بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترامب: جميع دول العالم ترغب في الانضمام إلى مجلس السلام حول غزة    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    أقرب إلى الخلع، وزير الآثار الأسبق يكشف مفاجآت عن وثيقة الجواز والطلاق في عصر الفراعنة    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    وزير الدفاع الروسي: قوات الصواريخ والمدفعية تلعب الدور الحاسم في تدمير العدو    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    إنهاء تعاقد مُعلم في نجع حمادي بتهمة التعدي على تلميذ    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    أحمد موسى: الرئيس دائمًا يؤكد قيمة الوحدة الوطنية.. ودعم البوتاجاز مثال على اهتمام الدولة    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    وزارة الاتصالات تنفذ برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني على مستوى 14 محافظة    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    الفنانون يدعمون تامر حسنى فى أزمته الصحية.. هنا الزاهد ودياب: تقوم بالسلامة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور سلاح فى يد الشعب لا الحكومة أو النظام أو المجلس العسكرى
نشر في الوفد يوم 24 - 07 - 2011

خلال الشهور القليلة الماضية تابعت عن كثب ممزوج بالإمتعاض والضجر الجدل والحوار الساخن حول قضيتى الإنتخابات البرلمانية والدستور- أيهما يأتى أولا- بين فريق جماعة الإخوان المسلمين وفريق العلمانيين والليبراليين، ولاحظت أن سمات الشك والريبة بل والتربص أيضا تسيطر على الأطراف المتحاورة بينما المجلس العسكرى الحاكم حائر يتأرجح موقفه بين الفريقين يحاول إرضاء كلا منهما بعد أن " زنق" نفسه فى " كورنر" بأمرين: إستفتاء 19 مارس على التعديلات الدستورية والذى أكتشف البعض أنه قد جرى مبكرا جدا، والوعد الذى قطعه المجلس على نفسه بإجراء الإنتخابات البرلمانية فى موعد معين دون تأجيل، .. وطبعا كل فريق له وجهة نظره وأسانيده وحججه التى يدافع بها بضراوة عن صحة موقفه ، لكن يبدو لى أن الجميع بما فيهم المجلس العسكرى قد غابت عنهم عدة حقائق نتيجة وقوع سلسلة من الأخطاء منذ البداية زادت الطين بلة، وكشفت عن حالة من التخبط وقصر النظر وغياب الرؤية الشاملة الواضحة ، وعدم الفهم العميق لمعنى وأهمية الدستور فى أى عملية إصلاح سياسى حقيقى،.. وقد يكون من الضرورى هنا أن نسلط الضوء على هذه الأخطاء والحقائق الغائبة بعقل بارد ورؤية واضحة دون أن نتخذ مواقف مسبقة ضد أى طرف من الأطراف فى النقاط التالية:
(1) : إن شرعية حكم المجلس العسكرى وإدارة شئون البلاد خلال الفترة الإنتقالية هى شرعية باطلة إذا كنا نتكلم من ناحية الشرعية الدستورية، ذلك لأن الدستور المصرى- دستور 1971 – ينظم عملية إنتقال السلطة بطريقة معينة ليس فيها تولى المجلس العسكرى لشئون الحكم لا لفترة إنتقالية ولا دائمة.
(2) : إن الثورات الشعبية حدث عارض وإستثنائى فى تاريخ الأمم يلغى ما قبله ويوجب خلق وإستحداث أوضاع جديدة، وإنحياز المجلس العسكرى للثورة المصرية وإحتضانها قد أكسبه شرعية جديدة هى الشرعية الثورية، وهذه الشرعية الجديدة لم يشأ المجلس العسكرى أن يختارها لأنه لو فعل لتعين عليه إتخاذ سلسلة من الإجراءات الثورية هو لا يريد أن يتخذها وربما غير قادر على إتخاذها، وقد تكون له أسبابه ومبرراته، ولكن هذه السلسلة من الإجراءات هى المطالب التى لا يزال الثوار حتى يومنا هذا يطالبون بتحقيقها ، وهذه وحدها معضلة شائكة وكبيرة.
