«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور سلاح فى يد الشعب لا الحكومة أو النظام أو المجلس العسكرى
نشر في الوفد يوم 24 - 07 - 2011

خلال الشهور القليلة الماضية تابعت عن كثب ممزوج بالإمتعاض والضجر الجدل والحوار الساخن حول قضيتى الإنتخابات البرلمانية والدستور- أيهما يأتى أولا- بين فريق جماعة الإخوان المسلمين وفريق العلمانيين والليبراليين، ولاحظت أن سمات الشك والريبة بل والتربص أيضا تسيطر على الأطراف المتحاورة بينما المجلس العسكرى الحاكم حائر يتأرجح موقفه بين الفريقين يحاول إرضاء كلا منهما بعد أن " زنق" نفسه فى " كورنر" بأمرين: إستفتاء 19 مارس على التعديلات الدستورية والذى أكتشف البعض أنه قد جرى مبكرا جدا، والوعد الذى قطعه المجلس على نفسه بإجراء الإنتخابات البرلمانية فى موعد معين دون تأجيل، .. وطبعا كل فريق له وجهة نظره وأسانيده وحججه التى يدافع بها بضراوة عن صحة موقفه ، لكن يبدو لى أن الجميع بما فيهم المجلس العسكرى قد غابت عنهم عدة حقائق نتيجة وقوع سلسلة من الأخطاء منذ البداية زادت الطين بلة، وكشفت عن حالة من التخبط وقصر النظر وغياب الرؤية الشاملة الواضحة ، وعدم الفهم العميق لمعنى وأهمية الدستور فى أى عملية إصلاح سياسى حقيقى،.. وقد يكون من الضرورى هنا أن نسلط الضوء على هذه الأخطاء والحقائق الغائبة بعقل بارد ورؤية واضحة دون أن نتخذ مواقف مسبقة ضد أى طرف من الأطراف فى النقاط التالية:
(1) : إن شرعية حكم المجلس العسكرى وإدارة شئون البلاد خلال الفترة الإنتقالية هى شرعية باطلة إذا كنا نتكلم من ناحية الشرعية الدستورية، ذلك لأن الدستور المصرى- دستور 1971 – ينظم عملية إنتقال السلطة بطريقة معينة ليس فيها تولى المجلس العسكرى لشئون الحكم لا لفترة إنتقالية ولا دائمة.
(2) : إن الثورات الشعبية حدث عارض وإستثنائى فى تاريخ الأمم يلغى ما قبله ويوجب خلق وإستحداث أوضاع جديدة، وإنحياز المجلس العسكرى للثورة المصرية وإحتضانها قد أكسبه شرعية جديدة هى الشرعية الثورية، وهذه الشرعية الجديدة لم يشأ المجلس العسكرى أن يختارها لأنه لو فعل لتعين عليه إتخاذ سلسلة من الإجراءات الثورية هو لا يريد أن يتخذها وربما غير قادر على إتخاذها، وقد تكون له أسبابه ومبرراته، ولكن هذه السلسلة من الإجراءات هى المطالب التى لا يزال الثوار حتى يومنا هذا يطالبون بتحقيقها ، وهذه وحدها معضلة شائكة وكبيرة.
