أكد الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، أن هناك عدة مبشرات حول قضية تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، للسعودية منها الإفراج عن معظم من تم القبض عليهم لاعتراضهم على هذه القضية، بالإضافة إلي تصريح وزير الخارجية سامح شكري بأنه في حالة رفض البرلمان لهذه الاتفاقية تعتبر كأن لم تكن وستظل الأوضاع كما هي . وأضاف حسين، في مقال له على صحيفة "الشروق" تحت عنوان " اقتراح لحل معضلة تيران وصنافير" أن الحل هو رفض مجلس النواب لهذه الاتفاقية، التي تضر بالبلاد وعندها ستظهر الحكومة المصرية بأنها التزمت بالاتفاق مع السعودية بل ودافعت عنه، لكنها لا تستطيع أن تجبر البرلمان على التصويت على الاتفاقية .
والي نص المقال:
من الأخبار السارة والمبشرة فى الأيام الأخيرة الحكم الذى أصدرته محكمة جنح قصر النيل صباح الثلاثاء الماضى ببراءة 51 شخصا من المتهمين بالتظاهر من دون تصريح فى 25 أبريل الماضى، احتجاجا على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية. وبذلك يكون غالبية من تم القبض عليهم أو الحكم عليهم فى أول درجة على ذمة قضايا مشابهة قد تم تبرئتهم أو إطلاق سراحهم بكفالة بعد فترة عصيبة من الشد والجذب والاستقطاب فى المجتمع المصرى بأسره.
ومن الأخبار السارة أيضا التصريح الذى أدلى به السفير سامح شكرى وزير الخارجية مساء الثلاثاء الماضى ايضا، خلال لقائه مع مجموعة من الشباب نظمته وزارة الشباب والرياضة، وقال فيه: «إذا رفض مجلس النواب اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، فإنها ستكون كأن لم تكن وستظل الأوضاع كما هى، وان مجلس النواب يمتلك كل الصلاحيات لمراجعة اتفاقية تيران وصنافير».
أهمية الخبر الأول أنه يعنى عمليا بدء تصفية التركة الثقيلة التى أعقبت الإعلان عن الاتفاقية فى أوائل أبريل الماضى، وأهمية الخبر الثانى أنه يفتح الباب أمام حل عبقرى للمشكلة بصورة حضارية.
فى هذه السطور لن أدخل فى جدل الخرائط والوثائق والأوراق والمراسلات الدبلوماسية منذ عشرات السنين، لأن هذا الأمر لن يحل المشكلة، ما يشغلنى، وينبغى أن يشغل كل شخص أن تنتهى هذه القضية بصورة محترمة تحفظ للجميع ماء وجوههم لمصر سيادتها، وفى الوقت نفسه علاقتها المتميزة مع السعودية.
يمكن فهم خطورة الموقف الذى وجدت الحكومة المصرية نفسها عالقة فيه، بسبب الاسلوب غير الموفق كلية منذ بداية الإعلان عن الاتفاقية، والذى جعل الحكومة تبدو وكأنها محامى الجانب السعودى!.
الرسالة المهمة التى ينبغى أن تصل إلى الحكومة، ليست هى الوثائق والمكاتبات والصح والخطأ، لكن الخسائر الفادحة التى ستلحق بها إذا تم بالفعل تنفيذ هذه الاتفاقية على أرض الواقع الآن.
مرة أخرى أنا لا أتحدث عن جدل لمن السيادة على الجزيرتين، ولكن عن الأخطار المحدقة بمصر، بل وبالسعودية إذا تم تنفيذ الاتفاق بصورته الراهنة. أحلم بسيناريو ينهى المشكلة من أساسها. عندما تذهب الاتفاقية إلى مجلس النواب، وعندما يترك الأمر للنواب ولضميرهم وعندما يقومون بالتصويت بناء على جميع الأمور المتعلقة بالقضية، فظنى الشخصى أن نتيجة التصويت سترفض الاتفاقية بصورتها الحالية.
إذا حدث هذا الأمر فسيكون مخرجا لائقا للجميع. سيظهر الحكومة المصرية بأنها التزمت بالاتفاق مع السعودية بل ودافعت عنه، لكنها لا تستطيع أن تجبر البرلمان على التصويت على الاتفاقية مثلما حدث فى مشروع قانون الخدمة المدنية الذى دافعت عنه الحكومة بشدة، لكن البرلمان أسقطه.
فى هذه الحالة لن تغضب السعودية بشدة لسبب بسيط أنها لا يمكن أن تدخل فى صراع مع ممثلى الشعب المصرى، وبعدها يمكن اعادة التفاوض مرة أخرى على اتفاق جديد يلبى مصلحة البلدين وعلى قواعد مختلفة كلية عن الطريقة التى جرى بها الاتفاق الأول، أو حتى تأجيل الأمر برمته إلى وقت اخر يكون ناضجا لاتفاق جديد.
قد يكون مفهوما أن تدافع السعودية عما تعتقد أنه حقها فى الجزيرتين، لكن قد يكون منطقيا أيضا أن تتفهم السعودية خطورة حصولها على الجزيرتين، وفى الوقت نفسه أن يتسبب ذلك فى توجيه ضربة قاصمة لعلاقات البلدين خصوصا فى شقها الشعبى.
لو كنت مكان الحكومة وسائر أجهزتها لتركت الأمور بحرية للبرلمان، وجعلته يمارس صلاحياته الحقيقية فعلا، ووقتها سوف يربح الجميع، بما فيهم السعودية، فهى لن تكون كاسبة استراتيجيا إذا حصلت على الجزيرتين وخسرت تعاطف الشعب المصرى.
هذا امتحان مهم فى مسيرة علاقات البلدين، أرجو أن يتم اجتيازه بأقل الخسائر الممكنة.