(3) : قام المجلس العسكرى بحل مجلسى الشعب والشورى وتعليق العمل بالدستور القديم، ثم قام بإصدار إعلان دستورى يتكون من عدد قليل من المبادىء،.. ثم قام بالدعوة لإجراء إستفتاء شعبى على تعديلات دستورية من تسع أو عشر مواد كان قد طالب بها الرئيس مبارك فى إحدى خطبه إلى الأمة خلال الثورة، بعد أن قام المجلس بتشكيل لجنة لإجراء التعديلات الدستورية لا يعرف أحد على أى أساس تم إختيار أعضائها خاصة أن بعضهم مشكوك فى حياده الواجب توافره بسبب الإنتماء إلى توجهات دينية وفكرية معينة ناهيك عن حقيقة أن أحدا لم يسمع بأن أحدهم من أساطين الفقه الدستورى، غير أن الطامة الكبرى هى أن تجرى المناقشات والمداولات على هذه التعديلات فى غرف مغلقة بعيدا عن الشعب المصرى صاحب الشأن والمصلحة المباشرة!... يعنى ثورة شعبية لا مثيل لها ورئيس مخلوع ، ولجنة مشكوك فى كيفية إختيار أعضائها لإجراء تعديلات دستورية حددها رئيس مخلوع.." طب إزاى؟!!! .. يعنى نقول خطوة لقدام ونرجع " مرشدير" ورا؟!! ... إنزل يا عم بالموسيقى وشريط فايزة... يا حلاوتك يا جمالك خليت لل.........إيه؟ "..
(4) : إن المادة 75 التى جرى تعديلها ينطبق عليها المثل الشعبى الذى يقول : " جه يكحلها عماها"، فجاء التعديل لإستبعاد شخصيات مصرية مرموقة ولها إحترام وشعبية كبيرة عند المصريين ، يحملون جنسيات أجنبية، ولهم زوجات أجنبيات .. وطبعا إستبعاد كل المصريين فى الخارج الذين يحملون جنسيات أجنبية أو متزوجون من غير المصريات من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وكأننا نقول لهم : "أنتم مصريون درجة ثانية أو ثالثة" ،.. فضلا عن تناقض هذا التعديل الجديد مع مادة أخرى فى الدستور تقضى بأن المصريين متساوون جميعا فى الحقوق والواجبات!.
(5) : إن الإستفتاء الذى جرى على التعديلات الدستورية فى 19 من مارس الماضى هو باطل من الناحية القانونية، لأن الإستفتاء كما هو معروف هو طرح سؤال فى مسألة معينة ويتم الإجابة عليه بنعم أو لا أما أن يتم طرح تسع مواد دستورية دفعة واحدة ومطلوب منى أن أجيب بنعم أو لا فهذا أمر غريب حقا، وماذا لو كنت أوافق على بعض هذه المواد ولا أوافق على بعضها الآخر؟ هل مطلوب منى إما أن أقبلها كلها أو أرفضها كلها؟... هو إحنا فى سوق الخضار .. مفيش نقاوة لو سمحت!! . لقد عشت فى كندا أكثر من ربع قرن من الزمان وقمت بالتصويت فى إنتخابات عديدة، لكنى لم أشهد سوى إستفتاءا واحدا فى كندا كلها جرى فى عام 1995 وكان يدور حول إجابة الناخب الكندى بنعم أو لا على سؤال واحد فقط : هل توافق على طلب حكومة إقليم " كيبيك" بالإنفصال عن الإتحاد الفيدرالى الكندى أم لا؟ .
(6) : إن سبب إجراء إستفتاء 19 مارس الماضى على التعديلات الدستورية فى رأيى – وهو رأى يحتمل الخطأ أو الصواب – هو أن المجلس العسكرى الذى ليس له خبرة سابقة فى السياسة وهذه ليست وظيفته قد أراد من خلاله أن يعرف الحجم الحقيقى للتيارات الدينية فى الشارع المصرى وخاصة عدد وحجم جماعة الإخوان المسلمين، والذين كانوا دوما يبالغون فى عدد أفراد الجماعة وقوتها.