(3) : قام المجلس العسكرى بحل مجلسى الشعب والشورى وتعليق العمل بالدستور القديم، ثم قام بإصدار إعلان دستورى يتكون من عدد قليل من المبادىء،.. ثم قام بالدعوة لإجراء إستفتاء شعبى على تعديلات دستورية من تسع أو عشر مواد كان قد طالب بها الرئيس مبارك فى إحدى خطبه إلى الأمة خلال الثورة، بعد أن قام المجلس بتشكيل لجنة لإجراء التعديلات الدستورية لا يعرف أحد على أى أساس تم إختيار أعضائها خاصة أن بعضهم مشكوك فى حياده الواجب توافره بسبب الإنتماء إلى توجهات دينية وفكرية معينة ناهيك عن حقيقة أن أحدا لم يسمع بأن أحدهم من أساطين الفقه الدستورى، غير أن الطامة الكبرى هى أن تجرى المناقشات والمداولات على هذه التعديلات فى غرف مغلقة بعيدا عن الشعب المصرى صاحب الشأن والمصلحة المباشرة!... يعنى ثورة شعبية لا مثيل لها ورئيس مخلوع ، ولجنة مشكوك فى كيفية إختيار أعضائها لإجراء تعديلات دستورية حددها رئيس مخلوع.." طب إزاى؟!!! .. يعنى نقول خطوة لقدام ونرجع " مرشدير" ورا؟!! ... إنزل يا عم بالموسيقى وشريط فايزة... يا حلاوتك يا جمالك خليت لل.........إيه؟ "..
(4) : إن المادة 75 التى جرى تعديلها ينطبق عليها المثل الشعبى الذى يقول : " جه يكحلها عماها"، فجاء التعديل لإستبعاد شخصيات مصرية مرموقة ولها إحترام وشعبية كبيرة عند المصريين ، يحملون جنسيات أجنبية، ولهم زوجات أجنبيات .. وطبعا إستبعاد كل المصريين فى الخارج الذين يحملون جنسيات أجنبية أو متزوجون من غير المصريات من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وكأننا نقول لهم : "أنتم مصريون درجة ثانية أو ثالثة" ،.. فضلا عن تناقض هذا التعديل الجديد مع مادة أخرى فى الدستور تقضى بأن المصريين متساوون جميعا فى الحقوق والواجبات!.
(5) : إن الإستفتاء الذى جرى على التعديلات الدستورية فى 19 من مارس الماضى هو باطل من الناحية القانونية، لأن الإستفتاء كما هو معروف هو طرح سؤال فى مسألة معينة ويتم الإجابة عليه بنعم أو لا أما أن يتم طرح تسع مواد دستورية دفعة واحدة ومطلوب منى أن أجيب بنعم أو لا فهذا أمر غريب حقا، وماذا لو كنت أوافق على بعض هذه المواد ولا أوافق على بعضها الآخر؟ هل مطلوب منى إما أن أقبلها كلها أو أرفضها كلها؟... هو إحنا فى سوق الخضار .. مفيش نقاوة لو سمحت!! . لقد عشت فى كندا أكثر من ربع قرن من الزمان وقمت بالتصويت فى إنتخابات عديدة، لكنى لم أشهد سوى إستفتاءا واحدا فى كندا كلها جرى فى عام 1995 وكان يدور حول إجابة الناخب الكندى بنعم أو لا على سؤال واحد فقط : هل توافق على طلب حكومة إقليم " كيبيك" بالإنفصال عن الإتحاد الفيدرالى الكندى أم لا؟ .
(6) : إن سبب إجراء إستفتاء 19 مارس الماضى على التعديلات الدستورية فى رأيى – وهو رأى يحتمل الخطأ أو الصواب – هو أن المجلس العسكرى الذى ليس له خبرة سابقة فى السياسة وهذه ليست وظيفته قد أراد من خلاله أن يعرف الحجم الحقيقى للتيارات الدينية فى الشارع المصرى وخاصة عدد وحجم جماعة الإخوان المسلمين، والذين كانوا دوما يبالغون فى عدد أفراد الجماعة وقوتها.
(7) : إن إستماتة جماعة الإخوان المسلمين فى التمسك بنتيجة الإستفتاء بنعم لصالحهم رغم ما شاب عملية الإستفتاء من وقوع بعض المخالفات وأخطرها ترويج شائعة مغرضة عند المواطنين البسطاء والأميين خاصة فى القرى والنجوع بأن التصويت بنعم هو للدفاع عن الإسلام والحفاظ على المادة الثانية من الدستور على الرغم من أنها لم تكن ضمن المواد التسعة التى جرى تعديلها .. هذه الإستماتة فى التمسك بإجراء الإنتخابات البرلمانية أولا تنم عن ثقة مفرطة مسبقة عند قادة الجماعة فى أن الإخوان المسلمين سوف تكون لهم الأغلبية الساحقة فى البرلمان القادم الأمر الذى سيمكنهم من صياغة دستور جديد للبلاد على هواهم،.. هذه الثقة المفرطة ونبرة التعالى فى الخطاب الإخوانى السياسى جعلت الكثير من المصريين العلمانيين والليبرال والأحزاب السياسية الأخرى ىيشعرون بالقلق والتوجس من أجندة الإخوان السياسية إذا ما حصلوا على أغلبية فى البرلمان.
