الأجواء الحالية فى مصر بغموضها وتعقيداتها مفتوحة على المزيد من عمليات الاصطياد السياسى ومحاولات تلويث السمعة، وكثيرون مؤهلون نفسيًا لقبول أى إشاعة أو اتهام أو أى حديث يتسم بروح "المؤامرة"، والحادثة الأخيرة المتمثلة فى رفع الحظر عن سفر المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى مثلت فصلاً جديدًا فى محاولات التلويث، وخاصة بعد أن وجهت شخصيات أمريكية الشكر إلى الإخوان المسلمين على موقفهم ودورهم فى إنهاء هذا الأزمة، وهو ما استدعى حملة تنتظر الفرصة للنيل من الإخوان وتصويرهم فى صورة المحرض على استباحة القضاء وإهانة الكرامة الوطنية، فماالذى جرى بالضبط. يحكى القيادى الرفيع فى جماعة الإخوان المسلمين القصة بتمامها، بدءًا من تفجير القضية وتعمد الجهات الرسمية فى مصر التعنت مع المتهمين الأمريكيين دون المصريين، لاستفزاز الطرف الأمريكى لأقصى درجة، واستخدام لغة تصعيدية من قبل الحكومة المصرية بشكل متكلف ومفاجئ، فى الوقت نفسه قامت جهات سيادية بتوصيل رسالة إلى الطرف الأمريكى مفادها أن تفجير القضية أتى عبر الإخوان المسلمين، وأنهم هم الذين ضغطوا على الحكومة من أجل القبض على النشطاء الأمريكيين أو منعهم من السفر، وكانت الرسالة مقصود منها "خوزقة" الإخوان مع الأمريكان فى وقت يتأهب فيه التيار الإسلامى فى مصر لتشكيل حكومة إنقاذ وطنى جديدة، وسط أجواء من القبول والتفهم فى العواصم الأوروبية وفى واشنطن، فكان أن أرسل الطرف الأمريكى السيناتور "جون ماكين" لإجراء حوارات مباشرة مع أطراف المشكلة على الطبيعة فى القاهرة، فقابل قيادات عسكرية كما قابل برلمانيين كما قابل قيادات بالإخوان المسلمين، والذين فاجأوه بالقول إنهم لا صلة لهم بالمرة بهذا الموضوع، وأنهم لا يعرفون عنه أى شيء، ولم يطلبوا من الحكومة أو المجلس العسكرى تحريك الدعوة القضائية، وإنما حكومة الجنزورى التى تحظى بدعم واختيار وتوجيه المجلس العسكرى هى التى حركت الملف وأحالته للقضاء، أضاف القيادى الإخوانى الذى قابل ماكين قوله له: إن القانون الذى يحاكم به هؤلاء النشطاء هو نفسه القانون الذى كان الإخوان أبرز ضحاياه فى عهد الرئيس المخلوع، وتم تلفيق عشرات القضايا لهم، وتدمير مؤسساتهم الاقتصادية ومدارس ومستشفيات وكل ما يتصل بالعمل الأهلى، الذى كان الإخوان يقومون به فى الوقت الذى لم ينطق فيه الجمعيات الحقوقية، التى دعمتموها بكلمة واحدة دفاعًا عن الإخوان وأنتم أيضًا يقصد الأمريكيين سكتم على تلك الجرائم التى تعرضنا لها، مضيفا أن من أهم أولويات أجندة حزب الحرية والعدالة فى البرلمان الجديد تعديل هذا القانون، بما يضمن حماية العمل الأهلى، لأن المشروع الإسلامى يقوم فى جوهره على تفعيل العمل الأهلى وكانت الأوقاف الأهلية هى قاطرة التنمية فى المجتمعات الإسلامية على مر القرون. التوضيحات التى قدمها الإخوان لماكين كانت مفاجأة مذهلة للرجل، حسب المصدر الإخوانى، ووضعت المجلس العسكرى وحكومة الجنزورى فى المواجهة الصريحة بدون ستار مزور مع الطرف الأمريكى، فاضطرت الجهات الرسمية إلى تخفيف حدة المواجهة واستيعاب الأزمة بقبول تظلم شكلى من محامى المتهمين برفع الحظر على سفرهم مقابل كفالة كبيرة. هذه هى القصة بتمامها، كما حكاها لى القيادى الإخوانى الكبير.. والله أعلم. [email protected]