(7) : إن إستماتة جماعة الإخوان المسلمين فى التمسك بنتيجة الإستفتاء بنعم لصالحهم رغم ما شاب عملية الإستفتاء من وقوع بعض المخالفات وأخطرها ترويج شائعة مغرضة عند المواطنين البسطاء والأميين خاصة فى القرى والنجوع بأن التصويت بنعم هو للدفاع عن الإسلام والحفاظ على المادة الثانية من الدستور على الرغم من أنها لم تكن ضمن المواد التسعة التى جرى تعديلها .. هذه الإستماتة فى التمسك بإجراء الإنتخابات البرلمانية أولا تنم عن ثقة مفرطة مسبقة عند قادة الجماعة فى أن الإخوان المسلمين سوف تكون لهم الأغلبية الساحقة فى البرلمان القادم الأمر الذى سيمكنهم من صياغة دستور جديد للبلاد على هواهم،.. هذه الثقة المفرطة ونبرة التعالى فى الخطاب الإخوانى السياسى جعلت الكثير من المصريين العلمانيين والليبرال والأحزاب السياسية الأخرى ىيشعرون بالقلق والتوجس من أجندة الإخوان السياسية إذا ما حصلوا على أغلبية فى البرلمان.
(8) : بعد الإنتهاء من نتيجة الإستفتاء على التعديلات الدستورية قام المجلس العسكرى بالإعلان عن إعلان دستورى جديد يتضمن 63 مادة دستورية مرة واحدة يحكم من خلاله المجلس طوال الفترة الإنتقالية، ودون إستشارة أحد من السياسيين أو طرحها على الرأى العام للمناقشة وإبداء الرأى قبل إعلانها ، فزاد الطين 63 بلة.
(9) : إعلان اللواء ممدوح شاهين مستشار المجلس العسكرى للشئون القانونية فى مداخلة تليفزيونية له أن المجلس العسكرى قد حصل على شرعيته من الإستفتاء الشعبى الذى جرى على التعديلات الدستورية كان سقطة كبيرة وخطأ فادحا، ما علاقة الإستفتاء بشرعية المحلس العسكرى؟! ، ولو إفترضنا جدلا أن الإستفتاء كان على شرعية المجلس هل كانت النتيجة ستكون 77 أم مائة وعشرة فى المائة؟
(10) : بعد كل ماسبق من خطوات وإجراءات،.. إعلان دستورى ثم تعديلات دستورية تلاها إستفتاء شعبى ثم إعلان دستورى من 63 مادة ثم ثم....الخ ، يخرج علينا المجلس العسكرى بالدعوة لإجراء حوار وطنى!!!!.... حوار وطنى على إيه إنشاء الله،.. حوار وطنى على ماذا يا سادة بعد أن وضعتم العربة أمام الحصان وضربتم عدة كراسى فى " الكلوب"؟!!
(11) : بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وقيام المجلس العسكرى بحل مجلسى الشعب والشورى والأحزاب القديمة بما فيها الحزب الوطنى الذى كان حاكما مستحكما، ودعوة المجلس لإنشاء أحزاب جديدة على أسس جديدة، انفتح الباب على مصراعيه أمام جميع التيارات السياسية والدينية من مختلف الأطياف للمشاركة فى الحياة السياسية، وخرجت على السطح جماعات التيار السلفى والتى كانت فى البداية تعارض ثورة الشباب وتعتبرها خروجا على الحاكم ثم إنضمت إليها عندما لاحت فى الأفق بوادر نجاح الثورة، تماما كما فعل الإخوان المسلمون،... وهذا التيار السلفى بدأ يستعرض قوته وينافس جماعة الإخوان فى الخطب الرنانة والشعارات الدينية البراقة التى تدغدغ مشاعر الملايين من المصريين البسطاء ، وبدأ كثير من المصريين من أفراد الطبقة الوسطى بشريحتيها الدنيا والوسطى يتساءلون فى دهشة ممزوجة بالخوف والهلع : من أين جاء هؤلاء؟ وأين كانوا يختبئون قبل ثورة 25 يناير؟!
وصاحب خروج الجماعات السلفية خروج كل جماعات الهوس الدينى وأصحاب المذاهب الطائفية الدينية والمذهبية والسياسية، حتى الحزب الشيوعى! ..