(8) : بعد الإنتهاء من نتيجة الإستفتاء على التعديلات الدستورية قام المجلس العسكرى بالإعلان عن إعلان دستورى جديد يتضمن 63 مادة دستورية مرة واحدة يحكم من خلاله المجلس طوال الفترة الإنتقالية، ودون إستشارة أحد من السياسيين أو طرحها على الرأى العام للمناقشة وإبداء الرأى قبل إعلانها ، فزاد الطين 63 بلة.
(9) : إعلان اللواء ممدوح شاهين مستشار المجلس العسكرى للشئون القانونية فى مداخلة تليفزيونية له أن المجلس العسكرى قد حصل على شرعيته من الإستفتاء الشعبى الذى جرى على التعديلات الدستورية كان سقطة كبيرة وخطأ فادحا، ما علاقة الإستفتاء بشرعية المحلس العسكرى؟! ، ولو إفترضنا جدلا أن الإستفتاء كان على شرعية المجلس هل كانت النتيجة ستكون 77 أم مائة وعشرة فى المائة؟
(10) : بعد كل ماسبق من خطوات وإجراءات،.. إعلان دستورى ثم تعديلات دستورية تلاها إستفتاء شعبى ثم إعلان دستورى من 63 مادة ثم ثم....الخ ، يخرج علينا المجلس العسكرى بالدعوة لإجراء حوار وطنى!!!!.... حوار وطنى على إيه إنشاء الله،.. حوار وطنى على ماذا يا سادة بعد أن وضعتم العربة أمام الحصان وضربتم عدة كراسى فى " الكلوب"؟!!
(11) : بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وقيام المجلس العسكرى بحل مجلسى الشعب والشورى والأحزاب القديمة بما فيها الحزب الوطنى الذى كان حاكما مستحكما، ودعوة المجلس لإنشاء أحزاب جديدة على أسس جديدة، انفتح الباب على مصراعيه أمام جميع التيارات السياسية والدينية من مختلف الأطياف للمشاركة فى الحياة السياسية، وخرجت على السطح جماعات التيار السلفى والتى كانت فى البداية تعارض ثورة الشباب وتعتبرها خروجا على الحاكم ثم إنضمت إليها عندما لاحت فى الأفق بوادر نجاح الثورة، تماما كما فعل الإخوان المسلمون،... وهذا التيار السلفى بدأ يستعرض قوته وينافس جماعة الإخوان فى الخطب الرنانة والشعارات الدينية البراقة التى تدغدغ مشاعر الملايين من المصريين البسطاء ، وبدأ كثير من المصريين من أفراد الطبقة الوسطى بشريحتيها الدنيا والوسطى يتساءلون فى دهشة ممزوجة بالخوف والهلع : من أين جاء هؤلاء؟ وأين كانوا يختبئون قبل ثورة 25 يناير؟!
وصاحب خروج الجماعات السلفية خروج كل جماعات الهوس الدينى وأصحاب المذاهب الطائفية الدينية والمذهبية والسياسية، حتى الحزب الشيوعى! ..
