدونك تصديق ما يقولونه, والذى إذا صدقته فستكون وقتها مواطنًا ولا مؤاخذة, وتستحق ما سيجرى لك بعد ذلك. نعم، هناك صفقة جرت بين الجانبين المصرى والأمريكى, وكانت السلطات المصرية الثلاث على علم بكل تفاصيلها، لكن المشكلة التى واجهت صانع القرار المصرى فى تلك الصفقة هى فشله إعلاميًّا فى تسويقها للرأى العام؛ لأنه زايَد على الحس الوطنى بمعاداة أمريكا، والأهم أنه كان يعرف أنه يناور بورقة المنظمات الأهلية وتمويلها الأجنبى لاصطياد الأمريكان العاملين فى تلك الهيئات؛ ليكونوا ورقة ضغط مصرية فى التفاوض مع أمريكا, ولكن قيامهم بإحالة القضية برمّتها إلى القضاء أدخلت المناورة فى نفق مسدود, ولم يستطع صانع القرار المصرى التعامل معه إلا بالتعسف الذى جرى. ثلاثة أطراف كانت لديها مصلحة كبرى فى إنجاز تلك الصفقة ومن ثَم فإذا نفت تلك الأطراف علمها بالصفقة وتفاصيلها فعليهم الرحيل عن مقاعدهم فورًا, والأطراف الثلاثة هى: 1- المجلس العسكرى: حقق عدة أهداف من تلك الصفقة تمثلت فى عدم إلغاء المعونة العسكرية عن مصر وسرعة توفير قطع الغيار للسلاح المصرى (الأمريكى الصنع)، كما شهدت العلاقة مع نظيره الأمريكى تحسُّنًا غاب لشهور طالت, فكان لا بد من إتمام الصفقة. 2- الحكومة: تتمتع مصر ببنية اقتصادية قوية ومتنوعة، لكن المشكلة الآن هى غياب السيولة والتمويل؛ لذا لا بد من الاقتراض الخارجى, والعالم كله كتلة واحدة مِفتاحها بيد واشنطن, فهى التى قامت بعرقلة وصول المساعدات والقروض الخليجية والأوروبية والمؤسسات المالية الدولية, وكان لا بد من إنهاء الصفقة مع واشنطن وتسليم المتهمين؛ حتى يتم ضخ المساعدات والقروض العالمية إلى القاهرة. 3- مجلس الشعب "البرلمان": وتحديدًا جماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها "الحرية والعدالة"؛ حيث تشعر الجماعة بمِساحة من الشك والتخوُّفات من الإدارة الأمريكية تجاه الإخوان, وكان لا بد أن تسعى الجماعة لطمأنة الغرب وتحديدًا الولاياتالمتحدة فكانت تلك الصفقة. عندما يخرج متحدثون باسم كل هؤلاء ليقولوا لنا إنهم (ما يعرفوش حاجة عن الصفقة)!، نصبح أمام مشكلة أننا، كشعب، سلّمنا إدارة بلادنا العظيمة إلى ناس (مابتعرفشى), الله معك يا مصر. [email protected]