(12) : إن الهوس الدينى يا سادة يفتح الباب على مصراعيه أمام إثارة الفتن الدينية كى يصل إلى السلطة، والطائفية هى أسوأ أنواع الوصاية على الشعوب والمجتمعات، ذلك لأنها تستغل الدين لتحقيق مآرب وأهداف سياسية، وزعماء الطوائف الدينية يقدمون أنفسهم على أنهم " مرشدون"، بينما هم لا يرشدون ولا يحزنون، هم فقط يريدون أتباعا ليحصلوا على الأموال من خلال الإشتراكات والتبرعات لإستخدامها فى الإنفاق على الفقراء وأعمال الخير وهذه نقطة كبيرة تحسب لهم، ولكن أيضا فى الوصول إلى السلطة، .. هم يريدون أتباعا يبايعونهم على السمع والطاعة وإلغاء عقولهم، فليتركوا إعمال العقل للمرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد.
إننى لست ضد جماعة الإخوان المسلمين كجماعة دعوة دينية ولها الكثير من الأعمال الخيرية التى تخفف بها عن معاناة ملايين الفقراء وتكتب فى ميزان حسناتهم، كما أننى مع مشاركتهم فى الحياة السياسية فهذا حق لكل مواطن قادر على المشاركة لأن الإسلام دين حياة وليس دين رهبنة ، ولكنى ضد إستغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية.
إننى ضد قيام الأحزاب الطائفية الدينية وجماعات الهوس الدينى وهى كثيرة بإستثمار نتيجة إستفتاء 19 مارس الشعبى بالإصرار على إجراء أنتخابات برلمانية أولا حتى تتهيأ لها الظروف لفرض دستور جديد للبلاد يسمى الدستور الإسلامى – إسم رنان بلا شك – لتمكين تلك الأحزاب من فرض حكم شمولى يتستر خلف الدين الحنيف ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية، وبعضنا عاصر ما حدث من تجارب فى إيران والسودان وغزة.
إن السياسة والدين كلاهما فى حاجة إلى الإقناع والإقتناع والتفكير لا التكفير، ونبذ الآخر وإتهامه بأوصاف الخيانة والعمالة والزندقة.
نعود مرة أخرى إلى موضوعنا الأصلى وهو الجدل الساخن بل الحرب الأهلية الكلامية بين فريق جماعة الإخوان من جانب وفريق العلمانيين والليبراليين من جانب آخر، وموقف المجلس العسكرى الحائر بينهما بشأن قضيتى الإنتخابات البرلمانية والدستور الجديد وأيهما أولا،.. بدلا من الدخول فى معارك كلامية وحرب بسوس ، كان يتعين على كل منا أن يسأل نفسه سؤالا بديهيا: أين تكمن مصلحة المواطن ومصلحة مصر ومصالح البلاد العليا على المدى القريب والمتوسط والبعيد؟،.. ماهو الصح لمصر وللمواطن المصرى بغض النظر عن الإنتماءات الحزبية أو الأجندات السياسية أو الدينية؟، .. إن العقل والمنطق والحكمة والمصلحة العليا لمصر تقتضى منا جميعا أن نؤسس لوضع دستور جديد للبلاد يستمر إلى مالا نهاية،.. كان يتعين على المجلس العسكرى أن يدعو من البداية إلى وضع دستور جديد للبلاد،.. أعرف أن أصواتا كثيرة سوف تصرخ فى إحتجاج قائلة: وكيف نضع دستورا جديدا دون نواب برلمان منتخبون؟! ، وسوف أرد عليهم بهدوء قائلا: ومن قال لكم أن الدستور الأمريكى قد وضعه نواب منتخبون؟ لقد تم إرسال دعوات إلى الخمسين ولاية أمريكية لإرسال ممثلين عن كل ولاية إلى مدينة فيلادلفيا، وجرت إجتماعات ومؤتمرات جرت فيها مشاورات وحوارات وجدل بناء أشترك فيها الجميع، لكن الذين وضعوا الدستور فى النهاية نخبة من العلماء والفلاسفة والمفكرين والقانونيين ورجال دولة استوعبوا كل ما جرى من مشاورات وحوارات ونحوا جانبا إنتماءاتهم الحزبية والطائفية ووضعوا فى النهاية دستورا أمريكيا تتميز مواده بالحكمة وبعد النظر،.. دستورا لجيلهم وللأجيال القادمة إلى ما لا نهاية.
