الصفقة التى جرت بين المجلس العسكرى والإدارة الأمريكية، والتى أفضت إلى عودة المتهمين الأمريكان إلى بلادهم، مقابل التزام الإدارة الأمريكية بتوفير مساعدات وقروض لمصر قيمتها خمسون مليار جنيه، يجرى تدبيرها من دول عربية وعبر مؤسسات مالية دولية، أكدت أن شيئًا لم يتغير فى مصر وأننا مازلنا نعيش فى ظل نظام مبارك. وقد نشرت بوابة الأهرام الإلكترونية على لسان ما أسمته "مصدر مسئول" تفاصيل الصفقة، وتشير التفاصيل إلى أن الجانب الأمريكى لن يدفع تكلفته فى الصفقة من جيبه بل من حساب دول أخرى (المفارقة أنها عربية) والمعنى أن الدول العربية لاتدفع – ولن تدفع- لنا إلا بأوامر أمريكية, بعبارة أخرى فإن الطريق إلى قلب دول الخليج يمر عبر واشنطن، والذى يبدأ طريقها من إسرائيل!! سوف تحزن عندما تعلم أن واشنطن طالبت الدول العربية بتقديم تلك المساعدات إلى مصر, فاستجابت, كما وعدت واشنطن بالضغط على الدول الأوروبية التى أعلنت فى السابق عن تقديم مساعدات لدول الربيع العربى، ومن بينها مصر التى ستحصد وحدها عشرين مليار دولار, مما يعنى أن أمريكا عقدت الصفقة ونفذتها مصر وستدفع فاتورتها عواصم أوروبية وخليجية. لعل السؤال الذى ينبغى طرحه الآن هو: هل الرفض الشعبى لتلك الصفقة, سببه الفكرة فى حد ذاتها أم لأن الصفقة جرت مع الأمريكان أم لأنها جاءت على جثة الكرامة الوطنية أم لأنها صفقة هزيلة أم لكل تلك الأسباب مجتمعة؟ إجابة السؤال السابق ستحدد موقفنا من الصفقة, خاصة أن تاريخ العالم يعرف أن الصفقة فعل سياسى مبرر, فلا يوجد اعتراض على الصفقة كمبدأ أو وسيلة لكن الاعتراض دائمًا سيكون حول طبيعة وتفاصيل وشروط تلك الصفقة وعندى هنا ملاحظات حول تفاصيل الصفقة، كما نشرتها بوابة الأهرام. 1-البداية مع هبوط الطائرات الحربية الأمريكية إلى مطار القاهرة دون الحصول على إذن بالهبوط, إمعانا فى سياسة الغطرسة والإذلال وحتى تصل رسالة قوية للسلطات المصرية تحمل معنى (أمريكا فوق القانون). 2-أدت الصفقة إلى انتهاك حرمة القضاء المصرى وتأكد العالم أن أى دولة يمكنها إبرام صفقة مع نظيرتها المصرية تتيح لها انتهاك القضاء المصرى ودهس القوانين المصرية بالأقدام. 3-أكدت الصفقة أن مفاتيح خزائن دول الخليج بيد واشنطن, تفتحها وتغلقها وقتما تريد, وعندما صدرت الأوامر من أمريكا بتقديم المساعدات والقروض إلى مصر جرت الاستجابة. 4-فى صفقة المجلس العسكرى مع واشنطن فقد حصلت الأخيرة على ثمن الصفقة وهو عودة المتهمين الأمريكان إلى واشنطن بينما وعود المساعدات المالية لمصر لم يتم تنفيذها, فماهى ضمانات التنفيذ بعد سفر المتهمين. لا اعتراض عندى فى إبرام صفقة مع الولاياتالمتحدة أو أى دولة فى العالم طالما ستحقق لمصر فوائد مهمة, لكن فى تلك الصفقة فإن حجم الخسائر أعلى كثيرا من حجم المكاسب, فإذا كنا سنحصل على المساعدات المالية (لاتوجد ضمانات بذلك) لكن فى مقابل ذلك جرى انتهاك سيادتنا الوطنية أمام أعيننا بهبوط الطائرات الأمريكية دون إذن, كما جرى انتهاك محراب العدالة, فكيف يسمونها صفقة ناجحة بينما قد جرت على حساب كرامتنا الوطنية, حاسبوا وحققوا ثم حاكموا كل من وضعنا جميعا فى هذا الموقف المتدنى, مصر أكبر وأعلى وقد صرخ شبابها قائلين: ارفع راسك فوق أنت مصرى لكن هذا الشعار لم يسمع به من تفاوض فى تلك الصفقة.