قدر مصر أن يكون جيشها في مركز ثقلها الثورى عبر تاريخ نضالها السياسي ضد السلطة الفاسدة.. وكما قال المستشار طارق البشري إن المرة الوحيدة التي غاب عنها الجيش، هي ثورة 19 لأنه لم يكن بمصر في ذلك الوقت وإنما كان في السودان في مهمة قتالية. الجيش كان حاضرا في الثورة التي جاءت ب محمد على عام 1805 وفي ثورة عرابي عام (1881 1882)، وثورة يوليو 1952 وثورة يناير 2011. مصر الحديثة تأسست على جيشها الوطني في عهد محمد على.. ولا يزال الجيش يمثل "الرصيد الأكبر" للمجتمع المصري وقت الأزمات.. بلغ حد الاعتماد عليه في عهد الرئيس السابق، لحل مشاكل الخبز والإسكان والطرق والصحة والتعليم.. ما كان مؤشرا على انهيار ما يعرف ب"الدولة المدنية" في عصر مبارك. مصر في فترة مبارك كانت تعاني فعلا من فراغ سياسي وابداعي كبير شغله الفساد المالي والاداري والسياسي، حتى بات جزءا من الدولة وأكبر بكثير من امكانياتها.. ومن شاء أن يتعرف على حجم الكارثة، فما عليه كعينة إلا أن يتجول في القاهرة وبين أحيائها ليرى كيف دمر فساد مبارك وعائلته وحاشيته واحدة من أجمل عواصم العالم. الجيش كان في حالة تماس مع الحالة المصرية، ولم يكن بعيدا عنها بحال، وإن بدا المشهد وكأنه غائب عنا في ثكناته الممتدة في عمق صحراء مصر البعيدة.. رغم أن مبارك كان يعتمد عليه كثيرا في اسناد مهام مدنية إليه، كلما فشلت حكوماته المتعاقبة في إنجازها.. لم نشعر حينها بأن تدخله "خصما" من الحياة المدنية.. وإنما "إضافة" حضارية لها، بسبب شعورنا بالاعجاب تجاه انضباطه وسرعه انجازه لأية مشروع يسند إليه خاصة فيما يتعلق بالبنية الأساسية. واليوم يتولى الجيش المهمة الأصعب، منذ الإطاحة بالرئيس السابق، وبعد 38 عاما من الانجاز العسكري الكبير، الذي سجله الجيش المصري، في ذاكرة العالم والأمة.. حين سحق الجيش الإسرائيلي، ولينهي أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" إلى الأبد.. إذ لم يسجل الاسرائيلون أي انتصار عسكري لهم منذ حرب اكتوبر عام 1973 إلا على المدنيين والمخيمات.. حتى انهم فشلوا في كسر شوكة عصابة مسلحة تهيمن على جنوب لبنان. اليوم الجيش أمام اختبار وطني كبير لا يقل من حيث اهميته ودقته وحساسيته من حرب أكتوبر المجيدة.. إنه اختبار "السلطة".. ونحن واثقون بأنه عند وعده بتسليم البلد إلى حكومة وطنية مدنية منتخبة.. وإلى مؤسسات ديمقراطية ودستورية واعدة.. وأنه سيعيد للشعب المصري كرامته التي أهدرها مبارك داخل أجهزة امنه الوحشية.. كما اعادها إليه يوم أن أذل الجيش الاسرائيلي وأسترد سيناء وثأر لشهداء مصر الابرار. تهنئة وتحية لجيش مصر العظيم في ذكرى انتصاره الرائع.. وكل عام وانتم بخير. [email protected]