فى الدول الغربية المتقدمة وقد عشت فى كثير منها يعلمون الأطفال وطلاب المدارس ثقافة الدستور كما يعلمونهم إشارات المرور، لكن للأسف عندنا فى مصر ، وطوال الستة عقود الماضية فإن ثقافة إحترام الدستور عندنا تكاد تكون غائبة عند الصغار والكبار،.. حكامنا ووزراؤنا الذين يقسمون عند توليهم مناصبهم على إحترام الدستور هم أول من يخالفون مواده ويضربون بها عرض الحائط ، ويمررون قوانين غير دستورية ما أنزل الله بها من سلطان.
إن الدستور هو القانون الأعلى،.. هو أبو القوانين، وهو لا يوضع من فراغ بل يستلهم كل القيم والمثل العليا والأخلاقية التى تحض عليها جميع الإديان السماوية مع هضم لكل التجارب الإنسانية والتاريخية،.. والسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية كلها مستقلة منفردة لكنها تتعاون فيما بينها على هدف تحقيق سيادة الشعب والتى تتحقق بسيادة القانون.
الدستور أولا ثم إنتخابات برلمانية حرة حتى يتسنى لنا أن نقيم بحق حكومة القانون، والتى بدونها لن يكون هناك إصلاح حقيقى من أى نوع.
فى ثقافتنا المصرية نحن نقول أن الأمة مصدر السلطات، وهو تعبير ربما لا يعبر تعبيرا دقيقا عن المعنى المقصود به ومنه،.. هو تعبير مهذب كبديل عن تعبير آخر أكثر صراحة ألا وهو أن الشعب هو السيد على كل السلطات الثلاث،.. هى بالفعل سلطات للحكم وتنفيذ القوانين وإصدار التشريعات، غير أنها جميعها موظفة لخدمة السيد الحقيقى لها ألا وهو الشعب.
إن الدستور أيها السيدات والسادة الكرام ليس وكما يتوهم معظمنا أنه أداة فى يد الحكومة أو النظام الحاكم للسيطرة على الشعب، بل على العكس هو أهم أداة فى يد الشعب للسيطرة على الحكومة وكل مؤسساتها خشية أن تقوم الحكومة أو النظام أو أى مؤسسة فيه بالسيطرة أو التسلط على الشعب وعلى مقدراته وهو ما يحدث عندنا منذ عقود.
الشعب هو السيد الحقيقى والحاكم والنظام بكل مؤسساته هم جميعا خدام عند الشعب الذى يدفع لهم مرتباتهم ومخصصاتهم وفواتير علاجهم ، .. هذا هو الوضع الطبيعى، أما الغير طبيعى فهو أن يكون الخادم هو الذى يتحكم فى سيده،.. أن يكون العامل هو الذى يتحكم فى صاحب العمل،..وأن يكون المستأجر هو الذى يتحكم فى المالك.
ويقول توماس جيفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والرجل الذى كتب وثيقة الحقوق الأمريكية: " عندما يخشى الناس الحكومة فهذا مؤشر على وجود طغيان، لكن عندما تخشى الحكومة الشعب فهذا يعنى تمتع الشعب بالحرية"،... لكن فى ثقافتنا المصرية والعربية التى إستمرأت الإستبداد والطغيان فإن الأنظمة الحاكمة تريد لشعوبها أن تخشى النظام تحت دعاوى واهية يطلقون عليها إسم " هيبة النظام" أو " هيبة الدولة" ،.. للأسف هم يفهمون هيبة الدولة خطأ ..خيبة النظام أو الدولة لا تتحقق عند الشعب بالخوف والخنوع والرعب من النظام الحاكم، بل تتحقق بنجاح النظام فى خدمة الشعب وتحقيق مجتمع الكفاية والعدل والرفاهية.
كاتب صحفى مصرى – كندى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.