(12) : إن الهوس الدينى يا سادة يفتح الباب على مصراعيه أمام إثارة الفتن الدينية كى يصل إلى السلطة، والطائفية هى أسوأ أنواع الوصاية على الشعوب والمجتمعات، ذلك لأنها تستغل الدين لتحقيق مآرب وأهداف سياسية، وزعماء الطوائف الدينية يقدمون أنفسهم على أنهم " مرشدون"، بينما هم لا يرشدون ولا يحزنون، هم فقط يريدون أتباعا ليحصلوا على الأموال من خلال الإشتراكات والتبرعات لإستخدامها فى الإنفاق على الفقراء وأعمال الخير وهذه نقطة كبيرة تحسب لهم، ولكن أيضا فى الوصول إلى السلطة، .. هم يريدون أتباعا يبايعونهم على السمع والطاعة وإلغاء عقولهم، فليتركوا إعمال العقل للمرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد.
إننى لست ضد جماعة الإخوان المسلمين كجماعة دعوة دينية ولها الكثير من الأعمال الخيرية التى تخفف بها عن معاناة ملايين الفقراء وتكتب فى ميزان حسناتهم، كما أننى مع مشاركتهم فى الحياة السياسية فهذا حق لكل مواطن قادر على المشاركة لأن الإسلام دين حياة وليس دين رهبنة ، ولكنى ضد إستغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية.
إننى ضد قيام الأحزاب الطائفية الدينية وجماعات الهوس الدينى وهى كثيرة بإستثمار نتيجة إستفتاء 19 مارس الشعبى بالإصرار على إجراء أنتخابات برلمانية أولا حتى تتهيأ لها الظروف لفرض دستور جديد للبلاد يسمى الدستور الإسلامى – إسم رنان بلا شك – لتمكين تلك الأحزاب من فرض حكم شمولى يتستر خلف الدين الحنيف ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية، وبعضنا عاصر ما حدث من تجارب فى إيران والسودان وغزة.
إن السياسة والدين كلاهما فى حاجة إلى الإقناع والإقتناع والتفكير لا التكفير، ونبذ الآخر وإتهامه بأوصاف الخيانة والعمالة والزندقة.
نعود مرة أخرى إلى موضوعنا الأصلى وهو الجدل الساخن بل الحرب الأهلية الكلامية بين فريق جماعة الإخوان من جانب وفريق العلمانيين والليبراليين من جانب آخر، وموقف المجلس العسكرى الحائر بينهما بشأن قضيتى الإنتخابات البرلمانية والدستور الجديد وأيهما أولا،.. بدلا من الدخول فى معارك كلامية وحرب بسوس ، كان يتعين على كل منا أن يسأل نفسه سؤالا بديهيا: أين تكمن مصلحة المواطن ومصلحة مصر ومصالح البلاد العليا على المدى القريب والمتوسط والبعيد؟،.. ماهو الصح لمصر وللمواطن المصرى بغض النظر عن الإنتماءات الحزبية أو الأجندات السياسية أو الدينية؟، .. إن العقل والمنطق والحكمة والمصلحة العليا لمصر تقتضى منا جميعا أن نؤسس لوضع دستور جديد للبلاد يستمر إلى مالا نهاية،.. كان يتعين على المجلس العسكرى أن يدعو من البداية إلى وضع دستور جديد للبلاد،.. أعرف أن أصواتا كثيرة سوف تصرخ فى إحتجاج قائلة: وكيف نضع دستورا جديدا دون نواب برلمان منتخبون؟! ، وسوف أرد عليهم بهدوء قائلا: ومن قال لكم أن الدستور الأمريكى قد وضعه نواب منتخبون؟ لقد تم إرسال دعوات إلى الخمسين ولاية أمريكية لإرسال ممثلين عن كل ولاية إلى مدينة فيلادلفيا، وجرت إجتماعات ومؤتمرات جرت فيها مشاورات وحوارات وجدل بناء أشترك فيها الجميع، لكن الذين وضعوا الدستور فى النهاية نخبة من العلماء والفلاسفة والمفكرين والقانونيين ورجال دولة استوعبوا كل ما جرى من مشاورات وحوارات ونحوا جانبا إنتماءاتهم الحزبية والطائفية ووضعوا فى النهاية دستورا أمريكيا تتميز مواده بالحكمة وبعد النظر،.. دستورا لجيلهم وللأجيال القادمة إلى ما لا نهاية.
