الفراغ الأمنى ليس لغزًا.. فالشرطة المصرية انهارت بالكامل منذ 28 يناير 2011.. والانهيار لم يكن خاصًا بالمبانى والمقار التى أُحرقت ودمرت وتحولت إلى أشلاء وأطلال، ولم يبق منها إلا آثار زنازين محترقة وذكريات مساجين منقوشة على جدرانها. الانهيار فى حقيقته كان انهيارًا نفسيا عاتيا، إذ لم يرد على خاطر أى ضابط شرطة، بأنه فى يوم من الأيام سيمسى فى مثل هذا الحال الذى يبعث على الشفقة. الفراغ الأمنى ليس تقصيرا.. وإنما نتيجة طبيعية للزلزال الكبير الذى وقع فى مصر يوم 25 يناير 2011 والأيام التى تلته.. الشرطة اليوم تحاول لملمة أشلائها.. وتضميد جراحها، وإعادة الثقة فيما تبقى لها من قوات مهزومة ومنهكة ومتعبة ولا تقوى على رفع عينيها التى انكسرت. يتهم البعض الشرطة بالتقصير.. وقد يكون هناك تقصير وكسل.. وربما قدر من عدم الاكتراث والاهتمام.. ولكن من "العدل" أن نقيّم الوضع فى سياق ما لحق بالشرطة من هزيمة نفسية كبيرة ومدوية.. الأزمة إذن ليست أزمة "تقصير" وإنما محنة إعادة بناء جادة وحقيقية مع قطعية جذرية مع تراث وماضى مبارك الأمنى. الفراغ الأمنى سيظل إلى أجل غير مسمى.. وقد يختفى بالتدرج مع استعادة الشرطة لعافيتها بمضى الوقت.. هذه قناعة "موضوعية" بحسب زعمى، غير أن المشكلة تتعلق بتآكل شرعية الدولة فى هذا الملف على وجه الخصوص، وتراجعها أمام "شرعيات" أخرى غير رسمية قد تتمدد لملء هذا الفراغ. ولعلنا نتذكر كيف تُرك لجماعات سياسية معينة مهمة تأمين "ميدان التحرير" ومرافق ومنشآت بما فيها مجلس الشعب، وهو القرار الذى منح "شرعية ضمنية" لقوى وتيارات سياسية ليس من وظيفتها القيام بدور أمني.. فيما يعتبر تنازلا من الدولة عن حقوقها لصالح كتل سياسية منظمة وذات جماهيرية كبيرة. حوادث الاعتداء على السياسيين مؤخرا على الطرق الرئيسية، اكتشف أنها ليست لأسباب سياسية وإنما بدافع السطو والسرقة.. وربما يحدث مثلها كثير يوميا، غير أن تعرض عوام الناس لها أخفاها إلى أن راح ضحيتها ذوات الوجاهة السياسية والاجتماعية. وفى تقديرى الشخصى أن تأمين الطرق الصحراوية الشهيرة ليلا لا يحتاج فسحة من الوقت إلى أن يسترد الجهاز الأمنى صحته المنهكة.. فهى لا تحتاج أكثر من دوريات وكمائن من قوات محدودة ومشتركة من الجيش والشرطة. أعلم أن الشرطة الآن غير مؤهلة لتأمين بلد كبير مثل مصر.. ولكنها تستطيع تأمين طريق زراعى أو صحراوى والتصدى للصوص.. هذه المهمة ملحة وضرورية قبل أن يجد الناس أنفسهم أمام خيار بالغ الخطورة، وهو تولى مهمة الأمن بأنفسهم.. وهى مقدمة فى ظل الفوضى فى انتشار السلاح غير المرخص لتأسيس مليشيات مسلحة خارج سيطرة السلطات الشرعية.. وربنا يستر. [email protected]