لم تفارق صورته عينى وذهنى , ابتسامته تؤرقنى ليل نهار , شبه كبيريجمع بينه وبين ابنى عمرو فهو فى نفس عمره 15 عاما , مثله فى الصف الأول الثانوى يحمل نفس الملامح ونفس الابتسامة ونفس العشق للنادى الأهلى , ينخلع قلبى كلما نظرت إلى صورة أنس محيى الدين شهيد الألتراس وشهيد مصر . ضحكته التى لا تفارق وجهه فى كل صورة ستظل دائما شاهدا ودليلا على عجزنا جميعا , على نفاقنا وعبثنا , على أننا لا نستحق أن تعيش بيننا براءته وضحكته التى حولناها فى لحظة إلى صرخة موت , إلى فزع طفل برئ يواجه وحوشا تنهش جسده وروحه الطاهرة أمام أعيننا جميعا على الهواء مباشرة وبين آلاف الرجال الذين عجزت رجولتهم على انقاذ طفل يواجه القتل بدم بارد . لا أحد يمكن أن يصف مشاعر أنس فى هذه اللحظات التى لم يصدق فيها مايراه , لا يصدق أن هناك بشرا بهذه الخسة والوحشية , يستقوون على طفل كل سلاحه طبلة وصفارة وفانلة حمراء وأغنية يشجع بها ناديه , قيادات أمنية متواطئة لعلها أرادت أن تنتقم من أنس ورفاقه الذين حطموا أسطورة القهر والذل وواجهوا بطش رجال العادلى أثناء الثورة، مجلس عسكرى وحكومة وداخلية لم ينجحوا إلا فى تأمين مبارك ورجاله وفشلوا فى تأمين مباراة لكرة القدم , استطاعوا تأمين ضحكة العادلى وجمال أثناء المحاكمات وفشلوا فى تأمين ضحكة أنس ورفاقه , وإعلام ظل ينعق كالبوم ينتشى وينتعش كلما سال حمام الدم المتدفق من أجساد شبابنا , ونخبة ورجال سياسة يتنازعون على تقسيم تورتة الثورة , يزايد كل منهم على الآخر إما بادعاء أنه أكثر تدينا أو أنه أكثر ثورية , ينافق بعضهم المجلس العسكرى بينما ينافق آخرون الثوار حتى وإن اختلط بهم البلطجية , وشباب ثورة تفرقوا بين الائتلافات واندس بينهم من ليس منهم , وأهل مدينة لا يعفيهم كونهم لم يشاركوا فى هذه المجزرة من المسئولية عن عدم حماية ضيوفهم الذين تم ذبحهم على مرأى ومسمع آلاف من مشجعى النادى المصرى . ضحكة أنس الصغير الذى تشبعت روحه بثورة طاهرة ظن أنها نجحت فى إسقاط نظام فاسد حين هتف لها " ارفع رأسك فوق أنت مصرى ,والشعب خلاص أسقط النظام " ثورة جعلته يعرف ويستعد للشهادة فى سن مبكرة ويشم ريح الجنة قبل استشهاده بشهر حين كتب على صفحته على موقع الفيس بوك " كنت أتمنى أن أسمع خبر وفاتى وأنا حى كى أرى العيون التى ستبكى على ", وأن يكتب وصيته لأصدقائه فيوصى فيها بأن تخرج جنازته و يصلى عليه في ميدان التحرير ، وأن يتم تكفينه بعلم مصر، يعلن فيها رغبته فى التبرع بقرنيتيه لمصابى الثورة الذين فقدوا أبصارهم . عاش أنس ومات ملاكا كسائر شهدائنا , لم يتسع له ولهم وطن لا زال يسكنه الفساد والشياطين , يحمل كل منا فى داخله جزءا من هذا الفساد الذى لم نستطع أن نتحرر منه بعد , ولن يسقط نظام مبارك حتى يصارح كل منا نفسه كى يتخلص من بقايا نظام مبارك فى داخله , وحتى يحدث هذا فإننا لا نستحق ضحكة أنس ويكفينا ضحكة العادلى . زينب عبداللاه [email protected]