يقف الإسلاميون، اليوم، ونحن على أعتاب شهر مارس على حافة أيام مهمة فى تاريخ الثورة المصرية، فنحن بحسب الميقات الزمنى، الذى حدده العسكر أمام أشهر ثلاثة قادمة ينوون كتابة الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية فيها، وهما أعظم أمرين فى كيان أى دولة. أولاً: قضية المرشحين للرئاسة والرئيس التوافقى: من الطبيعى أن نرى فى الأيام المقبلة وأثناء فتح باب الترشح وما بعده مفاجآت ومفاجآت، سنرى عددًا لا بأس به من الوجوه الجديدة/ القديمة تدخل فى السباق، وتنافسًا مستعرًا بين كل من حازم أبو إسماعيل وعبد المنعم أبو الفتوح والتوافقى المنتظر، وهى منافسة ستكون شرسة لأبعد درجة ممكنة لا يعرف سترجح كفة من فى النهاية إلا الله عز وجل؛ إذ التوقعات وحدها لا تكفى، والقراءة السياسية تقول إن جماعة بحجم الإخوان المسلمين ستقف خلف مرشح ما أيًا كان اسمه فإنها ستكون مؤثرة إلى درجة ملحوظة فى هذا السباق، وإن كان الموجودون منذ أشهر مضت أوفر نصيبًا ممن سيكون أمامه أيامًا معدودات قد لا يستطيع فيها أن يقنع الناس به، فضلاً عن انقسام شباب الإخوان بين أبو الفتوح وأبو إسماعيل والعوا، وميل معظم شباب التيار السلفى إلى أبو إسماعيل. فمهمة التوافقى ستكون صعبة فى إقناع الناس به؛ هذا فضلاً عن الحساسية المفرطة والرفض العام لفكرة التوافقى وإن كان ذا خلفية إسلامية؛ لأن المؤيدين للفكرة لا يملكون أدلة مقنعة لأنصارهم، فضلا عن الشارع لترجيح كفته؛ خاصة أن هذه الفكرة لم تبرز أثناء الانتخابات البرلمانية، ثم إننا رأينا طبيعة التوافقية وما تمخضت عنه فى كل تونس واليمن؛ ففى تونس يناكف الرئيس المرزوقى حزب النهضة الإسلامى فى الصيغة النهائية للدستور وطبيعة الشريعة الإسلامية فيها، بل رؤيته لكل ما هو إسلامى عمومًا، وفى اليمن تمخض المشهد الثورى على رئيس ظل نائبًا للمجرم على عبد الله صالح لمدة 18 عامًا متصلة، وأُجبر الشعب عليه بحجة المبادرة الخليجية، بل إننا نقرأ أنه سيقيم حفلة توديع للقاتل على عبد الله صالح (!!) فالفكرة أن التوافقى لا يساعد على التوافق بل على الشقاق والخلاف وعدم تحقيق أهداف الثورات الحقيقية، فضلا عن وضع الأمريكان فى الحسبان. ثانيًا: دعا المجلس العسكرى مجلسى الشعب والشورى للانعقاد يوم 3 مارس القادم ليختاروا لجنة المائة، ومن ثم الشروع فى كتابة الدستور والاستفتاء عليه، ولما رأينا أن حزب الحرية والعدالة والنور لا مانع عندهم فى كتابة الدستور فى شهر أو شهرين مخالفين بذلك الإعلان الدستورى ومتوائمين مع الرؤية العسكرية التى أعلنت عن ذلك صراحة على لسان وزير مجلسى الشعب والشورى فى يناير الماضى؛ فإنه لزام علينا أن نؤكد عليهم مرة أخرى أن هذا يتعارض مع الإعلان الدستورى بل مع الديمقراطية التى ينادون باحترامها، وقد بينت فى مقال سابق بعنوان "الإسلاميون وكارثة الدستور أولاً" العواقب الوخيمة لكتابة الدستور قبل الانتخابات الرئاسية؛ خاصة موضوع "مجلس الدفاع الوطنى" و "طبيعة وضع القوات المسلحة فى الدستور الجديد" و"طبيعة الحريات والعلاقة بين الدولة والفرد" و"صلاحيات الرئيس" فى هذا الدستور. ثالثًا: لا نريد أن يكون الرئيس القادم "إمعة" أو "طرطورًا" بلا صلاحيات حقيقية؛ لأن الميل للنظام البرلمانى وحده له مآلات سلبية كبيرة على الدولة والمواطن العادى؛ إذ الخلافات السياسية والانشقاقات البرلمانية والحزبية ستكون وحدها المسيطرة على المشهد السياسى ما ينعكس سلبًا على المشهد الاقتصادى والاجتماعى، وهذا ما نراه فى اليابان هذه الأيام؛ ثم هو نظام فى حالة الخلاف لا يجعل للحكومات أن تقر لها قرار، وانطلاقًا من قول الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).. فالتنازع والتناحر سبب أولى فى سقوط الأنظمة والدول والحضارات؛ فإننا نرجو أن يكون النظام المصرى أقرب للنظام الأمريكى فى هذه المرحلة؛ ليستطيع الرئيس بمعاونة مجلس الشعب والحكومة المستقرة أن ينهضا بهذه الدولة التى جُرفت على مدار عقود طويلة. رابعًا: لابد للإسلاميين و على رأسهم الإخوان المسلمون أن يصروا على تشكيل الحكومة الآن، واليوم قبل غد؛ لأن ملف تطهير المؤسسات الفاسدة، وإعادة هيكلتها؛ لا يمكن أن يقوى عليه مجلس الشعب وحده؛ وهو جهة رقابية وتشريعية قد يُخدع بالبيانات والتصريحات والوعود دون تحقيق الأهداف المنشودة؛ بل إن ترؤس الإسلاميين لهذه الحكومة سيكون عاملا أساسيًا لاستقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية بشهادة الخبراء وسيضعون أيديهم على الخلل الحقيقى؛ ويعرفون بالاقتراب من هذه الوزارات من المفسد والمصلح، فيطهرون بأيديهم ما أفسده الآخرون، ويعرفون بأنفسهم حقيقة الأوضاع فى مصر، وقديمًا قال الحكماء: "ما حكّ جلدك مثل ظفرك"، ثم إن تشكيل الحكومة يعنى أن السلطة التنفيذية وهى من أهم السلطات فى العالم الثالث والأنظمة المركزية قد أصبحت أخيرًا فى يد من يمثلون الشعب، ويتكلمون باسمه، ويشعرون بآلامه؛ وهذا انتقال مهم من خانة المتفرجين إلى خانة الفاعلين الحقيقيين، ثم هناك هدف إستراتيجى فى غاية الأهمية لترؤس الإسلاميين لهذه الحكومة الآن يتمثل فى ضمانة عدم الانقلاب على ما تبقى من المرحلة الانتقالية. هذه أربع قضايا جوهرية على الإسلاميين باعتبارهم أغلبية مجلسى الشعب والشورى، والتيار الذى بات معبرًا عن توجهات الناس ورؤاهم أن يضعوها فى حسبانهم، وأن يفهموا أن النيابة عن الشعب لا تعنى عدم الرجوع له فى القضايا المفصلية الكلية الكبرى.