فى الدول الغربية المتقدمة وقد عشت فى كثير منها يعلمون الأطفال وطلاب المدارس ثقافة الدستور كما يعلمونهم إشارات المرور، لكن للأسف عندنا فى مصر ، وطوال الستة عقود الماضية فإن ثقافة إحترام الدستور عندنا تكاد تكون غائبة عند الصغار والكبار،.. حكامنا ووزراؤنا الذين يقسمون عند توليهم مناصبهم على إحترام الدستور هم أول من يخالفون مواده ويضربون بها عرض الحائط ، ويمررون قوانين غير دستورية ما أنزل الله بها من سلطان.
إن الدستور هو القانون الأعلى،.. هو أبو القوانين، وهو لا يوضع من فراغ بل يستلهم كل القيم والمثل العليا والأخلاقية التى تحض عليها جميع الإديان السماوية مع هضم لكل التجارب الإنسانية والتاريخية،.. والسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية كلها مستقلة منفردة لكنها تتعاون فيما بينها على هدف تحقيق سيادة الشعب والتى تتحقق بسيادة القانون.
الدستور أولا ثم إنتخابات برلمانية حرة حتى يتسنى لنا أن نقيم بحق حكومة القانون، والتى بدونها لن يكون هناك إصلاح حقيقى من أى نوع.
فى ثقافتنا المصرية نحن نقول أن الأمة مصدر السلطات، وهو تعبير ربما لا يعبر تعبيرا دقيقا عن المعنى المقصود به ومنه،.. هو تعبير مهذب كبديل عن تعبير آخر أكثر صراحة ألا وهو أن الشعب هو السيد على كل السلطات الثلاث،.. هى بالفعل سلطات للحكم وتنفيذ القوانين وإصدار التشريعات، غير أنها جميعها موظفة لخدمة السيد الحقيقى لها ألا وهو الشعب.
إن الدستور أيها السيدات والسادة الكرام ليس وكما يتوهم معظمنا أنه أداة فى يد الحكومة أو النظام الحاكم للسيطرة على الشعب، بل على العكس هو أهم أداة فى يد الشعب للسيطرة على الحكومة وكل مؤسساتها خشية أن تقوم الحكومة أو النظام أو أى مؤسسة فيه بالسيطرة أو التسلط على الشعب وعلى مقدراته وهو ما يحدث عندنا منذ عقود.
الشعب هو السيد الحقيقى والحاكم والنظام بكل مؤسساته هم جميعا خدام عند الشعب الذى يدفع لهم مرتباتهم ومخصصاتهم وفواتير علاجهم ، .. هذا هو الوضع الطبيعى، أما الغير طبيعى فهو أن يكون الخادم هو الذى يتحكم فى سيده،.. أن يكون العامل هو الذى يتحكم فى صاحب العمل،..وأن يكون المستأجر هو الذى يتحكم فى المالك.
ويقول توماس جيفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والرجل الذى كتب وثيقة الحقوق الأمريكية: " عندما يخشى الناس الحكومة فهذا مؤشر على وجود طغيان، لكن عندما تخشى الحكومة الشعب فهذا يعنى تمتع الشعب بالحرية"،... لكن فى ثقافتنا المصرية والعربية التى إستمرأت الإستبداد والطغيان فإن الأنظمة الحاكمة تريد لشعوبها أن تخشى النظام تحت دعاوى واهية يطلقون عليها إسم " هيبة النظام" أو " هيبة الدولة" ،.. للأسف هم يفهمون هيبة الدولة خطأ ..خيبة النظام أو الدولة لا تتحقق عند الشعب بالخوف والخنوع والرعب من النظام الحاكم، بل تتحقق بنجاح النظام فى خدمة الشعب وتحقيق مجتمع الكفاية والعدل والرفاهية.
كاتب صحفى مصرى – كندى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.