"الدستور أولا"، "الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية"، "مجلس رئاسى يقود البلاد"، "مبادئ حاكمة للدستور"، كل هذه وغيرها مبادرات أطلقها الشارع السياسى، وانتهت إلى عدم توافق.. وبالتالى لم تجد طريقها إلى التفعيل. والآن يستقبل المصريون أول مبادرة من طرف "الإسلاميين"، يدشنها "الإخوان" ويبدو أنها تحظى بقبول معقول من "الأحزاب الإسلامية"، وهى تشكيل "حكومة ائتلافية" بمشاركة كافة القوى السياسية و بقيادة حزب "الحرية و العدالة" باعتباره حزب الأغلبية النسبية فى "البرلمان". والواقع أن "المبادرة" تستحق التمسك بها والنضال من أجل إنفاذها، لأنها تؤثر إيجابًا على محاور المعادلة السياسية الثلاثة.. كيف؟ أولاً: من ناحية استلام السلطة من "المجلس العسكرى": إذ تعد "المبادرة" تطويرًا فعليًا لسيطرة "الثورة" على إدارة البلاد، وذلك عقب استقرار "السلطة التشريعية" بيد الشعب الذى انتخب "برلمان الثورة"، ويكتمل الأثر السياسى بأن تكون "سلطة التنفيذ" انتخابًا(شعبيًا) - ولكن أو أن هذا بعد إقرار الدستور - أو (ثوريًا) وهذا وقته الآن، ولأن "الإعلان الدستورى" لم يحدد علاقة سياسية بين انتخابات "البرلمان" وتشكيل "الحكومة" فقد كانت "المبادرة" حلاً للإشكال الحادث الآن بين "سلطة تشريعية" منتخبة شعبيًا، وحكومة "إنقاذ وطنى" شكَّلها "المجلس العسكرى", وبالتالى لا يمتلك "البرلمان" الحالى سلطة فى مواجهة هذه الحكومة، خاصة فى ظل قوانين قديمة تعرقل محاسبة الوزراء، كما حدث فى "كارثة بورسعيد". والحل الانتقالى المعقول الآن، أن تتقدم القوى السياسية المنتخبة شعبيا لتشكيل "حكومة ائتلافية" طبقًا لنسب التمثيل "بالبرلمان"، ومن شأن هذا أن يسحب "السلطة التنفيذية" من يد "العسكرى" بعد أن تم سحب "سلطة التشريع" منه. ثانيا: من ناحية (الرئيس) المنتخب القادم: لا شك أن تشكيل "حكومة ائتلافية" سيساهم إيجابًا فى انتخابات الرئاسة؛ إذ سيجعلها هادئة, لأن "الحكومة الائتلافية" ستضطلع بمطالب الشعب فى المرحلة الانتقالية، وستحظى بمساندة جماهيرية معقولة, كما أن تجارب الحكومات المرتعشة السابقة ستوفر لها مناخًا يسمح بقرارات حاسمة خاصة فيما يتعلق بالأمن والمظالم الوقتية والتنمية الاقتصادية قصيرة المدى، كل هذا من شأنه ألا يعلق كل مطالب الشعب برقبة "الرئيس", وبالتالى لن يجدد اشتباكات المعركة البرلمانية، وسيصدِّر أجواء مواتية لانتخابات الرئاسة يسهل معها التوافق على (رئيس) يحمل مشروعًا وطنيًا يحظى برضا واحترام الجميع، وتكون أجندته الأساسية منصبة على محورين.. 1- محور العسكر: حيث سيلعب "الرئيس" دورا مهما فى ضبط علاقة "الجيش" مع سلطات الدولة بحيث يتم ضمان السرية المطلوبة "لإستراتيجية الأمن القومى" من جهة، ومن جهة أخرى يكون متاحًا "للبرلمان"المعلومات الضامنة لشفافية الرقابة على عمليات "بناء الجيش". ولأن "الرئيس" المنتخب سيكون محل ثقة الجميع فى ضبط هذه العلاقة، فلن يكون ثمة مبرر من "العسكر" فى التدخل أو التأثير على العملية السياسية بعد ذلك، بل يتناغم الجميع فى ظل صلاحيات دستورية محترمة من الكافة. 2- المحور الخارجى: بحيث يتحمل "الرئيس" عملية ضبط العلاقات الخارجية وفق المشروع الوطنى لئلا تتأثر "الحكومة الائتلافية" بالتضاغطات الدولية، وتصب تركيزها فى القضايا الداخلية، ومعيار نجاح "الرئاسة" حينئذ سيكون فى تطويع العلاقات الخارجية لتكون عامل إضافة لحركة البناء، وحائط صد لعقبات نتوقع وضعها فى طريق الحكومة خاصة من قبل المعسكر الأمريكى – الصهيونى. ثالثًا شباب التحرير: إذ لا شك أن عودة سلطتى "التشريع" و"التنفيذ" لعصمة الشعب, ثم إتمام مشروع "إصلاح القضاء"، الذى وعد "د.الكتاتنى" بأنه سيكون فى مقدمة إنجازات "برلمان الثورة"، كل هذا سيجعل مصر قريبة من تشكيل "سلطات الدولة" وفق رؤى استقلالية، وهذا من شأنه أن يعجل بتنفيذ مطالب الثورة، ويقضى- أو يخفف- على حالة الاحتقان بين "الميدان" و"العسكر"، وينقلها إلى حالة تفاعل بين "الميدان" و" سلطات مدنية" تجيد التعامل مع الأوضاع السياسية، كما أن انتقال المطالب من "العسكر"وتوجيهها إلى "الحكومة" سيحول هذه المطالب من مجرد عرائض تُقدم من "الميدان" – حيث المجتمع الثائر- لسلطة عسكرية مرتبكة......... إلى مطالب واجبة التنفيذ من "قوى شعبية" إلى "سلطتهم" التى شكلوها بأنفسهم بحيث يصبح نسيج "الحكام" من نفس نسيج "الثوار"...... فيتحول تنفيذ مطالب (الشعب) إلى يد (الشعب) وليس "العسكر" كما هو حادث الآن. وأخيرًا.... و فى كل الأحوال, فإن الإصرار على هذه "المبادرة" سيساهم فى استعادة قدر كبير من الشعبية التى خسرها "العسكرى" إذا استجاب لها، كما أن الشكل العاقل الذى قُدِّمت به "المبادرة" من حيث الوقت والمضمون سيجعل "العسكرى" أمام خيار شعبى حقيقى من قوى تتحصن بالشرعية؛ وبالتالى يصبح عدم التفاعل الإيجابى معها شكلا من إشكال "التنصل" من تسليم السلطة بشكل جاد وحقيقى، ولا نظن أن "العسكرى" يستطيع تحمل تبعات هذا "التنصل". [email protected]